الوضع داخل التيار الوطني الحر ليس على ما يرام. أقلّه هذه الأيام. يعاني التيار من تصدّع كتلته النيابية. بعد قرار تنحية نائب رئيس مجلس النواب الياس بوصعب ثم إعفاء النائب آلان عون من مهامه الحزبية، تقدّم النائب سيمون أبي رميا باستقالته وسط أنباء تفيد بأنّ دائرة الاستقالات ستتوسّع، وقد ينضمّ الى اللائحة أسماء نوّاب جدد، من بينهم ابراهيم كنعان وسليم عون. أيّا كانت الاعتبارات والأسباب فقد تسببت الإجراءات الأخيرة في خضّة داخل التيار وكتلته النيابية المنقسمة حالياً بين متضامن مع زملائه، والعامل على خطّ تطويق ملابسات قرار الطرد والاستقالة التي قد تجرّ معها استقالات لمنسّقين بدأت تتوالى، حسب أجواء المعارضة، من جبيل إلى بعبدا-عاليه.
منذ قرار فصل بوصعب لم يدع رئيس التيار جبران باسيل مناسبة إلّا استعرض فيها أسباب إجراءاته واتّهام من تشملهم بالخروج على قرارات التيار والتغريد خارج سربه. وضع كهذا يشي بأنّ الحال لم يعد مريحاً لباسيل و"التياريين" ممن يفترض أنّهم يعدّون العدة لخوض انتخابات نيابية بعد أقلّ من عامين، ورئاسية وإن لم يحن أوانها سياسياً بعد. فكيف سيكون حال التيار حتّى موعد الانتخابات؟ وكم عدد الذين سيبقون في عداد الكتلة حتى موعد الدعوة إلى جلسة انتخاب نيابية؟
من وجهة نظر التيار، فإنّ عملية إعادة تنظيم يخوضها رئيسه، محدودة الأثر والتداعيات، بينما تتهم المعارضة جبران باسيل بإقصاء كلّ من يشكّل خطراً على مستقبله السياسي.
لدى المعارضة الكثير لتقوله. عتبها تخطّى رئيس التيار الحالي إلى المؤسس الرئيس ميشال عون، الذي اعتبر أعضاءها انطلاقاً من النائب آلان عون، أغصاناً يابسة أوجب قطعها من الشجرة. بالنّسبة إلى هؤلاء، وعددهم عرضة للزيادة على ما يبدو، لم تعد القصة قصة خروج على رأي الرئيس في انتخاب مرشّح مخالف لقرار الكتلة، بل إنّ باسيل لا يريد بقاء أي من منافسيه الرئاسيين داخل التيار.
المتوقع أن تلي استقالة سيمون أبي رميا خطوة مماثلة لنواب آخرين، المتداول من بينهم اسم رئيس لجنة المال النيابية ابراهيم كنعان. يتحدّث المعارضون عن تصدّع حقيقي داخل التيار الوطني الحر سببه استقالة أبي رميا وإقالة آلان عون. وعلى خلفية ما جرى تقدّم عدد كبير من منسّقي المناطق في قضائي بعبدا وجبيل باستقالاتهم والحبل على الجرار. حتّى في ضهور الشوير هناك من تخلّى عن بطاقة انتسابه وآخرون يضعون قراراهم رهن نائب رئيس مجلس النواب الياس بوصعب. منذ الانتخابات النيابية، قاطع الأخير اجتماعات التكتّل والهيئة السياسية اعتراضاً، لكنّه آثر عدم الخروج بمواقف معارضة ضد باسيل الذي عاد واستذكره في آخر خطبه ليقدّمه مثلاً على خطواته التأديبية. فهل يتعمّد باسيل "عنترياته" وهو يعلم يقيناً أنّ نائب الرئيس بقي بعيداً عن السجالات في الإعلام وسبق أن نأي بنفسه عن "غروبات" الكتلة النيابية وتغيّب عن اجتماعاتها بعد الانتخابات النيابية مباشرة لاعتبار "أنّ باسيل سعى إلى تطويقه انتخابياً في المتن".
