يلمعُ اسمُ فريال كريم في ذاكرةِ مَن عاصرَها من اللبنانيين والعرب، سيّدة مسرح وسينما وتلفزيون، زاوجَتْ بينَ التّقليد والتمثيل والغناء والمونولوج، واستطاعتْ أن تحفر لنفسها مكانةً لا ينافسُها عليها أحد. نشتاقُ إليها هذه الأيام، حيثُ صارتِ الكوميديا مرتبطةً في كثيرٍ من الأحيان بمفاهيمِ المبالغة والتّنميط سواء للهجات أو المناطق، بينما كانت فريال "السهل الممتنع". عشقتِ المسرح وماتت عليه!
طافتْ فريال مسارح العالم حاملةً صوتَها وضحكتَها، وغنّت بدءاً من بيروت فالإمارات ومصر، وصولاً إلى بريطانيا وإيطاليا وغيرها من العواصم. كانتْ نجمةَ الابتسامة والسّعادة أينما حلّت، في حياتِها الخاصة وفي عملها. كانت تواجهُ مشكلاتها ببساطة، قائلةً: "منحَني الله الطّاقة والقوّة لأواجه صعاب الحياة، وهذا ما أفعلهُ".
فريال... البداية
ولِدَتْ فريال كريم أو "فيرا سمعان" في 13 نيسان 1938، وسطَ عائلةٍ فنية، فقد شجّعها والدها بشارة سمعان على دخول مجال الفن، بعد شقيقتَيها إيزابيل "لمعان" وكلير. ظهرتْ موهبتها في سن الخامسة في التقليد، ثمّ أدهشتِ الجميع في إحدى الزّيارات إلى مصر بقدرتِها على أداءِ أغنيات الفنانة ثريّا حلمي وهي لم تتجاوزْ الست سنوات، ليستعين بها المخرج المصري من أصل فلسطيني سمير لاما في فيلم "سكة السلامة" (1948). بعدها، بدأتْ مسيرة فريال الفنيّة مع شقيقتها "كلير"، فوقفتا كمغنيتين على خشبة "مسرح فاروق" في بيروت وعُرفتا بلقبِ "الشّقراء والسّمراء".
ومن "مسرح فاروق"، كانت الإنطلاقة نحوَ الاحتراف، وهو المكان الذي كانَ يشهدُ تقديمَ الممثّل سعد الدين بقدونس لـ "الاسكتشات" التمثيليّة، وكان يقدّم محمد كريم وصلات الطّرب، فكانَ المسرح بداية قصة حب انتهتْ بالزّواج بين فريال ومحمد كريم حاملةً اسم عائلته، ثمّ رُزقا بـ "منى"، وكذلك تزوّجت "كلير" من سعد الدين بقدونس.
في التلفزيون، تعرّفت فريال إلى الفنان الكبير محمد شامل، فاستعانَ بها في "شارع العز" الذي كان يُبَث مباشرةً على الهواء، ثمّ "حكمت المحكمة"، وشهدتْ إحدى حلقاته خروجاً لـ "فريال" عن الدور المكتوب لها في قاعة المحكمة، فحوّلتِ الدّمعة إلى ضحكة، لتعلن الصحافة اللبنانية في اليوم التّالي عن ولادة ظاهرة كوميدية اسمها "فريال كريم".
أعمالٌ متنوّعةٌ بين التلفزيون والمسرح والسينما
اشتهرتْ فريال في التلفزيون ضمن أعمال بارزة مثل، "أم خبار" (كتابة سامي الصيداوي) و"الدنيا هيك" (كتابة محمد شامل)، بالإضافة لتجاربها المتنوّعة مع صلاح تيزاني "أبو سليم" ومع الأخوين رحباني "ساعة وغنية"، كما أطلتْ أمام إيلي صنيفر في "عيّوق ورفقاته" للمخرجِ مروان نجار، وآخر أعمالها تلفزيونياً، كانَ مع ابراهيم مرعشلي في "ابراهيم أفندي".
