مع اقتراب فصل الصيف في لبنان، تتجه الأنظار إلى الموسم السياحي، الذي، على ما يبدو، يعاني بشدّة نتيجة نيران الحرب الإسرائيلية على الجنوب، وسط التهويلات التي ترجّح احتمال توسّع رقعة الحرب لتشمل بيروت وباقي المناطق، بعدما وصلت القذائف الإسرائيلية إلى قلب الضاحية الجنوبية لبيروت، وإلى منطقة بعلبك. وعلى الرّغم من الوضع الأمني الخطير، والوضع الاقتصادي المرهق، تتجدّد الآمال بإمكان انتعاش الموسم السياحي وعودة المصطافين من المغتربين إلى الوطن، ولو بمعجزة سياسية أو أمنيّة!
تراجع بنسبة 75 في المئة
في هذا الإطار، قال الخبير الاقتصادي أنطوان فرح لـ"الصفا نيوز" إنّ "القطاع السياحي مصدر مهمّ لإدخال العملات الأجنبية إلى لبنان، وهو داعم أساسي للاقتصاد في فترة الانهيار، وهذا ما أثبته الموسم السياحي في العام 2023. فالقطاع الاقتصادي يأتي في المرتبة الثانية بعد قطاع تحويل الأموال من الخارج، في قائمة ركائز الاقتصاد اللبناني، الذي هو بأمسّ الحاجة إلى العملات الصعبة. لذلك ينبغي الحفاظ على هذا القطاع في هذه المرحلة، لكونه مصدراً مهمّاً يدعم الاقتصاد في أزمته".
وأِشار فرح إلى أنّ "الموسم السياحي تغيّر منذ اندلاع الحرب في غزّة في 7 تشرين الأول، إذ كان المستثمرون يأملون أن يمتد الموسم من صيف 2023 إلى الخريف فشتاء 2024 ليعود ويستعيد زخمه مرّة جديدة في ربيع وصيف 2024، إلّا أنّ ذلك لم يحصل، فتراجعت الحركة السياحية، ومعها حركة الأعمال في الداخل".
وتُبيّن الأرقام أنّ القطاع السياحي تضرر بنسبة 75 في المئة منذ اندلاع الحرب في غزة وجنوب لبنان.
وعلى الرّغم من التحضيرات الكبيرة لموسم صيف 2024، يقول فرح، "لن يجاري هذا الموسم موسم العام الماضي، وسيخسر لبنان نسبة كبيرة جداً من الحركة السياحية المتعلّقة بالأجانب العرب، ولا سيما من العراقيين والأردنيين، الذين كانوا يشكّلون النسبة الكبرى منهم، بالإضافة إلى خسارته السياح الأجانب من الأوروبيين. علماً أنّ الحركة السياحية للأموال في هذا الموسم قد تتراجع بنسبة كبيرة عن العام الماضي، إذ سجّلت نحو 5 مليارات دولار".
"البركة بالمغتربين"
وعندما يغيب عامل السياحة الأجنبية عن القطاع، يقول فرح، تتضرر قطاعات سياحيّة عديدة، في مقدّمتها القطاع الفندقي، لأنّ قطاع المطاعم قد يعيش على حركة اللبنانيين في الداخل، على عكس الفندقي، الذي يعجز اللبنانيون في الداخل عن تشغيله. وبالتالي، لا شكّ في أنّه سيعاني كثيراً هذا الصيف. وستتأثّر معه حركة الأعمال، التي بدأت تتراجع بسبب الحرب القائمة في جنوب لبنان، والخوف الدائم من تطوراتها. وعليه، فإنّ إيرادات صيف لبنان لعام 2024 قد تكون أقلّ بنسبة 30 إلى 40 في المئة عن إيرادات العام الماضي".
ورأى فرح أنّ "نسبة قليلة من اللبنانيين المغتربين في الخارج، قد تمتنع عن المجيء إلى لبنان هذا الصيف، إمّا خوفاً من الوضع، أو بسبب سياسات الشركات التي يعملون فيها، والتي فرضت حظر سفر إلى لبنان".
نسبة تشغيل الفنادق لا تتخطّى الـ 25 في المئة
في سياق متصل، كشف نقيب أصحاب الفنادق في لبنان، بيار الأشقر، لـ"الصفا نيوز" أنّ "حجوزات الفنادق والشقق المفروشة لهذا الصيف ضعيفة جداً، ولا تتخطّى الـ25 في المئة كأعلى نسبة تشغيل، وصلت في الفترة نفسها من العام الماضي إلى ما بين الـ45 و الـ50 في المئة، أي ضعفَيْ نسبة هذا العام".
