"إمّا أن تدفع ضعْفَي السعر أو تُترك لتواجه مصيراً مجهولاً"، هذه القاعدة التي فرضتها شركات الطيران، وعلى رأسها شركة طيران الشرق الأوسط "ميدل إيست"، بعدما رفعت أسعار بطاقاتها بنسب خياليّة، مستغلّة الوضع الأمني في لبنان، نتيجة تصاعد حدّة التوتّر الذي أعقب جريمتي اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس اسماعيل هنية، والقيادي في حزب الله فؤاد شكر، وما استتبعهما من استعدادات للردّ من قِبَل إيران وحزب الله واحتمالات الردّ المقابل من إسرائيل.
تحذيرات السفارات
إزاء هذا الواقع المشحون، ارتفعت وتيرة التحذيرات من قبل السفارات لرعاياها بعدم السفر إلى لبنان، ودعت المقيمين إلى المغادرة فوراً، حتّى أنّ ثمة دولاً بادرت إلى الإعلان عن استعداداتها لإجلاء رعاياها من لبنان.
وبدأت الخطوط الجوية الملكية الأردنية منذ مطلع الأسبوع الماضي، نقل الأردنيين. وإلى حين إجلاء كلّ من يرغب في المغادرة، طلبت وزارة الخارجية الأردنية في بيان من رعاياها "أخذ أقصى درجات الحيطة والحذر والالتزام بالتعليمات الصادرة عن الجهات اللبنانية المختصة"، مؤكدةً عدم التأخّر في "التواصل مع الوزارة لطلب المساعدة على مدار الساعة"، وكذلك التواصل مع "وحدة مركز العمليات في الوزارة".
وما صدر عن السلطات الأردنية بهذا الخصوص صدر عن الكثير من الدول العربية الأخرى، كذلك من الدول الأوروبية، إذ تستعدّ ألمانيا لإجلاء رعاياها بسبب "تصاعد الصراع بين إيران وإسرائيل".
في حين حذّرت تركيا مواطنيها من البقاء في لبنان "بسبب احتمال تدهور الوضع الأمني هناك بسرعة"، ودعتهم إلى عدم الذهاب إلى "محافظات النبطية وجنوب لبنان والبقاع وبعلبك الهرمل إذا لم يكن ذلك ضرورياً"، بحسب تعليمات وزارة الخارجية التركية.
في موازاة ذلك، دعت السلطات الصينية رعاياها إلى "الاستعداد لحالات الطوارئ". أمّا الراغبون في الذهاب إلى لبنان فعليهم "توخي الحذر". على أنَّ الذين يصرّون على البقاء في لبنان رغم التحذيرات "قد يواجهون مخاطرَ أمنية كبيرة".
وبدورها، شملت وزارة الخارجية الإندونيسية إيران وإسرائيل في دعوة مواطنيها إلى العودة إلى بلادهم، طالبة منهم "مغادرة البلاد في أسرع وقت والامتناع مؤقتاً عن السفر إلى لبنان وإسرائيل وإيران إلى أن تتحسن الظروف".
ارتفاع أسعار البطاقات
وفي جولة لـ"الصفا نيوز" لمعرفة أسعار بطاقات السفر، تبيّن أنّ سعر أرخص رحلة من بيروت إلى إسطنبول تبدأ بـ 600 دولار فيما أيّام الحجز بمعظمها إمّا بطاقاتها مبيعة، أو لا رحلات فيها. والأمر مماثل لرحلات الطيران إلى فرنسا، لأنّ"مفوّلة" لأكثر من أسبوع، وبالتالي من المستحيل أن يحجز أيّ شخص تذكرة في آخر لحظة، فيما الأسعار تبدأ بـ1500 دولار فصاعداً.
