لافتة كانت الزيارة التي قام بها المدير العام للأمن العام اللواء الياس البيسري للسفير السعودي وليد بخاري. لا يمكن فصل زيارة كهذه عن سياق الاتصالات المتعلّقة بالموضوع الرئاسي في لبنان، لا سيّما أنّ البيسري بات أحد أبرز الأسماء المتداولة. تزامنت الزيارة مع إعادة تحريك اللجنة الخماسية محرّكاتها الرئاسية، وفي ضوء الحديث عن اليوم التالي لما بعد وقف النار في غزة وزيارة الموفد الأميركي آموس هوكستين إلى فرنسا. بمعزل عن مواضيع البحث، فالزيارة، أقلّه بالشكل، تعكس رضى سعودياً على شخص البيسري.

‎انطلق تداول اسم اللواء البيسري من دولة قطر التي رأت فيه مرشحاً ثالثاً غير مستفز، يمكن اسمه أن يكون موضع قبول لدى جميع الأطراف السياسية التي يلتقي معها على علاقة طيّبة وودّ متبادل، ومدخلاً لإنهاء الفراغ الرئاسي الآخذ في التمدّد. حمل الموفد القطري الاِسم وجال به على رؤساء الأحزاب والكتل النيابية ومعه ملخّص عن حياة صاحبه ومناقبيّته المهنية.

‎يملك هذا الرجل، خلافاً للآخرين، خاصّية عدم وجود فيتو أو اعتراض على شخصه من قبل رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، وإن لم يسمّه مرشّحاً، وهذا ما يعوّض اعتراض القوات اللبنانية التي شملت البيسري بسلبيّتها ورفعت في وجه ترشيحه لا الاعتراضية المتكرّرة، لا للحوار، لا للتشاور، لا للقاء بكركي، لا لبرنامج رئاسي. أمّا الثنائي الشيعي، وإن لم يسمّه هو الآخر مرشّحاً لأسباب تتّصل بتمسّكه بترشيح سليمان فرنجية، فلم يعترض عليه، بدليل أنّه كان الشخص الوحيد الذي قبل به خليفةً للمدير العام السابق عباس إبراهيم، ولأجله اتُّخذت تدابير اسثنائية ووُجد المخرج اللائق لإعادته إلى الخدمة على نحو لا يتعارض والقانون.

‎تعاطت القوى السياسية مع ترشيح اللواء البيسري على أنّه موضع اختبار، لولا أنّ الموفد القطري، كان في كلّ زيارة إلى لبنان، يعيد ترداد اسمه على مسامع من يلتقيهم. صار مرشحاً أصيلاً، يتقدّم اسمه لائحة المرشّحين أو يتراجع وفقاً للظروف السياسية والتدخّلات الخارجية. أُدرج على لائحة مرشّحي اللجنة الخماسية المكلفة ملفّ رئاسة الجمهورية. عضو اللجنة السفير القطري نجح في الترويج لترشيحه بين بقية الأعضاء، فلم ترفضه فرنسا ولم تعتبر أميركا أنّ ترشيحه يضرّ بمصالحها وكذلك نال موافقة مصر والسعودية. المهمّ بالنسبة إلى الخماسية أن يكون هناك مرشّح بديل من مرشح حزب الله سليمان فرنجية، الذي يصطدم بمعارضة المملكة السعودية، أي من السنة في لبنان.

يدرك البيسري أنّ حظوظه الرئاسية إمّا تكون صفراً وإمّا مضمونة مئة في المئة...

‎انقسمت الآراء حيال ترشيح البيسري، بين من فسّره على سبيل النكاية أو لتمرير الوقت، ومن اعتبره جدّياً ما دامت قطر صاحبة المبادرة، التي لا يمكن، بحسب مناصري هذا الرأي، أن تجازف بمرشّح لا يحظى برضى الأميركيين.

‎للبيسري خبرة أمنية إدارية ميّزته. أصيب بجراح خطيرة على إثر محاولة اغتيال الوزير الياس المر الذي كان مكلّفاً مهمة مرافقته عام 2005. يملك خبرة في الإدارة الداخلية وسعة معلومات وهو الحائز شهادة دكتوراه في الحقوق، يلتزم تنفيذ القوانين في ممارسة مهماته بعيداً من المحسوبيات السياسية التي ينأى بنفسه عنها. يتمتّع بسمعة مميزة في المؤسسة العسكرية التي دخلها تلميذاً عام 1984، وتخرج برتبة ملازم عام 1986، شغل مناصب عديدة في الألوية المقاتلة وفي مديرية المخابرات.

‎ابن عكار الذي اختبر مشقات الحياة منذ صغر سنه، هادئ الطباع، مثقّف، كتوم، قرارته مدروسة، كما يتحدّث عنه عارفوه، وهو على علاقة جيدة بجميع القوى السياسية، ويحاول أن يكون على مسافة واحدة من الفرقاء كلهم، وتربطه علاقة جيدة بالدول الأجنبية والعربية. كُلِّف أخيراً ملف إعادة النازحين إلى سوريا، وهو على تنسيق متواصل مع القيادة السورية لهذه الغاية.

‎وجوده على رأس مؤسسة الأمن العام فتح له آفاقاً واسعة. تربطه علاقات وثيقة بأجهزة الاستخبارات العربية والفرنسية والأميركية، ومعه دخلت السعودية في تنسيق أمني مباشر ومثلها فعلت قطر والإمارات.

‎ولأنّ أسماء الشخصيات المارونية التى من الممكن أن تطرح على حلبة انتخاب رئاسة الجمهورية أصبحت قليلة ونادرة إلّا بقدرة قادر، فإنّ اسم البيسري هو من الأسماء التى يسعفها القبول في هذا المضمار. صاحب شخصية يجمع معظم المسؤولين اللبنانيين على أنّه ذات صداقات سياسية واسعة النطاق ويتمتّع بالمقدرة على الظهور حيادياً، ويمكنه إجادة ذلك من خلال أدائه في عمله مديراً للأمن العام.

‎يدرك البيسري أنّ حظوظه الرئاسية إمّا تكون صفراً وإمّا مضمونة مئة في المئة، وهو في هذا المعنى إمّا يذهب من موقعه كمدير عام بالانابة الى التقاعد بعد بلوغه السن القانونية، وإمّا يُنتخب رئيساً بعد التوافق الدولي والمحلي على انتخابه. متصالح مع نفسه هو المدير العام بالإنابة، ويعرف أنّ الرئاسة في لبنان يتولّاها من يخدمه التوافق الدولي أو تسعفه ضربة الحظ، وإن كانت التطورات الأخيرة المتلاحقة تعزّز الخيار الأول، إذ لم يبقَ هناك المزيد من الهوامش الداخلية في ظلّ احتدام الكباش الدولي في المنطقة، وتحديداً في لبنان.