استفاق المستوردون اللبنانيون نهاية الأسبوع الماضي على ضريبة "تربّح"، بعدما "قيّلوا" على وقع عدم تضمين موازنة 2024 أيّ ضرائب من هذا النوع. أصابتهم الدهشة مع سماع نوّاب يصرّحون، عقب إقرار الموازنة بجلسة مغلقة، أنّه تمّت إضافة ضريبة بنسبة 10 في المئة على الشركات التي استفادت من سياسة الدعم. وذلك بعدما ضمنت التعديلات في مشروع الموازنة الأصلي إزالة المادة 125 التي تفرض ضريبة على المتربّحين من صيرفة، وتفريغ المادة 58 التي كانت تنصّ على تحصيل الضريبة من إيرادات الأموال المنقولة في الخارج العائدة إلى المقيمين ضريبياً في لبنان، من التشدّد الإجرائي ولا سيّما مفعولها الجزائي بوصف المتخلّف عن تسديدها حكماً بالمتهرّب ضريبياً.
من الوجهة القانونية ستتعرّض الضريبة الجديدة للطّعن أمام المجلس الدستوري على خلفية مبدأين اثنين هما عدم رجعية القوانين المالية وسنوية الموازنة. أو ما يعني عدم جواز إقرار ضرائب لسنوات لاحقة أو سابقة. وأنّ كلّ الضرائب تفرض على السنة المالية المستهدفة من الموازنة. وبالفعل لم يتأخّر مستوردو النفط، وهم أكثر من استفاد من الدعم، في نقض هذه الضريبة المقرّة استناداً إلى مبدأين أساسيين:
- لا غرامة (عقوبة) حيث لا جرم وإلى المبدأ الأساسي.
- لا يمكن إنشاء جرم وتالياً عقوبة (غرامة) مع مفعول رجعي .
ومن الواضح، برأيهم، أنّ هذا القانون يخالف هذين المبدأين. فكيف يمكن معاقبة الشركات على عمل لا يشكّل جرماً. وكيف يمكن إنشاء في العام 2023 جرماً (وعقوبة) لأفعال لم تكن مجرَّمة ومعاقبة في العامين 2020 و2021.
من الوجهة القانونية ستتعرّض الضريبة الجديدة للطّعن أمام المجلس الدستوري
الطعن بضريبة الدعم
الطعن بهذه الضريبة أمام المجلس الدستوري، "أمر منتظر"، برأي المحامي الخبير في قوانين الضرائب الدكتور كريم ضاهر، و"إمكانية إبطالها قوية. وقد سبق أن حذّرنا مراراً وتكراراً من أنّ الضريبة على الشركات التي استفادت من الدعم قائمة في القوانين اللبنانية. وذلك على غرار ضريبة المتربّحين من صيرفة. إذ تنصّ الفقرة (د) من المادة الرابعة من قانون ضريبة الدخل على أنّه إذا كان الإيراد، أو الربح المُحقّق غير خاضع لضريبة نوعية أخرى على الدخل، مثل الضرائب على الرواتب والأجور ورؤوس الأموال المنقولة أو الأملاك المبنية... أو غيرها، يكون خاضعاً حكماً لضريبة الدخل، الباب الأول، والتي تراوح بين 4 و25 في المئة على الأفراد، و17 في المئة على الشركات.
إهدار الأموال عن سابق إصرار وتصميم
الافتراض المسبق بإسقاط هذه الضريبة بضربة عدم رجعية الضرائب القاضية، يقابلها مخالفة المعنيين في الإدارات الرسمية وفي مقدِّمِها مصرف لبنان، الدستور والقوانين بتسديد الدعم من الأموال الخاصّة للمواطنين أو المودعين وليس من أموال الدولة العامّة المتأتية من إيراداتها. وما يعزز الحجّة أنّ استعمال هذه الأموال أتى عقب انفجار الأزمة النقدية والمالية، والتي كان سببها الأول هو استخدام أموال المودعين في مصرف لبنان لسد العجز وتثبيت سعر الصرف ودعمه. وعليه، فإنّ الدعم في عزّ الانهيار يمكن اعتباره عملاً هدّاماً بحقّ المودعين عن سابق إصرار وتصميم، ويوجب على من اشترك فيه التعويض على المودعين.
