يضاعف تصاعد الهجمات وتوسّع نطاقها الجغرافي المخاوف من تحوّل الحرب الدائرة على الحدود الجنوبية إلى حرب شاملة بين إسرائيل وحزب الله. كلّ الأجواء المحيطة لا تبعث على الاطمئنان، ومثلها رفع وتيرة التهديدات الإسرائيلية المتوالية، وما تتناقله وسائل الإعلام الاسرائيلية من تصريحات تدفع باتجاه شنّ حرب واسعة على لبنان لردع حزب الله. تلاقي هذه التهديدات من الجانب اللبناني توقّعات بالحرب لا تجد تفسيراً لأسبابها أو مبرراً، كان آخرها ما قاله النائب مروان حمادة وتسبّب في حال من الهلع والبلبلة لتأكيده أنّ الحرب ستقع في غضون أيام أو ساعات قليلة. وهذا ما استدعى ردّاً من نائب حزب الله ابراهيم الموسوي ينتقد فيه "‏حملة تهويل مبرمجة ممنهجة حول حرب واسعة خلال الساعات أو الأيام المقبلة". ناقضاً فرضية الحرب بالقول إنّ "الوضع الحالي يجعلنا في الحرب، أمّا حسابات الحرب الواسعة فمعقّدة جداً وليست بهذه البساطة". ويختم مطمئناً جمهوره "مقاومتكم قوية جداً وفي كامل جهوزيتها وأعلى استعداداتها، وعدوّنا يحاول استرجاع جزء من معنوياته المنهارة وتغطية فشله".

لاحقاً، تراجع حمادة عن كلامه، وقال إنّه بناه على تطورات الميدان وليس نقلاً عن مصادر ديبلوماسية كما ذكر سابقاً. وتقول مصادر واسعة الاطّلاع إنّ ضغوطاً مورست على حماده للتراجع والتوضيح خاصّة أنّه كان حلّ ضيفاً على مأدبة عشاء أقامها رئيس الحزب الاشتراكي السابق وليد جنبلاط بحضور السفير الفرنسي في لبنان.

يراقب لبنان بريبة وحذر قرار مجلس الأمن المتعلّق بالتمديد لقوات اليونيفيل العاملة في الجنوب...

كان فشل الجولة الأولى من المفاوضات من الأسباب التي عزّزت احتمالات التصعيد في لبنان والمنطقة، وتنقل مصادر ديبلوماسية في الأمم المتحدة أنّ خيار الحرب، قائم في أيّ وقت، إلّا أنّ العمل جار على لجمه وردع رئيس وزراء إسرائيل عن خطواته التصعيدية. وتنقل المصادر إلى "الصفا نيوز" أنّ الولايات المتحدة، كما إيران وحزب الله، تتجنب خيار الحرب لما من شأنه أن يتوسّع ليشمل نطاق المنطقة بكاملها. إلّا أنّ هذا لا يمنع من وجود نيّات لدى مسؤولين إسرائيليين في الحكومة وفي مجلسها الحربي يدعون إلى ردع حزب الله بشنّ هجوم على مناطق واسعة من لبنان. ولهذا السبب، فإنّ أوساطاً محيطة بمحور المقاومة لا تزال تستبعد خيار الحرب الواسعة، وإن كانت الاستعدادات لخوضها متواصلة. وتتحدث المصادر الديبلوماسية عن سعي أميركي إلى احتواء التصعيد في المنطقة، وقد يكون مستبعداً أن يذهب الإسرائيلي بعيداً في إحراج الأميركي. وفي الحالين، لا يزال حزب الله يؤكّد أنّه في أعلى درجات التأهّب لصدّ أيّ محاولة إسرائيلية لتوسعة العدوان، وهو تصدّى أخيراً لعدّة محاولات توغّل إسرائيلية في الأراضي اللبنانية. يربط حزب الله، وفق أوساطه، إنذارات الحرب وتوقّع اندلاعها بفشل المفاوضات بين "حماس" وإسرائيل التي لا تزال ترفض مطالب "حماس" وتفرض شروطاً قاسية للاتفاق ولعودة الفلسطينيين إلى غزة.

إذا كان خيار الحرب متأرجحاً، فإنّ إسرائيل عمدت قبل أسابيع إلى توسعة نطاق ضرباتها لتشمل، بالإضافة إلى الجنوب، مناطق بقاعية عدّة مستهدفةً أيضاً عناصر لحزب الله. ترافق ذلك مع إعلان القناة 12 الإسرائيلية أنّ جيش الاحتلال بدأ بنقل قوات من غزّة إلى الشمال، وهي تولي جبهة لبنان أهمية أكبر. تزامن ذلك مع قول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، "إنّنا مستعدّون لأيّ سيناريو في الدفاع أو الهجوم ضدّ التهديدات القريبة والبعيدة".

جاء هذا التصعيد في وقت أعلنت "حماس" وإسرائيل فشل المفاوضات التي عُقدت في الدوحة، والتي لا تزال مستمرّة علماً بأنّ محور المقاومة غير متفائل بنتائجها. في تحليل مصادر "حماس" لـ"الصفا نيوز" أنّ الإسرائيلي يسعى إلى إضاعة الوقت، وهو قد يفاجئ العالم بتوسعة الحرب ضمن نطاق تبادل الهجمات". أمّا الجانب الأميركي فقد أبلغ لبنان صراحة عزمه منع تدهور الأوضاع، لكنّه غير واثق بمدى تجاوب نتنياهو. وينقل عن الموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكستين قوله إن بلاده تسعى إلى احتواء التصعيد، لكنّ الأجواء تنذر بالأسوأ. وقال لو أنّ الذين سقطوا في عين شمس أطفال إسرائيليون لتعقّدت الأوضاع أكثر فأكثر.

في هذه الأثناء، يراقب لبنان بريبة وحذر قرار مجلس الأمن المتعلّق بالتمديد لقوات اليونيفيل العاملة في الجنوب، وتنقل مصادر ديبلوماسية لبنانية في نيويورك أنّ لبنان مطمئن إلى الجهود التي بذلت لتمرير قرار التمديد من دون اعتراضات أو مشكلات. وقالت إنّ المشروع الفرنسي بشأن التمديد مقبول، وقد نجح لبنان في اختصاره من دون تقديم تفاصيل عن عمل قوات الطوارئ، وإن المهم هو ضمان التمديد لولاية سنة جديدة من دون المسّ بالموازنة وتقليصها، كما بقيت صيغة عملها بالتعاون مع الجيش على حالها. وهذا هو المهم.

خلاصة القول نقلاً عن مصادر محور الممانعة فإنّ لبنان على موعد مع ضربات إسرائيلية واسعة النطاق من دون أن تنتهي إلى حرب بالضرورة، وهذه إن حصلت تبعث على القلق أيضاً. فهل تحدث المفاجأة في حصول الاتفاق في آخر لحظة بعد أن يرجع الموفدون إلى الاجتماع نهاية الأسبوع الجاري، أم أنّ الكلمة الأخيرة ستكون للميدان وحده؟