حديث باسيل بعد مرور كلّ تلك الفترة أثار غضب بوصعب الذي تعمّد الرد عبر موقع "المدى"، المحسوب على التيار، بطرح أسئلة تتعلق بخلفيات ما يقوم به باسيل من "تشويه للحقائق"، متسائلاً "أليس لدى بوصعب الكثير ليقوله كما يعلم القاصي والداني ليكشف عنه إذا قرر هو الكلام ومصارحة الرأي العام؟" وختم "على رئيس التيار أن يعلم أنّ المس بكرامات الناس من خلال أسلوبه بإدارة التيار لن يعود له ولمصلحته وأهدافه بالفائدة، لا بل سينعكس سلباً عليه، وللحديث تتمة…".
تنتقد المعارضة ما ورد في بيان التيار على سبيل التبرير لإقالة النائب عون واتّهامه بعدم التصويت لمرشّح التيار جهاد أزعور، ولم يلتزم قرار المقاطعة لوسائل إعلام أعلن التيار مقاطعتها، وتكشف أنّ عون سبق أن أبلغ في أحد الاجتماعات أنّه التزم انتخاب أزعور، أمّا بخصوص الموضوع الإعلامي فقد عوقب على خلفية ظهوره في مقابلة على محطة MTV، وهو الأمر نفسه الذي فعله إبراهيم كنعان ولم يتّخذ إجراء بحقّه، كما لم يحاسب على سفره واجتماعاته في واشنطن من دون إذن من رئيس التيار، وأخيراً أقام كنعان مأدبة غداء في منزله جمعت حشداً من السياسيين والديبلوماسيين ولم يخضع للمساءلة، فلماذا آلان عون فحسب، يتساءل هؤلاء؟
متّهم باسيل من قبل نواب كتلته السابقين ومعارضيه أنّه أعدّ نظاماً داخلياً للتيار يتناسب وتطلّعاته وطموحاته السياسية، ولإقصاء معارضيه ومن يخرج عن طاعته ومشورته. ولم يعد خافياً أنّ المعارضين يجهدون ترتيب أمورهم والاستعداد لتشكيل نواة كتلة برلمانية معارضة لباسيل، ويستعدّون لخوض الانتخابات النيابية بالتحالف مع قوى سياسية أخرى فتحت ذراعيها لملاقاتهم. وهنا أيضاً ستدخل المعارضة وباسيل في تنافس على استمالة القوى السياسية ىفسها تقريباً، سواء في المتن أو في بعبدا عاليه، والعين دائماً على الثنائي الشيعي الذي تستبعد المعارضة أن يبقى تحالفه مع باسيل على حاله، لا سيما بعد تراجع شعبية التيار، وإن كان من المبكر حسم الوضع انتخابياً منذ اليوم.
ترفض مصادر قيادية داخل التيار الاتّهامات بالسعي إلى إزاحة المنافسين، وتسأل: "منافسون على أيّ منصب وبأيّ معنى؟ إن كان على مستوى رئاسة التيار، فمنذ العام 2015، أي تاريخ أول انتخابات، كانت المنافسة متاحة، وهي جرت على قواعد إحصائية كشفت تفاوتاً بالأرقام لمصلحة باسيل. وخلافاً لما قيل، تضيف المصادر القيادية، كان باسيل متقدّماً بأشواط، وخلافاً لكلّ كلام قيل منذ ذلك الزمن عن سحب ميشال عون ترشيح آلان عون لمصلحة جبران هو كلام باطل يراد به الأذية لشخص باسيل، لأنّ حقيقة الأمر أنّ ميشال عون تفادى المنافسة التي كانت ستؤدّي الى رابح وخاسر بفرق كبير.
ترفض مصادر قيادية داخل التيار الاتّهامات بالسعي إلى إزاحة المنافسين...
