يدخل تقديم اقتراحات القوانين ومناقشتها في اللجان المتخصّصة والمشتركة في صلب العمل البرلماني. وبغضّ النظر عن أهداف الاقتراحات ومتانتها، فإنّ تشريحها على طاولة النواب المتعدّدي التوجهات السياسية والعقائدية، وحتّى الأيديولوجية، كفيل بتصويبها، من حيث المبدأ. وهذا ما تعوّل عليه "الأقلّية" المراقبة لعمل اللجنة الفرعية التي تدرس اقتراحَي القانونين المتعلّقيْن بإدارة أصول الدولة وإنشاء الصندوق الائتماني لحفظ تلك الأصول.

إذاً تستمرّ اللجنة الفرعية المنبثقة من اللجان المشتركة برئاسة النائب ابراهيم كنعان في درس اقتراح إنشاء مؤسسة مستقلّة لإدارة أصول الدولة (اقتراح قانون تقدم به تكتّل الجمهورية القوية)، واقتراح إنشاء الصندوق الائتماني لحفظ أصول الدولة وإداراتها (اقتراح قانون تقدم به تكتل لبنان القوي). وقد عَقدت اللجنة أول من أمس جلستها الثانية برئاسة النائب إبراهيم كنعان وحضور النواب: سيزار أبي خليل، راجي السعد، غسان حاصباني، فريد البستاني، رازي الحاج، وضاح الصادق، مارك ضو، ابراهيم منيمنة، علي حسن خليل، ميشال الدويهي، نجاة عون صليبا، حليمة القعقور، فراس حمدان، غادة أيوب، نعمة افرام. كما حضرت مديرة المحاسبة في وزارة المال رجاء الشريف.

إدارة جديدة لأصول الدولة

"اللجنة" استكملت النقاش العام الذي كانت قد بدأته في جوهر المشروعين وخلفيتهما والتفاصيل الواردة فيهما، وعالجت، بحسب البيان الرسمي، أمرين أساسيين:

مسألة إدارة أملاك الدولة، التي يجب أن تكون مختلفة عن الإدارة السابقة، وقد طرح النواب أسئلةً عن الأسلوب ودور الدولة في هذا الشأن، ولمن ستكون سلطة الإشراف وكيفية حصول الرقابة.

مسألة الودائع، حصل نقاش حول جدوى مكان طرح هذه القضية وتوقيته في إطار القوانين المطروحة، خاصة قبل إنهاء الحكومة عملية توزيع الالتزامات، وليس الخسائر، على الأطراف الأساسيين المعنيين بالانهيار المالي، وحماية حقوق المودعين. وهو أمر لا يزال مدار بحث في الحكومة.

الاختلاف في الاقتراحين

اللافت أنّ اللجنة تناقش مشروعين ليسا مختلفين في التسمية فحسب، إنّما في المضمون أيضاً. وقد جرى دمجهما في النقاشات، وإنشاء جدول مقارن بينهما، "مع العلم أنّهما لا يتشابهان"، تقول النائبة الدكتورة غادة أيوب. "فاقتراح قانون الصندوق الائتماني لحفظ أصول الدولة وإدارتها ينطلق من فكرة إنشاء صندوق يساعد على إعادة تكوين الودائع، وقد وضع تقسيماً واضحاً وصريحاً، وحدّد النّسب لكيفية تمويله. في حين ينطلق اقتراح قانون إنشاء "مؤسسة وطنية لإدارة أصول الدولة"، من "تحديد الأصول العامّة التي يمكن إدارتها بطريقة تضمن المزيد من الحوكمة والشفافية وتحقيق العائدات. ومن ثم ينشأ الصندوق المخصّص لإعادة تكوين الودائع بقانون مستقل، وتؤمن الإيرادات اللازمة لتغذيته كي تبدأ عملية إعادة أموال المودعين". أمّا الاختلاف الجوهري الثاني بين الاقتراحين فهو على دور النواب في مسألة توزيع الالتزامات (الفجوة النقدية المقدّرة بحسب آخر مسودة مشروع قانون صادر عن الحكومة بـ 72 مليار دولار)، بين الدولة، ومصرف لبنان، والمصارف والمودعين. "مع العلم أنّه لا يمكن تبرئة الدولة (مصرف لبنان والحكومات) من تحمّل جزء من هذه الالتزامات"، برأي أيوب، "ويتعيّن عليها إرجاع أموال المودعين، إلى جانب المصارف، في حين لا يتحمّل المودعون أي جزء من الخسارة، أو كما سمتها اللجنة الالتزامات". وانطلاقاً من هذه المقاربة "كلّما حسّنا إيرادات الدولة، أصبحنا أقدر على إعادة أموال المودعين". مع التأكيد أنّ موضوع إعادة الودائع غير وارد في مقترح مؤسسة إدارة أصول الدولة. "ذلك لأنّ الهم المركزي هو تفعيل عمل المؤسسات في ظلّ عرقلة عملها نتيجة عدم إنشاء الهيئات الناظمة، خصوصاً في الكهرباء والاتصالات والطيران وغيرها من المجالات، وكذلك نتيجة العجز عن الإصلاح في هذه المؤسسات. "من دون أن يعني القانون المقترح خصخصة المؤسسات العامّة، أو أن تمتلكها المؤسسة التي تديرها"، تؤكد أيوب.