وأكّد أنّ "النسبة الكبرى ممن سيزورون لبنان، هم من اللبنانيين المغتربين في دول الخليج وأفريقيا، وهؤلاء يمتلكون منازل في لبنان وليسوا بحاجة إلى حجز غرفة في فندق"، مضيفاً "تظهر الأرقام أنّ هناك 550 ألف شخص هاجر لبنان منذ عام 2015 حتّى اليوم، وبالتالي، لم تتسنَّ لهم الفرصة بعد لبيع منازلهم. لذلك من المرجّح أن يسكنوا فيها إن أتوا هذا الصيف، ويزوروا أغلبية مناطق لبنان، وفي طليعتها: برمانا، فقرا، جونيه، البترون، جبيل. إلخ. أمّا مناطق الجنوب ومنطقة بعلبك فستحرم من المغتربين والسياح".
ما يحصل "عادي"
ومن الطبيعي أن يأتي المغترب اللبناني إلى لبنان لتمضية عطلة الصيف، بحسب الأشقر، لأنّ الوضع الأمني الذي يرزح تحته الجنوب، ليس بجديد على اللبنانيين، الذين اعتادوا على مدى أكثر من 60 عاماً الأزمات الاقتصادية، والأمنية. فكلّ ما يحصل من دمار في الجنوب، وهدم 1700 منزل، يعتبره اللبنانيون مسألة بسيطة، ويكملون حياتهم بشكل عادي. وبالتالي، لن يؤثّر ذلك كله على إقبال المغترب اللبناني، على عكس السائح الأجنبي الذي قد يتردد في المجيء، ومثله يفعل قسم قليل من اللبنانيين، خصوصاً أنّ الإعلام يتحدث عن صيف ساخن في ظلّ التهديدات الإسرائيلية المستمرّة. فمنذ 7 تشرين الأوّل 2023، طلبت جميع السفارات من رعاياها عدم السفر إلى لبنان، ولفتت إلى أنّ من يريد السفر فليسافر على مسؤوليته. و"على مسؤوليته" تعني أنّه سيتكفّل بتسديد بدل التأمين المضروب بـ5 أضعاف، نتيجة المخاطر العالية في لبنان. فمن سيدفع هذا المبلغ للسباحة في شاطئ جونيه مثلاً؟ وحدهم الذين لديهم أعمال ومصالح قد يخاطرون".
وطرح الأِشقر مشكلة طائرات الميدل آيست، التي يعمل نصفها حالياً، في الوقت الذي يرتفع فيه عدد اللبنانيين الذين يرغبون في زيارة لبنان، فكيف ستلبّي الطائرات الموجودة العدد المطلوب؟".
وطمأن الأشقر إلى أنّ قطاع المطاعم والمقاهي والملاهي لن يتأثر، خصوصاً مع إصرار مختلف المناطق على إحياء الحفلات الفنية والمهرجانات التي بدورها تجذب الكثير من السياح العرب والمغتربين...".
تراجع تذاكر السفر
"على مقلب آخر، كان رئيس نقابة أصحاب مكاتب السفر والسياحة جان عبود قد كشف، في حديث صحافي، أنّ "قطاع السفر تراجع 85 في المئة على صعيد الحجوزات ما بعد 7 تشرين الأول"، لافتاً إلى أنّ "الوضع تحسّن قليلًا، فاليوم، يشهد سوق قطع التذاكر تراجعاً بلغ نحو الـ10 في المئة ليس أكثر، مقارنة بالسنة الماضية، أمّا السياحة الصادرة فقد تراجعت 35 في المئة". وتابع "السياحة الواردة هي الأكثر تضرّراً، فالسياحة الأوروبية قد تراجعت 90 في المئة والسياحة العربية 35 في المئة".
وأضاف عبود "ما دام مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت لم يغلق أبوابه، فإنّ الحركة السياحية خلال صيف 2024 ستكون ناشطة، لأنّ اللبنانيين يحبّون السفر، خاصة إلى وجهات قريبة وغير مكلفة".
وعلى الرّغم من الظروف الأمنية والاقتصادية الصعبة، لن يكون صيف لبنان 2024 هو الأسوأ، إلاّ أنّه سيتراجع عن صيف 2023، وهذا طبيعي. والمؤكّد أنّ قطاع الفنادق، الذي بدأ يتعافى بعد انفجار 4 آب وجائحة كورونا، قد يشهد انتكاسة جديدة في العام الجاري.