تتابع المصادر عينها القول "منذ العام 2015 إلى 2019 كان المجال واسعاً للمنافسين لأن يعدّوا خططاً في مواجهة باسيل ولم يفعلوا، خصوصاً أنّه كان تعرّض لهجمات كبيرة عام 2019 وكان سهلاً تحميله مسؤولية ما جرى، فلماذا لم يتقدّم أيّ مرشح لمنافسته ومن الذي منع؟ ليقولوا لنا ذلك ولننتهي من كذبة أنّهم مُنعوا. أمّا إذا كان المقصود بالمنافسة على رئاسة الجمهورية فإنّ باسيل غير مرشّح، وبالتالي فاعتبار الإجراءات محاولة للتخلّص من منافسيه ساقطة سلفاً".
في تبريرها، تقول المصادر إنّ آلان عون ارتكب مخالفات تمسّ جوهر الانتساب إلى التيار وتكسر مبدأ الالتزام، وهو ما لا يمكن المساومة عليه في التكتّلات النيابية، خصوصاً حين يتعلّق الأمر بانتخابات الرئاسة. معيدةً التأكيد أنّ قرار فصله صدر مرّتين، إلى أن بدأ التململ في صفوف هيئة الحكماء التي يترأسها الرئيس ميشال عون، فاستدعى باسيل النائب عون الذي رفض التقيّد بقرارات التيار وفتح صفحة جديدة بالتعاطي، وهو ما فاجأ فريق عمله الانتخابي.
أمّا بخصوص سيمون أبي رميا فتؤكّد المصادر القيادية أنّ أيّ تهمة لم توجّه إليه، ولم يجرِ عزله، وهو تصرّفَ بطريقة غريبة وأعلن الالتزام من جانب واحد أنّه في حال فصل النائب عون فهو لن يبقى، مستغربة، وصف نفسه بأنّه صاحب حيثية مستقلّة، وأنّه شريك ميشال عون في التأسيس شراكة متكاملة.
أمّا الياس بوصعب فقد أكّدت المصادر رفضه التقيّد بالإطار الحزبي على اعتبار أنّ طموحه السياسي أكبر من ذلك، وقالت إنْ التطرق إلى ذكره أخيراً مردّه إلى عدم صدور بيان يتعلّق بقرار تنحيته في حينه.
وهل كان هناك قرار يتعلق بالنائب كنعان؟ تردّ المصادر أنّ مصير كنعان في يده رغم كونه يتغيّب عن حضور الاجتماعات.
يأسف التيار لما حصل "ليس لأنّه لا يقدّر الخسارة، وخسارة كل فريق في التيار تترك جرحاً، ولكنّ الجرح الأكبر هو شعور أبناء التيار أنّ هناك من وضع اليد على أصواتهم، وقبض عليها وخرق مبدأ الالتزام والتضامن الحزبي. وثمة أيضاً شعور بالأسف حيال الناس الذين منحوهم ثقتهم كممثّلين للتيار، ارتكبوا مخالفات أدّت إلى فصلهم أو استقالوا بلا أسباب موجبة".
وتتابع المصادر القيادية "لا شعور بالتصدّع بل بالأسف لأن تبلغ حال مناضلين سابقين الحال الذي بلغوه، وهذا لن يؤثّر في بنية التيار وتركيبته السياسية والبشرية". مؤكّدة أنّ التيار "واع ومدرك ومتماسك". نافية كلّ الكلام عن استقالات لمنسّقي الأقاليم "عدد من فعلوا لا يُذكر وليس لدينا إحصاءات". وتختم أنّ "التيار في طور المراجعة، يقطع بمخاض سيقود إلى مرحلة جديدة فيها مزيد من الوضوح بالموقف والتماسك والتحضير لأن يكون حامل مشروع للمرحلة المقبلة يشبه مشروع ميشال عون، أي الحرية والسيادة والاستقلال".