شهد أولمبياد باريس 2024 مشاركة واسعة من الرياضيين العرب في مجموعة متنوعة من الرياضات، مثل ألعاب القوى، ورفع الأثقال، والسباحة، والمبارزة. هذه المشاركة لم تكن مجرد محاولة للحصول على الميداليات، بل كانت أيضًا فرصة لإظهار القدرات والمواهب الرياضية في العالم العربي على المسرح العالمي. مشاركة العرب في أولمبياد باريس 2024 تعكس تاريخًا طويلًا من التفوق الرياضي والالتزام بالتحدي على المستوى العالمي. لكن مع هذه الآمال الكبيرة، كانت هناك أيضًا تحديات جسيمة، ليس على الصعيد الرياضي فحسب، بل أيضًا على صعيد التمييز والمعاملة غير العادلة التي واجهها بعض الرياضيين العرب.
أولمبياد باريس: تفضيل للاعب الأجنبي
على مقلب آخر، لم تأت الإنجازات التي حقّقها العرب في أولمبياد باريس من دون ضريبة. فعلى الرّغم من التمثيل العربي الجيد، واجه بعض الرياضيين العرب أشكالًا من التمييز خلال المنافسات. تمثّل هذا التمييز في بعض الحالات في تفضيل رياضيين من دول أخرى في القرارات التحكيمية، أو في التغطية الإعلامية التي ركّزت على الرياضيين من الدول الكبرى وأهملت إنجازات الرياضيين العرب.
كما أنّ بعض الرياضيين واجهوا صعوبات في الحصول على تصاريح السفر أو التأشيرات في الوقت المناسب، وهذا ما أثّر على مسار استعدادهم للمشاركة في المنافسات. وفي حالات أخرى، كان هناك تمييز في البنية التحتية والدعم اللوجستي المقدّم إلى الفرق العربية مقارنة بنظرائهم من الدول الأخرى.
كذلك عاش عدد من اللاعبين أبشع أنواع التمييز الجندري والعنصري. وعلى رأسهم الملاكمة الجزائرية إيمان خليف، التي تعرّضت لـ "حملة أبوية تمييزية، من قبل أشخاص ينتمون إلى دول تدّعي دعمها المساواة والمشاركة في الحقوق والإنسانية، وتدّعي أنّها ألغت كلّ الفروق القائمة على أساس الجندر والنوع الاجتماعي"، بحسب تعبير منسّقة التحرير في منصّة "شريكة ولكن"، الناشطة النسوية، مريم ياغي في حديثها لـ "الصفا نيوز".
وأضافت ياغي "تعرّضت خليف لهجمة تمييزية للوصم على أساس شكلها، للوصم على أساس المعايير الأبوية الذكورية التي تحدّد كيف يجب أن تكون المرأة، وكيف يجب أن يظهر جمالها لتصنّف على أنها امرأة، وبالتالي هذه معايير أبوية صرفة استخدمتها الدول التي تدّعي أنها وصلت إلى المعايير الإنسانية الكاملة لتحديد المساواة وفرضها على أساس الجندر والنوع الاجتماعي. فما إن عبّرت منافسة ايمان خليف (الإيطالية، البيضاء البشرة) عن حزنها بالخسارة ووصمت خصمها على أساس الشكل، تضامن معها رؤساء دول ووزراء، وهو ما يحمل في طيّاته الشعور بالتفوق وبالتميز على أساس القومية، أو على أساس العرق لدى الأشخاص التابعين إلى هذه الدول التي تنظر إلى الأعراق الأخرى نظرة فوقية وترى نفسها أنّها المتميّزة والأرفع".
مساواة عددية: هل هي كافية؟
كما انتقدت ياغي اللجنة الأولمبية التي "تفاخرت"، بحسب تعبيرها، بتحقيقها "المساواة العددية الكاملة على مستوى الرياضيين والرياضيات، وهي نظرة سطحية ومحط نقد. ففي سبيل أن تتطور النظرة للمساواة المنشودة التي نطمح إليها يجب أن تكون بعيدة عن العددية، وعن تصنيف النساء على أساس العدد أو على أساس الشكل. وهو ما أكّد أنّ المساواة على الشكل العددي لا تلغي التمييز، إذ بيّنت الألعاب الأولمبية وطريقة التعاطي معها أنّ الأبوية والتمييز بين الجنسين هما مفهومان أكتر تجذراً وأكثر عمقاً من الحلّ الذي طرح على أساس عددي".