أهمّية النقاش

أهمّية طرح مقترحات القوانين رغم عدم توافقها تتمثّل في وضع النقاش على الطاولة بطريقة سلسة وموضوعية برأي أيوب. وهذا ما تبيّن في الجلسة الماضية مثلاً من خلال اقتراح النائب نعمة افرام أن لا تحصر إدارة المؤسسات العامة بمؤسسة وطنية واحدة، بل تقسّم بحسب القطاعات وتدار من أكثر من مؤسسة على غرار ما حصل مع اليونان. وهو الموضوع الذي أكبّ عليه افرام منذ ثلاث سنوات. وعليه، يتبدّى أنّ المقترحات مفتوحة علي النقاش والتعديل وليست جامدة، للتوصل إلى الصيغة المثلى التي تضمن تفعيل مؤسسات الدولة وتعزيز عائداتها وحقوق المودعين. وبحسب كنعان، "فإنّ اللجنة الفرعية ستستكمل عملها بهدف السعي إلى بلوغ جوامع مشتركة بين الكتل النيابية والنواب المستقلين الذين يشاركون في الاجتماعات، حول فكرة الإدارة المطلوبة لأصول الدولة بقصد تعزيز خدمة المواطن، وتأمين حقوقه، وتحسين الاقتصاد وإيرادات الدولة التي تشير الدراسات المحلية والدولية إلى أنّها أقلّ بكثير مما يمكن تحصيله في ظل إدارة ذات كفاية وشفافة وخاضعة لرقابة فعلية".

كلّ الخطط الحكومية تنصّ على تحميل المودعين الجزء الأكبر من الخسارة

مخاطر الوعود بإرجاع الودائع

إلى اليوم، فإنّ كلّ الخطط الحكومية تنصّ على تحميل المودعين الجزء الأكبر من الخسارة. وباختصار، فإنّ الخطّة الأخيرة نصّت على أنّه من أصل ودائع بقيمة 86 مليار دولار هناك 40 ملياراً ودائع مؤهلة، و46 ملياراً ودائع غير مؤهلة، يُعاد منها قرابة 22 ملياراً نقداً في غضون 15 عاماً. أمّا بقيّة الأموال المؤهلة وغير المؤهلة فسيجري شطب جزء منها، وليلرة جزء آخر، وتحويل جزء ثالث أسهماً في حساب رأس المال عبر Bail In، وسيُوضع جزء في صندوق استرجاع الودائع المزمع تكوينه للتعويض بعد عدة سنوات من العائدات المحقّقة من استثمار الأصول العامة.

وباستثناء الـ 22 مليار دولار التي ستعاد نقداً، فإنّ الوعد بإرجاع 64 مليار دولار يعدّه نوّاب مخاطرة كبيرة، خصوصاً في ظلّ معدلات النموّ المتواضعة المتوقّع أن يحقّقها لبنان في السنوات المقبلة، والحاجة الماسة إلى بناء نظام عادل للحماية الاجتماعية والصحية والتعليمية نتيجة ارتفاع معدلات الفقر وقصور المساعدات الدولية، ووقوع البلد على فالق من الخلافات الداخلية والصراعات الخارجية. وسواء بنينا مؤسسة قوية أو أكثر لإدارة أصول الدولة، وأنشأنا صندوقاً عادلاً يوازن بين المتطلّبات التنموية وإعادة الودائع، فإنّ الخشية تبقى من تبخّر "ماء" الوعود وبقاء "ملح" مؤسسات وصناديق تدار على الطريقة اللبنانية.

الأهمّ، على المدى القصير، هو أن تخرج النقاشات بشيء مفيد، ويُصوّت عليها بشفافية في حال وصولها إلى الهيئة العامة. ذلك لأنّ مقترحات القوانين تدخل اللجان "لحمة" وتخرج من الهيئة العامة "هوت دوغ"، على حدّ قول أحد النوّاب الظرفاء.