لا تزال أزمة الإيجارات المرتفعة في ظلّ الوضع الأمني المتأزم في الجنوب، وخصوصاً في المناطق الحدودية، تلقى حملة انتقادات واسعة من عدد من الجهات الرسمية والقانونية والناشطين الحقوقيين.  

ففي ظلّ هذه الظروف، يتّجه بعض المالكين والمستثمرين في العقارات إلى استغلال حاجة النازحين إلى السكن من خلال رفع بدلات الإيجار بشكل مبالغ فيه، قد يصل إلى ثلاثة أضعاف القيمة الفعلية للإيجار. هذا السلوك لا يقتصر على مناطق معيّنة بل يمتد إلى المدن الرئيسية التي يقصدها النازحون مثل بيروت والضواحي، حيث تتضاعف أسعار الإيجارات أحياناً. 

يستغلّ بعض أصحاب المُلك الوضع الأمني المتدهور وحاجة النازحين الماسّة إلى مأوى في هذه المرحلة الصعبة، لتحقيق أرباح سريعة، ضاربين عرض الحائط بالمعايير الأخلاقية والإنسانية التي تتطلّب التضامن في مثل هذه الأزمات. وكان موقع "الصفا نيوز" قد سلّط الضوء على عدد من الحالات التي تعرّضت لتمييز طائفي وعنصري واستغلال من قبل بعض مالكي الشقق. 


التأثير الاجتماعي والاقتصادي 

يؤدي رفع الإيجارات إلى زيادة الضغط على العائلات النازحة التي تعاني من الخسائر المادية والمعنوية بسبب النزوح. فالنازحون يجدون أنفسهم مجبرين على دفع مبالغ طائلة للحصول على سكن مؤقّت، وهذا ما يؤدي إلى تفاقم معاناتهم وزيادة العبء الاقتصادي عليهم. هذا السلوك يساهم أيضاً في تعميق الفجوة بين اللبنانيين، ويزيد من التوتّرات الاجتماعية بين مختلف الفئات والمناطق. 

من ناحية أخرى، يؤدي هذا الاستغلال إلى تشويه الصورة العامة لبعض الملّاك والمستثمرين في لبنان، حيث ينعكس هذا السلوك على مجتمع يعاني أصلاً من أزمات اقتصادية وأخلاقية متتالية. وبدلاً من تعزيز مبدأ التضامن الاجتماعي في أوقات الأزمات، يتم استغلال الضعفاء لتحقيق مكاسب شخصية. 

دعوات إلى تفعيل قوانين تراقب وتحدّد أسعار الإيجارات، خاصة في ظلّ الأزمات الإنسانية، لمنع استغلال الأوضاع الصعبة التي يعيشها الكثير من اللبنانيين...

ردود الفعل والدعوات إلى التضامن 

في ظلّ هذه الأزمة، تتعالى أصوات المجتمع المدني والناشطين الحقوقيين لرفض هذه الممارسات غير الأخلاقية. وهناك دعوات إلى تفعيل قوانين تراقب وتحدّد أسعار الإيجارات، خاصة في ظلّ الأزمات الإنسانية، لمنع استغلال الأوضاع الصعبة التي يعيشها الكثير من اللبنانيين. 

كما تشدّد هذه الأصوات على أهمية استعادة روح التضامن والتعاون بين اللبنانيين في مثل هذه الأوقات الصعبة، فالتكاتف الاجتماعي يجب أن يكون الركيزة الأساسية لمواجهة التحديات المشتركة. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ الدولة اللبنانية مطالبة بالتدخّل من خلال فرض رقابة على أسعار الإيجارات وتوفير حلول سكنية بديلة للنازحين. 

وفي هذا الإطار، أصدر القاضي مروان عبود، محافظ مدينة بيروت، بلاغاً مما جاء فيه "في إطار التكاتف والتضامن الوطني في مواجهة تداعيات الاعتداءات الإسرائيلية على الجنوب وبلداته للشهر العاشر على التوالي، وحيث إنَّ هذه الحرب العدوانية التي يتعرّض لها لبنان تستوجب من اللبنانيين التكاتف والتعاضد، نتوجه إلى كلَّ مَن تعاطف وفتح بيته للنازحين بالتحية وندعو إلى مراعاة الظروف وعدم الاستغلال لرفع قيمة الإيجار ووضع الشروط كما تقتضيه الأخوة والمواطنة". 

وجاء في البلاغ أيضاً "وفي حال استغلال بعض مالكي الشقق السكنية ظروف النازحين وتأجيرها بقيمة أعلى من قيمتها التأجيرية الفعلية ستعتمد بلدية بيروت هذه القيمة كمعيار للقيمة التأجيرية للشقة المؤجرة في حال إشغال العقار من قبل المالك سندًا لأحكام قانون الرسوم والعلاوات". 