وذكّرت ياغي بوجود إرث تاريخي من التمييز في الأولمبياد نفسها، مشدّدة على أنّ "التعاطي مع النساء في المجال الرياضي كلّفهنّ نضالات طويلة للانتقال من الجمهور المصفّق على مدرّجات الملاعب الذي يكافئ الرجال على إنجازاتهم، إلى مشاركات يحرزن بطولات ويتنافسن. ومع بداية الأولمبياد في العام 1924 كان تمثيل 4 في المئة، وهذه النسبة الضئيلة حُصرت أيضاً ببعض الألعاب الرياضية التي تصنّف في فئة خاصّة بالنساء كالسباحة والتنس"، مضيفة أنّ "هذا الإرث الذكوري موجود عند كلّ الشعوب ولا يقتصر على شعب دون آخر".
وظهر التمييز أيضاً في التعليقات الرياضية، وهو حديث جاء على لسان أشخاص لا ينتمون إلى دول العالم الثالث بل إلى دول تدّعي أنّها حضارية ومنفتحة. كما لفتت ياغي إلى الاهتمام البصري لدى المعلّقين الرياضيين بعدما أخذ حيّزاً كبيراً من تغطيتهم للبطولات النسائية. إذ علّقوا على مظهر النساء المشاركات وكيف يستعد عدد منهن للبطولة بوضع مساحيق التجميل، في محاولة لا تخلو من السخرية.
مشاركة لبنانية ضعيفة
من جهة أخرى، اعتبر الصحافي المتخصّص في الشأن الرياضي، شربل وهيبه، في حديثه لـ "الصف نيوز" أنّه "عربياً، المشاركة كانت مقبولة بعدد اللاعبين وخاصة مصر التي شاركت بأكبر عدد من اللاعبين وهو 139 لاعباً ولاعبة”.
وأشار وهيبه إلى أنّ "النتائج كانت مقبولة أيضاً، مذكّرا بأنّه "في الأولمبياد يشارك أفضل اللاعبين من مختلف دول العالم بعدما لعب كلّ لاعب تصفيات ضمن قارّته، فالمنافسة تكون أصعب من المشاركة في منافسة قارّية".
واعتبر أنّ "المفاجأة العربية أتت من خلال اللاعبة الجزائرية كايليا نمور التي أحرزت ميدالية ذهبية في لعبة الجمباز".
أمّا لبنانياً، فقال وهيبه إنّ "المشاركة كانت خجولة بسبب قلّة التحضير، وبسبب التأسيس غير الجيّد للاعبين إذا قارنّا لبنان ببلدان أخرى"، مضيفاً أنّ "نفسيّة اللاعب اللبناني وضغوط الحياة التي يعيشها أثّرتا بشكل رئيسي على اللاعبين، الذين همّهم الوحيد هو إحراز ميدالية، فيما الجو في بلدانهم لا يشجّعهم على التركيز في الرياضة فقط، من دون العمل في وظيفة أخرى، وهو ما يصعّب عليهم التحدي".
الميداليات التي حققها العرب
كان للحضور العربي في أولمبياد باريس 2024 وقعه، بعدما حصد العرب 17 ميدالية، منها 7 ذهبيات. في ما يلي التسلسل الزمني لحصول العرب على الميداليات في العاصمة الفرنسية.
1- التونسي فارس فرجاني (فضية - المبارزة): حققت تونس أول ميدالية فضية عربية، عن طريق فارس فرجاني الذي فاز في قبل النهائي على المصري زياد السيسي المصنف الأول.
2- المصري محمد السيد (برونزية - المبارزة): نال المبارز المصري البالغ من العمر 21 عاماً البرونزية بعدما فاز 8-7 على المجري تيبور أندراسفي، خلال دقيقة فاصلة وبعد انتهاء الوقت الأصلي بالتعادل 7-7.
3- الجزائرية كايليا نمور (ذهبية - الجمباز): أصبحت كايليا، التي كانت تمثل فرنسا سابقاً، أول جزائرية تحرز ميدالية في منافسات الجمباز بعدما حصدت لقب منافسات العارضتين. ومنحت اللاعبة البالغ عمرها 17 عاماً أول ميدالية على الإطلاق لإفريقيا في منافسات الجمباز في الأولمبياد.