وكانت الكبيرة فريال كريم، فنانة مسرح بامتياز، حيثُ وقفت مع الفنان حسن علاء الدين "شوشو" في عددٍ من المسرحيات، منها "فرقت نمرة" و"وراء البرافان" و"الدكتور شوشو" و"واو وسين". كما مثّلتْ مع الفنانة سلوى القطريب في مسرح روميو لحود، واشتركتْ مع فيلمون وهبي في مسرحية بعنوان "عمارة بس بالإعارة"، ومع الياس الرحباني، شاركت في مسرحية "وادي شمسين" إلى جانب الشّحرورة "صباح" التي كانت فريال تبدعُ بتقليدِها، إلى جانب فنانين آخرين.
عشقتْ فريال المسرح وأخلصت لهُ، حتّى في ذروةِ أحداث الحرب الأهلية اللبنانية كانت تلغي عروضاً خارجيّة كُرمى عيون مسارح بيروت، سواء في المسرحيات أو المناسبات الخاصّة كالأفراح، وكانت تقول: "المسرح عشقي الأوّل والأخير، فهو بيتي وملاذي وفيه أفجّر طاقاتي".
كما سجّلت فريال حضوراً سينمائياً في الأفلام اللبنانية المصرية المشتركة والأفلام السوريّة في فترة الستينيات والسبعينات مثل "فندق الأحلام" (1968) و"مسك وعنبر" (1973). ورغم تمثيلها باللهجة المصرية في عددٍ من أفلامها، إلا أنّها كانت تعتبر أنّ الأولويّة للّهجة اللبنانية، ما أدّى إلى حرمانها من المشاركة في مسلسلات كانَ ينتجها "تلفزيون لبنان"، ويلتزمُ فيها الفصحى في مرحلةٍ معيّنة لشروط التّسويق. مع ذلك، لم تندمْ فريال على عدم المشاركة، قائلةً: "اللغة الفصحى تسرق من الممثّل بعضاً من صدقه في تقمّص الأدوار، وبالنسبة لي، أمثلُ الأدوار الكوميدية، والكوميديا لا يمكن أن تُقدّم بالفصحى"!
فريال وأغنياتها الشّهيرة
وكان الغناء ملعبَها الحر، فأبدعت فيه، وتعاونتْ مع كبار الملحّنين، فنالتْ شهرةً واسعةً مع الياس الرحباني في "برّات البيت عاملي عنتر" و"يا أسمر يا كحيل العين" و"جارنا الشاويش". كما كانتِ الفنانة الوحيدة التي لا يتقاضى منها ملحم بركات أجراً، فيُهديها ألحانهُ، مثل "عم يزعلني للو" و"قرقورك يا بديعة" و"غير حبّك مش عايزة".
عانتْ فريال كريم من داءِ الروماتيزم في القلب منذُ السادسة من عمرها، لكن رغم الآلم، حملت رسالةَ سعادةٍ وبهجةٍ في أعمالها. عاشتْ للمسرح وماتت عليه.
رحلت وهي تؤدّي رسالةَ حُب
في 3 تموز 1988 خلالَ إحيائها حفلِ زفافٍ بالمعاملتين، سقطت فريال على المسرح وهي تغني "جارنا الشّاويش". لحظةٌ دراميةٌ آليمة حدثتْ، حيثُ خانَها قلبها المليء بالآلام ولم يعد باستطاعته بثَ الفرح، حينها أرّختْ عدسة أحد الحاضرين بالمكان هذه اللحظة، وانتهتْ رحلت فريال بعدَ أكثر من أربعِ عقودٍ من العطاء منذُ طفولتها، لتصبحَ مثالاً يُحتذى به في مجالِ الفن عموماً، والكوميديا والمونولوج بشكلٍ خاص.