بينما كانت المفاوضات تبحث وقف حرب إسرائيل على غزة وسّع رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو نطاق اعتداءاته مُدخِلاً الضفّة الغربية ضمن بنك أهدافه. نفّذ عملية عسكرية هدفها تهجير المزيد من الفلسطينيين المقيمين في مناطق تعاني كثافة سكنية. المتوقّع أنّ العملية الإسرائيلية لن تكون قصيرة وستواجه مقاومة قوية حسب مصادر ميدانية توقّعت حرباً لن تحسم قريباً. على أنّ الخوف محلّياً من أن يقرّر نتنياهو أن تكون ساحة الجنوب هي المرحلة التي تلي حربه على الضفة، فيحقّق اعتداءات تلحق المزيد من الدمار والتهجير.

لا أصداء مطمئنة إلى مستقبل جبهة الإسناد جنوباً. ارتباط هذه الجبهة بحرب إسرائيل على غزة صعّب مسارها وجعله عصيّاً على المعالجة، خاصّة أنّ اتفاقاً بين حزب الله وحماس على جدوى هذه الجبهة في تقوية الموقف الفلسطيني في المفاوضات غير المباشرة لوقف النار. يومياً، تزداد وتيرة الاعتداءات الإسرائيلية ضد القرى والبلدات الجنوبية، وتلحق دماراً هائلاً بالمنازل والممتلكات، وهذا ما يشير إلى سعي إسرائيل إلى رسم معادلة جديدة على الحدود مع لبنان، من طريق إنشاء منطقة أمنية عازلة من خلال استهداف كلّ القرى الحدودية، وتحويلها أراضي مدمّرة يصعب العيش عليها أو عودة سكانها إليها. حقّقت إسرائيل ذلك تدريجياً وتستهدف بالمقابل كوادر المقاومة وعناصرها موسّعة جغرافية أهدافها إلى صيدا وضواحيها.

صار الجنوب مسرحاً لاعتداءات إسرائيل على امتداد مساحته. ما دامت المفاوضات لم تصل إلى اتفاق على وقف النار، فإنّ احتمالات الحرب الواسعة على الجنوب تبقى قائمة ومحتملة، خاصة في ظلّ أصوات إسرائيلية توصي باجتياح الجنوب من خلال عمليات تدمير ممنهجة لجعله أرضاً محروقة. والخشية من أن تلجأ إسرائيل بعدما اقتحمت الضفة إلى تنفيذ مخطّطها في جنوب لبنان .

المفاوضات التي رعتها أميركا وأصرّت عليها كان هدفها التفاوض لأجل التفاوض

تلاحظ مصادر ميدانية أنّ رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو بات يستفرد بالساحات، وهو اقتحم الضفّة الغربية بعد غزّة ورفح وتحويلهما أرضاً محروقة.

وعلى ما يبدو، فقد انتهت فترة المفاوضات التي ترى مصادر ميدانية أنّ غايتها قد تحققت، بحيث تمّ امتصاص لهجة التهديد بحرب إقليمية وبات تركيز نتنياهو على الداخل الفلسطيني والجنوب اللبناني.

والمتوقع أن تستحوذ عمليات إسرائيل العسكرية في الضفّة على حيّز الاهتمام، خاصة أنّ المعلومات الميدانية تدل على قدرة المقاومة على الصمود، وتتحدث عن عمليات تصدٍّ واسعة ستشهدها إسرائيل في الضفة، وقد تتطور إلى مرحلة عودة الاستشهاديين الفلسطينيين ضد الاحتلال الإسرائيلي.

بالاعتداء على الضفة، يتبيّن أنّ العمل الإسرائيلي والأميركي تركّز خلال الأيام الماضية على تحقيق أهداف عدة، منها: خفض التوتر وإبعاد شبح الحرب عن المنطقة وتمرير الحملة الانتخابية للمرشّحة كَمَلا هاريس وتعزيز وضعية نتنياهو لاحتواء الداخل.

تقول مصادر محور المقاومة إنّ المفاوضات التي رعتها أميركا وأصرّت عليها كان هدفها التفاوض لأجل التفاوض، وليس لتحقيق وقف الحرب على غزّة، ومن أجل كسب الوقت. لذا من غير المتوقع وقف الحرب قريباً وليس قبل الانتخابات الأميركية، وهذا يعني استمرار جبهة الإسناد وتحوّلها جبهةَ استنزاف طويلة، من دون أن تتحول حرباً واسعة بالضرورة.

يرفض حزب الله ربط جبهة الإسناد بالمفاوضات. الذي ارتبط بتلك المفاوضات هو الردّ على اعتداء الضاحية واستشهاد القيادي فؤاد شكر. يؤكّد حزب الله أنّ الجبهة في الجنوب مرتبطة ارتباطاً لا عودة عنه بجبهة غزّة، والموضوع لا علاقة له بالضفّة. يقرّ حزب الله أنّ جبهة الإسناد تحوّلت حرب استزاف وما من شك أنّها حرب استنزاف لإسرائيل أيضاً، مستبعداً أن يتجه نتنياهو إلى الجنوب بعد غزّة، لأنّ الحرب قائمة في الجنوب قبل الضفّة وستستمر بعدها، وما يفعله نتنياهو في الضفة ليس أقلّ ما يفعله في لبنان، ولو كان يريد حرباً شاملة لفعلها يوم ردّ حزب الله على اغتيال فؤاد شكر، لكنّ حساباته، كما يراها حزب الله، معقّدة جداً إذ يواجه أزمة اقتصادية واجتماعية كما أنّ أميركا تثنيه عن خطوة كهذه.

المفاوضات صارت في خبر كان. والأمور، وإن لم تتجه إلى مزيد من التأزم، وهذا محتمل، ستستمر على المنوال عينه، اعتداءات وردّ من حزب الله تختلف وتيرته باختلاف الهدف الإسرائيلي.

بردّه على استهداف إسرائيل، استعاد حزب الله قوة الردع. حُيّدت الضاحية وبقي الجنوب جبهة إسناد يرتبط مصيره بمصير الحرب على غزّة ومفاوضاتها المعقدة،وهذا ما يؤكّد استمرار النزف أشهراً إضافية إلّا في حال التوصّل إلى تسوية شاملة، لا تزال تصرّ مصادر ديبلوماسية على إمكانية إنضاجها قبل انتخابات الرئاسة في أميركا.