4- البحرينية وينفريد يافي (ذهبية - ألعاب قوى): أحرزت يافي ذهبية سباق 3 آلاف متر موانع للسيدات وحطمت الرقم الأولمبي، بعدما انتزعت الصدارة في الأمتار الأخيرة، برقم أولمبي بلغ 8 دقائق و52.76 ثانية، لتحطم الرقم السابق الذي سجلته غولنارا ساميتوفا-غالكينا في أولمبياد بكين 2008.
5- التونسي محمد خليل الجندوبي (برونزية - التايكوندو): كان الجندوبي صاحب أول ميدالية للعرب في أولمبياد طوكيو عندما نال فضية، لكنه اكتفى هذه المرة بالحصول على برونزية. وأظهر الجندوبي تألقه في النزال على البرونزية وتفوق 11-3 و12-1 على الإسباني أدريان بيسنتي يونتا.
6- المغربي سفيان البقالي (ذهبية - ألعاب القوى): احتفظ البقالي بذهبية سباق 3 آلاف متر موانع في ألعاب القوى في إنجاز لم يتكرر في الألعاب الأولمبية منذ 88 عاماً.
7- منتخب المغرب (برونزية - كرة القدم): أصبح المغرب أول فريق عربي ينال ميدالية في لعبة جماعية في تاريخ الأولمبياد بعدما سحق مصر 6-0 في مباراة تحديد ثالث الترتيب. قدم منتخب المغرب مستويات رائعة وتصدر سفيان رحيمي قائمة الهدافين برصيد 8 أهداف بعدما سجل في كل مبارياته الست بالمسابقة.
8- الأردني زيد كريم (فضية - التايكوندو): منح كريم بلاده ميدالية أولمبية في رياضة التايكوندو في الألعاب الثالثة على التوالي، بعد أحمد أبوغوش الفائز بذهبية ريو 2016 وصالح الشرباتي صاحب فضية طوكيو 2020.
9- البحرينية سلوى عيد ناصر (فضية - ألعاب قوى): فازت سلوى بفضية سباق 400م للسيدات، لتمنح البحرين الميدالية الثانية في باريس بعد ذهبية وينفريد يافي.
10- التونسي فراس القطوسي (ذهبية - التايكوندو): حصد فراس القطوسي ذهبية وزن أقل من 80 كيلوغراماً في التايكوندو، بعد الفوز في النهائي على الإيراني مهران بارخورداري، ليمنح تونس الميدالية الثالثة في باريس.
11- الجزائرية إيمان خليف (ذهبية - الملاكمة): ردت إيمان على حملة تشكيك بتقديم مستويات مميزة، وفازت بلقب وزن 66 كيلوغراماً في الملاكمة بعد التفوق بإجماع آراء الحكام على الصينية يانغ ليو المصنفة الثانية، لتمنح الجزائر ثاني ذهبية في باريس.
12- المصرية سارة سمير (فضية - رفع الأثقال): أحرزت الرباعة المصرية سارة سمير الميدالية الفضية في وزن 81 كيلوغراماً، إذ أنهت منافسات الخطف في المركز الثالث.
13- الجزائري جمال سجاتي (برونزية - ألعاب القوى): حقق الجزائري جمال سجاتي الميدالية البرونزية في سباق 800م، ليمنح بلاده ثالث ميدالية في باريس بعد ذهبيتي إيمان خليف في الملاكمة وكايليا نمور في الجمباز.
14- المصري أحمد الجندي (ذهبية - الخماسي الحديث): قدم الجندي أداء مثالياً في نهائي الخماسي الحديث ليتوج بالذهبية، ويصبح أول إفريقي يفوز باللقب في الأولمبياد، وجمع 1,555 نقطة ليحطم الرقم العالمي أيضاً.
15- القطري معتز برشم (برونزية - ألعاب القوى): أسدل القطري الرائع معتز برشم الستار على مسيرته الأولمبية المذهلة بتحقيق برونزية القفز العالي، ليصل إلى 4 ميداليات أولمبية من أصل 9 في تاريخ قطر.
16- البحريني غور ميناسيان (برونزية - رفع الأثقال): حقق الرباع البحريني غور ميناسيان ميدالية برونزية في رفع الأثقال لوزن فوق 102 كغ.
17- البحريني أحمد تاج الدينوف (ذهبية - المصارعة): أحرز البحريني أحمد تاج الدينوف ذهبية المصارعة الحرة للرجال لوزن 97 كيلوغراماً بعدما تفوق على الجورجي جيفي ماتشاراشفيلي بتثبيت الكتفين بعد مرور دقيقة واحدة و8 ثوان على بداية النزال.