بصفتها حامل القلم أدارت فرنسا المشاورات مع الدول الأعضاء في مجلس الأمن استباقاً للتمديد لقوات اليونفيل العاملة في جنوب لبنان. والمفترض أن يصدر القرار بشأنه الشهر المقبل. قبل نحو شهر تقريباً ناقش وفد فرنسي من وزارتي الخارجية والدفاع موضوع التمديد مع المسؤولين في لبنان، وتمّ تنسيق صيغة التمديد مع حزب الله على أن تصدر بالشكل الذي سبق أن صدرت به، من دون أيّ تعديلات إضافية على الصيغة الماضية. 

سعى حزب الله إلى عزل قرار التمديد عن حرب غزّة وجبهة الإسناد، مقابل رغبة إسرائيلية في جرّ قوات اليونفيل لتكون طرفاً في الحرب عليه. وكما تبدّلت وضعية القرار الدولي في ضوء حرب إسرائيل على غزة وجبهة الإسناد، فكذلك عمل اليونفيل الذي بات معقّداً بعدما تبيًن أنّها قوة غير قادرة على لجم الخروقات الإسرائيلية في الجنوب وأن دورها لا يقدّم ولا يؤخّر . فهل يُعاد مجدّداً النظر في هذا الدور؟ وما الصيغة التي يمكن أن تطرح هذا العام خاصّة أنّ إسرائيل لم توقف محاولات الدفع باتجاه توسعة صلاحياتها، وهذا ما يرفضه لبنان. 

منذ اندلاع حرب إسرائيل على غزّة قبل نحو عشرة أشهر تلقّى لبنان عروضاً فرنسية وأميركية وبريطانية وحتّى ألمانية لوقف إطلاق النار على جبهة الإسناد في جنوب لبنان، مقابل ترسيم الحدود البرية واستئناف عملية التنقيب عن النفط والغاز. الهدف من هذه المقترحات التشجيع على وقف حزب الله مواجهة إسرائيل على جبهة الإسناد، وتأمين عودة المستوطنين إلى مستوطناتهم شمالاً... حتّى حركة الموفد الأميركي آموس هوكستين صبّت في هذا الاتجاه. رفض حزب الله الضغوط الخارجية وربط قبول أيّ عرض لوقف الحرب على إسرائيل من جنوب لبنان بوقف حرب إسرائيل على غزة. 

في حمأة المواجهات هذه، يستعدّ مجلس الأمن لفتح النقاش بشأن التمديد لمهمّات اليونفيل عاماً جديداً كما يستعدّ لإصدار تقريره الدوري حول تنفيذ القرار 1701. استحقاقان مهمان، ليس معلوماً بعد كيف سيتعاطى المجتمع الدولي معهما. في المرّات السابقة، استُخدم التمديد لليونفيل ورقة ضغط على لبنان. ومُرّر تعديل مهمّات اليونفيل بإضافة بند يمنحها حرية التحرّك ضمن نطاق عملها، من دون التنسيق المسبق مع الجيش، وبقي الفاعل الذي غدر بالخارجية اللبنانية مجهولاً بعدما كانت قد تلقّت تطمينات بأنّ التمديد سيقرّ طبقاً للعادة. 

لا يمكن أن نتحدث، اليوم، عن التجديد لليونفيل وتطبيق القرار 1701 بمعزل عن حرب غزّة وجبهة الإسناد في الجنوب.

أُقرّ التعديل وأثار استياء حكومة لبنان واعتراض حزب الله الذي اعتبره كأنّه لم يكن، فسارعت قوات الطوارئ إلى الطمأنة بأنّ البند المستجدّ لن يكون ساري المفعول، وبأنّ قواتها ستستمر في التنسيق مع الجيش اللبناني كالمعتاد. 