على مقلب آخر، قال لـ"الصفا نيوز"رئيس "تجمّع الحقوقيين للطعن وتعديل قانون الايجارات" أديب زخور  "يجب عدم التفكير في استغلال أيّة عائلة أو أفراد اضطروا إلى ترك بيوتهم قسراً بسبب الحرب أو خوفاً منها، والانتقال إلى العيش والاستئجار في مناطق جبلية أو ساحلية بعيدة من الصراع والحرب. ينبغي عدم استغلالهم بأيّة طريقة كانت لرفع بدلات الإيجار، وهو ما يُشكّل جرماً يعاقب عليه القانون استناداً الى المادة 685 من قانون العقوبات، وهي تنصّ على أنّه يُعاقب بالحبس من 6 أشهر إلى سنتين وبالغرامة، كلّ من توصّل بالغش لرفع أو تخفيض أسعار البضائع، أو بتقديم عروض للبيع أو الشراء بقصد بلبلة الأسعار، أو بالإقدام على أيّ عمل من شأنه إفساد قاعدة العرض والطلب في السوق". 

وأضاف زخور "بما أنّ الفقرة الأخيرة جاءت شاملة لأيّ عمل بقصد إفساد العرض والطلب وتشمل السوق العقارية والتأجير واستغلال المواطنين والحرب في الجنوب أو قد تمتد إلى منطقة أخرى، لرفع بدلات الإيجار للشقق السكنية بطريقة غير قانونية، بحيث يمكن النيابة العامة التمييزية والاستئنافية التحرّك فوراً لقمع هذه المخالفات، كما يمكن كل متضرر التقدّم بإخبار وشكوى لتحريك الدعوى العامة ومنع المتاجرة بأبناء الوطن واستغلال الحرب والنزوح من الجنوب ومن بيروت لرفع بدلات الإيجار بطريقة استغلالية وغير قانونية، ويمتدّ هذا الحق والواجب في المراقبة إلى البلديات والقائمقاميات والمحافظات وكلّ الأجهزة لمنع المخالفات، ويمكن أن تصل العقوبة إلى سنتين مع التوقيف والغرامة، ويجب التشدّد في تطبيقها، بخاصّة في هذه الظروف الصعبة جداً على المستويات كافّة". 

ولمنع رفع بدلات الإيجار بطريقة غير قانونية واستنسابية، ومنعاً لإفساد العرض والطلب خلافاً للمادة 685 عقوبات، التي تعاقب بالحبس لمدّة تصل إلى سنتين وبالغرامة، تابع زخور  "وإضافة إلى تحريك الدعوى العامة، يتعيّن على البلديات والأجهزة المختصة اعتماد العرض والطلب وبدلات الإيجار للشقق التي كانت رائجة قبل الحرب في الجنوب كمعيار لبدلات الإيجار، والمسجّلة في البلديات منذ نحو عشرة أشهر أي قبل شهر تشرين الأول الماضي من العام 2023، وإلزام تسجيل العقود الجديدة في البلديات وفقاً لهذه الأسعار والقيمة التأجيرية تحت طائلة إحالة المخالفين على النيابة العامة وتوقيفهم وفرض غرامات مرتفعة والمصادرة. وكنّا اقترحنا سابقاً أن يضع المجلس النيابي سقفاً لبدلات الإيجار، ووضعنا الآلية والإجراءات المتصلة بها. ينبغي الآن أخذ الإجراءات العاجلة والطارئة لمنع تفلت الأمور واستغلال المواطنين والعائلات، وإنزال أشدّ العقوبات بالمخالفين وفقاً للقانون وللخطّة المقترحة أعلاه لمنع المتاجرة بأهل وطننا في هذه الظروف الاستثنائية جداً وحماية لهم". 

وطالب زخور رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بـ"اتخاذ الإجراءات القانونية والعملانية اللازمة لمنع استغلال الأوضاع الأمنية والحرب في الجنوب لرفع بدلات الإيجار من دون أيّ ضابط او رادع". وقال "نضع بعهدته خطّة متكاملة لضبط بدلات الإيجار من التفلّت، ولعدم استغلال بعض المالكين الأوضاع للمتاجرة بآلام اللبنانيين الذين يكفيهم ما عانوه في ظل الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المتردّية على كلّ الصعد وحجز أموال المودعين وانهيار الدولة المالي، ودورنا يقوم على بث الرجاء وعدم اليأس، لأن هدفنا إنقاذ الوطن على الرغم من كلّ المخاطر". 

ودعا إلى "التضامن مع أهالينا من كلّ المناطق المعرّضة للقصف أو للخطر من أيّ نوع كان، وفتح بيوت اللبنانيين لأنّ هذا الوقت يتطلّب التضامن بين أبناء الوطن، على الرّغم من أنّنا ضدّ الحرب بكلّ أشكالها، ومن هنا جاء تطويب المكرّم البطريرك اسطفان الدويهي علامة رجاء وإيمان ومحبّة وسلام لوطننا، الذي هو منارة للشرق والغرب في العلم والحكمة والسلام. وعلينا مساعدة بعضنا بعضاً كعائلة كبيرة يجمعها حبّ الوطن والعمل على البقاء فيه". 

إنّ استغلال بعض اللبنانيين للوضع الأمني في الجنوب بغية رفع بدلات الإيجارات يعدّ انتهاكاً لأخلاقيات التضامن الاجتماعي في ظلّ الأزمات، وخرقاً واضحاً لأحكام القانون. وبينما يبحث النازحون عن الأمان والسكينة، يجدون أنفسهم ضحايا لجشع بعض المالكين. لذلك، يجب على المجتمع اللبناني أن يقف صفاً واحداً ضد هذه الممارسات، وأن يعمل على تعزيز القيم الإنسانية والتكافل في مواجهة التحديات.