مبرّرات قانونية لفرض الضريبة على الدعم
المضيّ قدماً بهذه الضريبة انطلاقاً من تحقيق العدالة بالنسبة إلى شريحة واسعة من المواطنين يمثّلها المودعون، يجب أن يستتبع بأمرين أساسيين من وجهة نظر ضاهر:
- الأول، رصد موازنة معيّنة أو مبلغ معيّن في وزارة المالية، مع إلزامها بمهلة محدّدة لا تتجاوز نصف عام لإصدار مرسوم يتخذ في مجلس الوزراء بناءً على اقتراح وزير المال، يحدّد آلية طلب المعلومات من المصارف ونطاقها وفقاً لأحكام المادة الثالثة من قانون تعديل السرية المصرفية الرقم 306/2022 المُعدّل للمادة 23 من قانون الإجراءات الضريبية. ومن ثم تحديد ماهية الأرباح المعلن عنها وغير المعلن، التي تأتت من الدعم ومن الذي استفاد منها، وكيف. وذلك بالتعاون مع مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف والتقيد بموجب القانون 306/2022 المتعلق برفع السرية المصرفية. أمّا بالنسبة إلى الأرباح غير المعلن عنها فيترتب عليها ضريبة بنسبة 17 في المئة بالنسبة إلى شركات الأموال تُضاف إليها عند الاقتضاء ضريبة توزيع بنسبة 10 في المئة، أي ما مجموعه 25,3 في المئة. وبنسبة تراوح بين 4 و25 في المئة إذا كنت شركات أشخاص أو كان المستفيدون افراداً، تُضاف إليها غرامة التحقق وغرامة التحصيل. لا يمكن استثناء هذه الشركات من الإعفاء أو تخفيض الغرامات. على أنّه يمكن وزارة المال استدراك حقوقها ضمن مهلة مرور الزمن المحدّدة بخمس سنوات بالنسبة إلى المكلّفين المسجّلين، وسبع سنوات بالنسبة إلى المكتومين. وهذا ما يسمح تالياً باستدراك تلك الأرباح في حال عدم الإعلان عنها أو التلاعب بها وعدم تسديدها.
- الثاني، بإمكان من يدافع عن هذا التدبير من مسؤولين الخروج عن إطار القانون الحالي، والسير على مبادئ قانونية مختلفة وترتبط بغير قوانين مثل الموجبات والعقود والدستور اللبناني الذي يشدّد على مبدأ المساواة. وعليه بإمكان البرلمان اعتبار أن هذا الدعم الذي حصل، ولو بتسهيل من الدولة، يفرض اتّباع إجراءين متعارف عليهما عالمياً ومحلياً وهما بـ "الكسب غير المبرر" enrichissement sans cause ou illégitime. (أي من يجني بلا سبب قانوني كسباً يضرّ بالغير - وهنا نخص بالذكر المدعّين الذين تم تذويب ودائعهم- يلزمه الردّ)، و"استرداد ما هو غير مستحق" أو بالأحرى "إيفاء ما لا يجب"، répétition de l'indu. ويجري اعتماد هذين المبدأين وربطهما بالمادة السابعة من الدستور التي تحكي عن المساواة، والفقرة (ج) من المقدمة، اللتين تفرضان المساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين وتقولان إن كلّ اللبنانيين سواسية بالأعباء العامة. وعليه يقر البرلمان بضرورة إعادة الأمور إلى ما كانت عليه. ومن هذا القبيل يمكن اعتماد طريقتين:
- إمّا استرداد الأرباح المتأتية أو أقلّه الضرائب المترتبّة عنها وغير المسدّدة مع غراماتها، ووضعها في صندوق استرداد الودائع. وما دام الصندوق لم يفعّل بعد، يُفتح حساب ائتماني في مصرف لبنان يعرف باسم "حساب الضمان" - escrow account. ويهدف حصراً إلى تحسين وضع المودعين وتوسيع قيمة السحوبات من حساباتهم المحجوزة.
- اعتبار هذه الضريبة علاوة ضريبية تضامنية، أو ما يعرف بالتخصيص الضريبي. فتكون الضريبة المحصّلة من هذه الأرباح ضريبة تضامن للتعويض عن كلّ من تضرر من هذا الإجراء. وذلك من بعد تطبيق مبدأ الكسب غير المبرر، واسترداد ما هو غير مستحق. لأنّ الدعم أدّى إلى تضرّر شريحة واسعة من المواطنين.
عنصر القوّة في ضريبة التضامن هذه، أنه يفرض على أرباح متأتية من أموال خاصّة تعود إلى المودعين وليس من أموال الدولة العامة. ومن هذه الزاوية على الجميع تحمّل المسؤولية ابتداء من الدولة ومصرف لبنان والأطراف المستفيدة من وزارات "طاقة" و"اقتصاد" و"مالية"، ومصرف لبنان، ومستوردين... في تحمّل المسؤولية. وهذا يمكن أن ينطبق أيضاً تبعاً لنفس المبادئ على الأرباح المتأتية سواء من عمليات صيرفة، وعلى الديون والقروض المصرفية المعاد تسديدها بسعر صرف و/أو بقيمة مختلفة عن القيمة الفعلية للدين والناتجة عنها أرباح لم يسقط استدراكها بعد بعامل مرور الزمن. مع العلم أنّ مشروع قانون بهذا الصدد قد سبق إعداده وأقرّه مجلس الوزراء في نهاية العام الماضي.
كيفما قلبناها على "جمر" القوانين ومبادئ الحقّ والإنصاف والعدالة الاجتماعية يمكن أن نستنتج أنّ الضريبة على الدعم قابلة للتطبيق. ولعلّ الدرس الواجب تعلّمه من سير الأمور هو التوقّف عن الترقيع في السياسات العامة، والانتقال إلى سياسات اقتصادية واجتماعية تراعي مصلحة المواطنين وتحقّق العدالة في ما بينهم.