لا يمكن أن نتحدث، اليوم، عن التجديد لليونفيل وتطبيق القرار 1701 بمعزل عن حرب غزّة وجبهة الإسناد في الجنوب. اندلاع هذه الحرب قبل عشرة أشهر صار في الواجهة، والحدث الذي في ضوئه تمّت مقاربة القرار 1701 والتجديد للطوارئ، حتى أنّ هوكستين لم يتحدث في تطبيق هذا القرار كاملاً، بل قبل انسحاب عناصر حزب الله كيلومترات فقط كي يضمن وقف إطلاق النار، أي أنّه جزّأ تطبيقه بعدما فرضت غزّة واقعاً جديداً، وبات القرار 1701 أداة من أدوات منع توسع الحرب بدل أن يكون الحدث بعينه. 

ومن خلال جبهة الإسناد، فرض حزب الله معادلة جديدة للقرار 1701، وبعدما كان الهدف من القرار منع حزب الله من الوجود على الحدود، توسّع مجال عمله وصار ضابط إيقاع للحرب بين إسرائيل وحزب الله، وقبلت إسرائيل أن يملك حزب الله أسلحة تكسر التوازن العسكري، من بينها الصواريخ والمسيّرات. تجاوزت الأحداث القرار 1701 ولم يعد من مصلحة إسرائيل ولا يضمن أمنها فيما يتمسّك به لبنان. 

يستبعد لبنان إجراء تعديل على قرار التمديد لليونفيل، مبدياً ارتياحاً لسير النقاشات الدائرة في كواليس مجلس الأمن، وهو أبلغ تمسّكه بالتجديد بروحية القرارات نفسها التي كانت تصدر في الماضي من دون زيادرة أو نقصان. ويخوض من خلال وزير خارجيته عبد الله بوحبيب الذي وصل إلى نيويورك قبل يومين نقاشات ديبلوماسية لضمان التمديد بهدوء. وتؤكّد مصادر ديبلوماسية أن الامور تسير بشكل طبيعي من دون عراقيل، أمّا بخصوص التقرير المتعلّق بتطبيق القرار 1701 المزمع صدوره في الرابع والعشرين من الشهر الجاري وخلال جلسة مغلقة لمجلس الأمن، فمن المتوقع أن يتضمّن القرار التأكيد على ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية والمطالبة باستكمال التحقيقات المتعلّقة بانفجار مرفأ بيروت ووقف الخروقات على طرفي الحدود من قبل إسرائيل وحزب الله. ونقلاً عن مصادر ديبلوماسية، فإنّ التقرير سيتحدث عن 3000 خرق إسرائيلي و1500 خرق من قبل حزب الله. وهي خروقات يدينها مجلس الأمن، ويدعو الطرفين إلى وقفها، كما يدعو إلى خفض التصعيد وضمان عودة المستوطنين إلى الحدود الشمالية ويدين أيضاً الاعتداءات على قوات حفظ السلام ويعيد التأكيد على دورها. 

وسط هذه الأجواء، لا عودة قريبة متوقّعة للموفد الأميركي بخصوص القرار الدولي، والعيون شاخصة إلى خطاب رئيس وزراء إسرائيل أمام الكونغرس الأميركي، وما سيحمله معه، والخشية من أن يعود إلى اسرائيل بقوة دعم أميركية جديدة مع تحسن وضعية المرشّح الجمهوري دونالد ترامب. وتتخوف بعض المصادر من تصعيد واسع قد يقدم عليه نتياهو بعد الزيارة، ولو أنّ مصادر حزب الله تخفّف من وطأة احتمال كهذا. وتقول لو كان نتياهو يريد حرباً لشنّها، لكنّه يدرك، كما الوسطاء الغربيين، أنّ الحرب ستكلّف إسرائيل وستشرع أبواب المنطقة بأسرها على المواجهة. 

وتنفي مصادر ديبلوماسية وجود مسعى إسرائيلي أو غير إسرائيلي لتقليص مدّة عمل اليونفيل إلى ستّة أشهر، وقالت إنّ التمديد سيتمّ وفق المتفق عليه بين الدول المعنية، اللهم إلّا إذا صدر قرار بوقف الحرب، وجرى الاتفاق على سلّة كاملة متكاملة لتسوية الوضعين في غزّة وجنوب لبنان، فحينذاك قد نشهد تعديلاً على وضعية عمل قوات الطوارئ، ويصبح الحديث عن القرار 1701 مختلفاً عما هو متداول اليوم بشأن دخول عناصر جديدة.