أمّا أسعار بطاقات الطيران من بيروت إلى لندن، فقد ارتفعت، بحسب ما روت إحدى المغتربات لـ "الصفا نيوز"، 6 أضعاف، إذ كان ثمن البطاقة 600 باوند أمّا اليوم فطالبوها بـ3 آلاف و800 باوند، أي قرابة الـ5 آلاف دولار.
والحال نفسه يواجهه الراغب في العودة إلى كندا. فبحسب تصريح أحد المغتربين، بلغ ثمن تذكرته من بيروت إلى مونتريال 7 آلاف و700 دولار.
أما تذاكر السفر من بيروت إلى قبرص فراوحت بين الـ 1000 والـ1600 دولار، وإلى أبو ظبي راوحت بين 1000 و1500 دولار.
وتختلف الأسعار حسب تاريخ الحجز وعدد محطات الوقوف ومدة الانتظار، لكنّها تبقى مرتفعة جداً وتعكس استثمار أصحاب شركات الطيران في وجع الناس وخوفهم. ونتيجة لهذه الفوضى "اللا أخلاقية" اضطر عدد كبير من اللبنانيين إلى تأجيل رحلاتهم، والبقاء تحت رحمة جدار الصوت، وتهديدات الحرب، في حين استدان قسم آخر لتأمين ثمن البطاقة من أجل العودة إلى حياتهم الطبيعية ووظائفهم، ولا سيما منهم أولئك المرتبطين بعقود عمل، ولا قدرة لديهم على تمديد عطلتهم تحت طائلة خسارة عقود العمل أو الطرد.
وإن كانت الذريعة التي استخدمتها شركات الطيران لرفع أسعارها، هي ارتفاع الطلب، فلماذا لم ترتفع أسعار بطاقات السفر من الخارج إلى لبنان، مع انطلاق الموسم الصيفي، على الرغم من ارتفاع الطلب؟
شركات طيران عالمية قد علّقت رحلاتها من بيروت وإليها...
ارتفاع أعداد المغادرين
في هذا الإطار، أوضح لـ"الصفا نيوز" الباحث في شركة "الدولية للمعلومات" محمد شمس الدين أنّ "حركة المغادرة من مطار بيروت ارتفعت بمعدّل 16.5 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي".
وأضاف " تراجعت حركة القدوم إلى لبنان منذ تموز الماضي بمعدّل 26 في المئة. وكان ذلك لافتاً بعد حادثة مجدل شمس"، معتبراً أنّه "كان يُفترض بحركة القدوم أن تستمر خلال آب، كما يحدث كل عام، بسبب عطلة الصيف".
ونفى شمس الدين وجود "حركة إجلاء فعلية في المطار"، مشيراً إلى أنّه "ما زال مبكراً الحديث عن عمليات إجلاء تقوم بها السفارات".
تعليق رحلات
وكانت هدة شركات طيران عالمية قد علّقت رحلاتها من بيروت وإليها، كما العديد من العواصم، بسبب التطورات الأمنية في منطقة الشرق الأوسط، وقد ترافق ذلك مع تصاعد منسوب القلق من توسع نطاق الحرب بين لبنان وإسرائيل من جهة وبين إيران وإسرائيل من جهة أخرى، ومواصلة بعض الدول تحذير رعاياها في لبنان ومطالبتهم بالمغادرة.
وقد علّقت الخطوط الجوية الفرنسية "إير فرانس" في وقت سابق رحلاتها إلى بيروت، وجارتْها في هذه الخطوة شركات أخرى مثل لوفتهانزا وترانسافيا والخطوط الجوية الملكية الأردنية، وطيران صن إكسبرس التركي وإيه جيت التابعة للخطوط الجوية التركية، وطيران إيجه اليونانية والخطوط الجوية الإثيوبية.
أمّا شركة طيران الشرق الأوسط- الخطوط الجوية اللبنانية، فتستمر في تسيير الرحلات إلى مختلف الدول مع إدخال تعديلات يومية إلى الرحلات على نحو يتلاءم مع التطورات الأمنية.