كثيرة هي الكتب التي طبعت عن الموارنة وتاريخهم. من أبرزها كتب وضعها رجال دين أقدمون كالبطريرك اسطفان الدويهي، وفي العصر الحديث من أمثال الأب بطرس ضو والأب أنطوان ضو وغيرهما. وفي معظم هذه الكتب تركيز على تاريخ الكنيسة المارونية وارتباطها بالجماعة وبالسلطات المحتلة التي تعاقبت على حكم لبنان وبالممالك والإمارات الأوروبية والفاتيكان.
لكنّ آلاف من المؤلفات المارونية أحرقت. من أحرقها هو القاصد الرسولي إليانو الذي كان يعرف العربية والسريانية والذي أمضى في لبنان وقتاً راجع فيه المؤلفات المارونية وأحرق ما كان يعتقد أنها تتضمن تعاليم مخالفة للعقيدة الكاثوليكية. لكنّ وجود علماء موارنة من أمثال جبرائل ابن القلاعي عوّض بعض الشيء عن التراث الماروني المفقود.
هي المدرسة المارونية في روما التي خرّجت عشرات بل مئات من العلماء الموارنة، ومنهم من برز وبرع في أوروبا، ومنهم أيضا من عاد إلى لبنان ليسهم في فتح المدارس وتعليم الأولاد
أمّا أحدث كتاب عن الموارنة فصدر هذا الشهر بعنوان "التحوّلات الاجتماعية والثقافية عند الموارنة بين نهاية القرن السابع ومطلع القرن العشرين،" لمؤلفيه أساتذة التاريخ في الجامعة اللبنانية الدكاترة بيار مكرزل ومروان أبي فاضل وعماد مراد. ودعا المؤلفون إلى حفلة لتوقيع الكتاب في المسرح الرئيسي للحركة الثقافية في أنطلياس وندوة أدارها رئيس قسم التاريخ في كلية الآداب والعلوم الإنسانية في الفرع الثاني للجامعة اللبنانية الدكتور أندريه نصار والزميل جو سعاده ممثلاً السيد أكرم أديب صفا، أحد مالكي موقع الصفا الذي رعى طبع الكتاب.
في الندوة، روى عماد مراد أن الكتاب انطلق من فكرة خطرت للمؤلفين الثلاثة الذين كانوا يشاركون في مؤتمر أكاديمي عن الموضوع نفسه فتساءلوا عما يمنعهم من توسيع البحث ليصبح كتابا جامعا، خصوصاً أن الموضوع لم يُوفَّ بحثا في كل الدراسات عن الموارنة وتاريخهم.
أمام قاعة ممتلئة كان فيها عدد المقاعد أقلّ من عدد الحاضرين، تحدث مدير الندوة أندريه نصار عن الصعوبة التي يواجهها الأكاديميون في طبع أعمالهم في الظروف التي وصل إليها لبنان، علماً أن الأكاديميين يحيون ويزدهرون ويتطورون بمقدار ما يؤلفون وينشرون.
رئيس مجلس إدارة موقع "الصفا نيوز" الوزير السابق محمد فهمي: "علينا أن نبدأ بالإيمان بالهوية بدلا من أن ننشغل بحمل هوية."
تحدث المؤلفون كلّ عن الحقبة التي عالجها، وكان نصيب بيار مكرزل منها نحو ثمانية قرون هي ما يتعارَف على تسميتها القرون الوسطى. وتقاسم مروان أبي فاضل ومراد العصور المتبقية وهي التي شهد تاريخ الموارنة فيها القدر الأكبر من التطور والتقلبات والتحوّلات الاجتماعية والثقافية، وصولاً إلى نهاية المتصرفية بعد الحرب العالمية الأولى وإعلان دولة لبنان الكبير. وما يصل بين تلك الحقب هي المدرسة المارونية في روما التي خرّجت عشرات بل مئات من العلماء الموارنة، ومنهم من برز وبرع في أوروبا، ومنهم أيضا من عاد إلى لبنان ليسهم في فتح المدارس وتعليم الأولاد والتمهيد لإطلاق النهضة في القرن التاسع عشر. وأشار أبي فاضل إلى أن المجمع الماروني الذي عقد في دير اللويزه في أواسط القرن الثانت عشر اتخذ قرارا بإلزامية التعليم المجاني للصبيان والبنات.
أما سعاده فكان قد ركّز في كلمته على القيم المارونية وأبرزها الإيمان والتعلق بالأرض والانفتاح. وسأل عن الأسباب التي حالت دون وحدة هذه الجماعة التي صهرها الدفاع عن معتقداتها وطريقة عيشها ولماذا سهل على الأطراف الخارجية التدخل في شؤونها وشؤون غيرها من الطوائف. وحض سعاده على مزيد من الأعمال الأكاديمية التي تتناول المناحي السياسية والدور الماروني الذي يجب أن يعاد إحياؤه لحماية وجودهم ووجود لبنان.
في نهاية الندوة خصصت بضع دقائق لمن يودّ طرح سؤال على المؤلفين. تحدّث رئيس مجلس إدارة موقع الصفا الوزير السابق محمد فهمي وقال إن "علينا أن نبدأ بالإيمان بالهوية بدلا من أن ننشغل بحمل هوية."