تشهد الأقساط المدرسية في لبنان للعام الدراسي 2024-2025 زيادات عشوائية تتجاوز القانون، إذ رفعت المدارس الخاصة أقساطها بالدولار من دون الالتزام بالقانون 515، الذي ينظّم آلية زيادة الأقساط المدرسية. يفرض هذا القانون أن تخضع كلّ زيادة على الأقساط لموافقة لجان الأهل ومراجعة موازنات المدارس، وهو ما لم تلتزمه المدارس. 

على سبيل المثال، جال "الصفا نيوز" على بعض المدارس الخاصة، التي رفعت أقساطها 50 في المئة، من 1,500 دولار إلى 3,000. مع العلم أنّ هذه الزيادات قد تكون غير نهائية وخاضعة لمزيد من الارتفاع. فيما تخطّت أقساط بعض المدارس الخاصّة حاجز الـ4 آلاف دولار وصولاً إلى 10 آلاف. وبرغم استقرار سعر صرف الدولار منذ أكثر من عام، وعدم حدوث زيادات في المصاريف التشغيلية، تتذرّع المدارس بتحسين رواتب الأساتذة والموظفين لتبرير الزيادات. 



هذا الوضع أثار غضب عدد كبير من الأهالي والناشطين، الذين عبّروا عن رفضهم هذا الواقع بفيديوهات وتغريدات ونصوص نشروها على مواقع التواصل الاجتماعي وفي ما يلي عيّنة منها:  


وإلى ذلك، لفتت مصادر قانونية في حديثها لـ "الصفا نيوز" إلى أنّ "المدارس تتجاهل التعميم 33 الصادر عن وزير التربية عباس الحلبي، والذي يمنع فرض أيّ مبالغ خارج إطار الموازنة المدرسية والقسط المحدد. ويتجاوز هذا التجاهل مرحلة الزيادات العشوائية إلى خرق القوانين المنظّمة للقطاع، إذ يفترض القانون أن تشكّل الرواتب والأجور 65 في المئة من الموازنة المدرسية، في حين تبلغ بقية النفقات 35 في المئة". 

وأضافت المصادر  "هناك خلل في النصوص التشريعية، إذ لا يخلو القانون 515 من ثغرات تتيح للمدارس تجاوز العقوبات عند ارتكاب مخالفات. فهذا القانون الذي أقرّ عام 1996 فُصّل على قياس أصحاب المدارس الخاصة، لأنّه لا ينصّ على أيّ محاسبة في حال ارتكاب المدارس الخاصة مخالفات. لكنه نصّ على وجوب وضع مجالس تحكيميّة تربويّة للفصل في النزاعات والمخالفات، أي إيكال المهمّة إلى القضاء التربوي الذي يلجأ إليه الأهل والمدارس لدى نشوب نزاع ما، والمجالس التحكيميّة هذه معطّلة قسرًا منذ خمسة عشر عامًا، لأنّ المدارس لا تريد ممثلين فعليين عن لجان الأهل في هذه المجالس، التي تتألف من عضوين من لجان الأهل وعضوين من إدارات المدارس، وأعضاء من وزارة التربية وقاضٍ. والوزراء المتعاقبون لم يعمدوا إلى تشكيلها". 

وتابعت المصادر نفسها "كان قد أشار وزير التربية في كتابه إلى ضرورة الالتزام بآليات زيادة الأقساط وعدم تجاوز القانون، داعيًا إلى تقديم موازنات شفافة تحمل توقيع لجان الأهل ومراجعتها من قبل الوزارة. كما شدّد على أهمية مراقبة التزام المدارس تقسيم القسط ثلاث دفعات وأن لا تتجاوز الدفعة الأولى 30 في المئة من القسط السنوي للسنة السابقة، مشيرًا إلى أنّ كلّ زيادة غير قانونية ستترتب عليها إجراءات قانونية". 

هناك عدة عوامل تقف وراء هذا التعسف، برأي عدد من الأهالي الذين تواصل "الصفا نيوز" معهم، ومن هذه العوامل "تواطؤ لجان الأهل مع إدارات المدارس لتمرير هذه الزيادات".  

كذلك أشار بعض أولياء الطلاب إلى ما وصفوه بـ "كارتيل المدارس الخاصة واتحاداتها"، التي تتبع غالبًا لمرجعيات دينية وسياسية، و"تمارس ضغوطًا للحفاظ على مصالحها".  

على مقلب آخر، يواجه الأهالي همّاً إضافياً. فعدا الأقساط التي ارتفعت بنسب خيالية، يزيد ارتفاع كلفة القرطاسية والكتب المدرسية الطين بلّة. 

وفي جولة على بعض المكتبات، تبيّن أنّ "أسعار الكتب المستوردة مرتفعة جداً خصوصاً أنّ الدعم قد رفع بشكل تام عن جميع الكتب الأجنبية منذ العام الماضي، فيما كلفة الشحن ارتفعت نتيجة اضطرابات البحر الأحمر. لذلك مع تسلّم الأهل لائحة الكتب المطلوبة للعام الدراسي 2024 – 2025، أدركوا الفروق الكبيرة في تسعيرة الكتب التي أصبحت بـ"الفريش" على سعر الصرف الجديد، وهو 89 ألف ليرة. وفي ظلّ غياب سياسة دعم الكتاب المحلي، هناك تراجع كبير في الإقبال على شراء الكتب الجديدة بنسبة تفوق الـ 90 في المئة. 

وقد حصل "الصفا نيوز" من إحدى المكتبات على المعدّل العام لكلفة شراء الكتب المحلية والمستوردة للحلقات الدراسية الثلاث في مدرسة عادية، ومدرسة أخرى تتبع نظاماً تعليمياً أجنبياً. ففي المرحلة الابتدائية يصل معدل تكاليف مجموعة الكتب الدراسية المحلية في مدرسة عادية الى نحو 155 دولاراً، بعدما كان العام المنصرم 75 دولاراً. في حين أنّ سعر المجموعة في مدرسة خاصة يراوح ما بين 200 و250 دولاراً، بحسب الصف والمرحلة.  

وفي دردشة مع عدد من الأهالي، تبيّن أنّ 95 في المئة منهم يميلون إلى شراء الكتب المستعملة لأولادهم، أو اعتماد المبادلة، بسبب ارتفاع الأسعار، في حين أنّ نسبة الذين يرغبون في ابتياع الكتب الجديدة لا تتجاوز 5 في المئة. 

أمّا كلفة الدفاتر وما يتبعها من أغراض قرطاسية، فتبدأ من 50 دولارًا للتلميذ الواحد، في حال عدم احتساب ثمن الحقيبة البالغ 20 دولاراً على الأقل. 

في النهاية، تواجه الأهالي تحديات قاسية مع استمرار المدارس الخاصة في رفع أقساطها من دون مراعاة أوضاعهم الاقتصادية الصعبة، إذ يبقى الخيار أمامهم محدودًا إمّا تحّمل هذه الأعباء أو اللجوء إلى التعليم الرسمي، الذي يعاني بدوره مشكلات عديدة. وهذه الأزمة ليست بمستجدّة. فمع كلّ انطلاقة عام جديد يعود موضوع أقساط المدارس إلى الواجهة، ليصبح قضية رأي عام، يجب التطرق إليها كلّ مرة لتذكير المعنيين بوجوب التحرّك، ولكن من دون جدوى.