مجدداً، يعود الموفد الأميركي آموس هوكستين إلى لبنان مستبقاً جولة المفاوضات الجديدة بين حماس وإسرائيل. لم يحضر سائحاً، وإن لم يحمل عرضاً او صيغة معينة لإنهاء الحرب القائمة من غزة إلى الجنوب اللبناني. حضر طالباً وليس عارضاً وبمجيئه كرّس حقيقة أنّ حزب الله دخل عنصراً مفاوضاً بقوة إلى طاولة الدوحة، وأنّه وإيران يحدّدان مشهد الآتي من الأيام. مجرّد الزيارة والطلب إلى حزب الله إرجاء الردّ على إسرائيل هو اعتراف بالقلق الاميركي والإسرائيلي من الرد الذي يُخشى أن يجرّ المنطقة إلى حرب واسعة، خاصة أنّ رد حزب الله وإيران سيستتبع برد من المحور كاملاً، يوقع أذى كبيراً بإسرائيل.

قبل جلسة الدوحة، أعرب حزب الله وإيران معاً عن أنّ الرد على عدوان إسرائيل حاصل لا محالة، إلّا إذا تمّ وقف الحرب على غزّة. ولأجل هذا جاء هوكستين يقنع حزب الله بتأجيل الرد إفساحاً في المجال للحلّ الديبلوماسي. لأنّ فشل محادثات الدوحة، إن حصل، سيليه حكماً الردّ المنتظر من المحور على إسرائيل.

لم يكن ما حمله الموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكستين أول التحذيرات إلى حزب الله وآخرها. قبله، وبعده توالت التحذيرات من مغبّة الرد على اعتداءات إسرائيل لما من شأنه أن يتسبب بحرب شاملة في المنطقة. في المعلومات التي توافرت، لم يحمل الموفد إلى لبنان صيغة حلّ أو اقتراح أو تطمينات بقرب انتهاء حرب إسرائيل على غزة. وما فهمه المسؤولون من فحوى زيارته أنّه جاء يوصي ويتمنى، عبر وسطاء، من حزب الله عدم الرد على اعتداء إسرائيل على الضاحية واغتيال القيادي فؤاد شكر، وأنّ المفاوضات بين حماس وإسرائيل، وإن كانت ستستمر يومين، ولكنها ستتابع في الأيام الأخرى التي ستلي وستشهد تقييماً لما تمّ بحثه ومواصلة المساعي للاتفاق.

من التقى هوكستين لمس أنّ لدى الولايات المتحدة خشية من أن يلي المفاوضات ردٌ من حزب الله وإيران. يعلم حزب الله أنّ يومين من المفاوضات لن يؤمّنا الاتفاق المنشود، لأنّ رئيس وزراء إسرائيل قد لا يكون مستعدّاً لعقد اتفاق كهذا، بدليل مواصلة ارتكابه للمجازر في حقّ الفلسطينيين. ومن باب الاحتياط، أراد هوكستين أن ينبّه ويحاول تأخير الرد ما دام انعدامه غير وارد في حسابات محور الممانعة. منذ زيارته السابقة، فهم الموفد الأميركي أن لا وقف لإطلاق النار في الجنوب إلّا بعد وقف حرب إسرائيل على غزة، وجديده اليوم القول إنّ بلاده، وإن كانت تسلّم بهذا الأمر، تطلب منحها فرصة قبل الردّ، لأنّ الرئيس جو بايدن يبذل جهوداً جدّية لتطويق مفاعيل توسعة الحرب في منطقة الشرق الأوسط، وهو يضغط على بنيامين نتنياهو للجم اندفاعته إلى الحرب. تحدّث عن فرصة حقيقية لتحقيق ذلك والمطلوب التروّي قبل توجيه الرد إلى إسرائيل.

وبين الأمس واليوم، تعيش المنطقة أياماً حاسمة في انتظار ما سيخرج عن الجولة السابعة من المفاوضات غير المباشرة بين حماس وإسرائيل، لمّح إليها هوكستين من دون الدخول في التفاصيل. من حيث الشكل، رسّخت زيارته للبنان حقيقة أن بيروت هي جزء من المفاوضات، وفي المضمون مساعٍ أميركية لتأخير ضربة حزب الله.

تقول مصادر اطّلعت على مضمون اجتماعات الموفد الأميركي أنّه لم يحمل جديداً. بل تحدّث عن مفاوضات حاسمة هي تلك المنعقدة في الدوحة، ملمّحاً إلى أجواء إيجابية تعزّز مناخ الهدنة. وفي كلامه تأكيد أنّ حزب الله دخل عملياً المفاوضات، وإن بشكل غير مباشر، وصار عاملاً أساسياً من عوامل الضغط لإنجاحها.

لم يقدّم حزب الله رداً على جولة هوكستين الذي كرّر كلاماً سبق أن قاله سفراء سويسرا وكندا وفرنسا الذين طلبوا من حزب الله تأجيل ردهّ على إسرائيل. وما دام حزب الله لا يزال يتروّى في ردّه المحتوم، فإنّ تأخيره أياماً إضافية مراعاة لتمنيات الغرب، لن يُقدّم أو يؤخّر، وإنما على العكس، فإن حزب الله لا يريد القفز فوق هذا المطلب كي لا يُتهم من الداخل والخارج بأنّه أضاع فرصة الحلّ، وأدخل المنطقة في حرب كان يمكن تلافيها، وإن كان لا يراهن على اجتماعات الدوحة استناداً إلى تجارب سابقة، ولأنّ هوكستين نفسه لم يملك من المعطيات ما يمكن أن يشكّل عامل طمأنة.

حزب الله لا يريد القفز فوق هذا المطلب كي لا يُتهم من الداخل والخارج بأنّه أضاع فرصة الحلّ

كلّ ما قاله هو أنّ بلاده تضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي، ولكن قدرته وحدها قد لا تجنّب المنطقة حرباً يسعى إليها نتنياهو، والمطلوب عدم خلق الذريعة. لم تبقَ حرب غزة هي الأولوية، بل ردّ إيران وحزب الله، ولأجل ذلك تتسارع مساعي أميركا من أجل التوصّل إلى الهدنة تلافياً للحرب.

في إطار متصل، نقلت مصادر نيابية إلى"الصفا نيوز" أن هوكستين طلب تقديم فرصة إلى مفاوضات الدوحة التي تضغط بلاده لإنجاحها. وعلى عكس المتداول، فهو أوضح أن أساطيل أميركا في عرض المتوسط هي لمنع الحرب وليس لأجل شنّها، وأنّ وقف إطلاق النار في غزة سيساعد لبنان كي ينتقل الى مرحلة البحث الجدّي عن تطبيق القرار 1701. وهو استفسر من قائد الجيش عن عديد عناصر الجيش المتوقع أن ينتشر في الجنوب، وأعاد التذكير بأهمية انتخاب رئيس للجمهورية بغية مواكبة المرحلة المقبلة وبدء الإعمار الذي ستكون بلاده عاملاً مساعداً في تحقيقه.

هذا كلّه متوقف على نتائج اجتماعي الأمس واليوم وفحواهما، إذ بناءً عليها، يُحدّد مسار حرب لا تريدها إيران وحزب الله، ولكن الردّ على إسرائيل لا بدّ أنّه حاصل. فإن استوعب نتنياهو الردّ جنّب المنطقة حرباً، وإلّا فالمحور جاهز لخوضها، ولو مكرهاً.