بعدما هدّدت إسرائيل عدّة مرات خلال الأشهر الثلاث الماضية بقصف قوافل المساعدات التي قد تتحرّك من جانب معبر رفح من الناحية المصرية، محمّلة مصر المسؤولية الكاملة عن المعبر، زاعمة أنّ السلطات المصرية هي المسؤولة عن عدم دخول المساعدات إلى قطاع غزة دون الحاجة لموافقة تل أبيب، عادت وسمحت بدخول بعض الإعانات الغذائية والطبّيّة.
فهل فعلا تحاول إسرائيل التهرّب من الاتّهامات التي رصدتها جنوب إفريقيا في دعواها أمام محكمة العدل الدولية بمنعها لدخول المساعدات بإلقاء المسؤولية على مصر أو لأسباب أخرى؟
يعتقد مصدر أكاديمي في إحدى الجامعات المرموقة في الولايات الأميركية المتّحدة فضّل عدم الكشف عن اسمه بأن إسرائيل سمحت بهذا الأمر في محاولة منها للوصول إلى أسراها لدى حماس. أمّا عن الطريقة فهي ممكنة نتيجة ما تم الإعلان عنه في العام 2017، من قبل هيئة الغذاء والدواء الأميركية عن السماح بأوّل كبسولة تتبّع تزرع في حبة الدواء للتأكّد من أنّ المريض قد أخذ حبّة الدواء كما هو مقرّر له.
وفي ضوء الأخبار التي وردت حول قبول إسرائيل أو رغبتها في إرسال الأدوية إلى أسراها في غزّة لدى حركة حماس، يلفت هذا الأكاديمي النّظر إلى فرضية أن تكون أجهزة استخبارات الاحتلال الإسرائيلي قد عمدت إلى استخدام هذه التقنية المتقدّمة من خلال وضع أجهزة التتبّع في حبوب الدواء، وهذا ما قد يفسّر الموقف المفاجئ وما يحاول جيش الاحتلال القيام به من خلال إدخال الأدوية ضمن صفقة جديدة.
ماذا حدث في العام 2017؟
في العام 2017، وافقت إدارة الغذاء والدواء الأميركية على أول دواء في الولايات المتّحدة بنظام تتبّع الابتلاع الرقمي. يحتوي على مستشعر قابل للابتلاع مضمّن في حبوب الدواء Abilify MyCite، يسجّل أن الدواء قد تم تناوله من قبل المريض. وتمّت الموافقة على المنتج لعلاج مرض انفصام الشخصية والعلاج الحاد لنوبات الهوس وتلك المرتبطة بالاضطراب ثنائي القطب من النوع الأول واستخدامه كعلاج إضافي للاكتئاب لدى البالغين.
ويعمل النظام عن طريق إرسال رسالة من مستشعر الحبوب حيث ينقل المعلومات الصحيحة إلى تطبيق الهاتف المحمول، حتى يتمكّن المرضى من تتبّع تناول الدواء على هواتفهم الذكية، مع إمكانية أن يسمح المرضى لمقدّمي الرعاية والطبيب بالوصول إلى المعلومات من خلال بوابة على شبكة الإنترنت.
بيان الإدارة آنذاك أشار إلى أنّ إدارة الغذاء والدواء الأمريكية تشجّع على تطوير واستخدام التكنولوجيا الجديدة في الأدوية الموصوفة، وتلتزم بالعمل مع شركات محدّدة لفهم كيف يمكن للتكنولوجيا أن تفيد المرضى.
وعند إطلاق هذه التقنية الجديدة، تم التركيز على حالات الفصام، هو اضطراب دماغي مزمن وشديد يعاني منه 1 في المئة من الأميركيين إذ تظهر الأعراض لأوّل مرّة لدى البالغين الذين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً. وتشمل أعراض المصابين بالفصام سماع الأصوات والاعتقاد بأنّ الآخرين يقرأون عقولهم أو يتحكّمون بأفكارهم . أمّا في حالات الاضطراب ثنائي القطب، المعروف أيضا باسم مرض الهوس الاكتئابي، هو اضطراب دماغي آخر يسبب تحولّات غير عادية في المزاج والطاقة ومستويات النشاط والقدرة على تنفيذ المهام اليومية، فتشمل أعراضه فترات متناوبة من الاكتئاب والمزاج المرتفع أو العصبي وزيادة النشاط والأرق والأفكار المتسارعة والتحدث بسرعة والسلوك الاندفاعي وانخفاض الحاجة إلى النوم.
حبوب الاستشعار المرضية
الحبوب الرقمية تقنية مبتكرة لأجهزة الأدوية التي تسمح بالجمع بين الأدوية التقليدية ونظام المراقبة لتسجيل البيانات، حول الالتزام بالأدوية وكذلك البيانات الفسيولوجية للمرضى دون تدخّل بشري. مما يسمح بمشاركة المعلومات بين المرضى ومقدمي الرعاية الصحية (HCPs) ومقدمي الرعاية عبر موقع إلكتروني أو تطبيق هاتفي.
وتتوقع أبحاث السوق أن تكنولوجيا الحبوب الذكية ستولّد صناعة عالمية بقيمة 7.5 مليار دولار أميركي في عام 2030. ولا يزال البحث وإيداع براءات الاختراع حول الحبوب الذكية مستمراً، إذ صنّفت دراسة أوروبية نشرت في آب 2022 لتقييم المشهد العالمي لبراءات الاختراع لـ "الحبوب الرقمية المزودة بأجهزة استشعار قابلة للابتلاع" أستراليا ضمن أفضل 5 حائزين على براءات اختراع للحبوب الذكية في جميع أنحاء العالم إلى جانب الولايات المتحدة وكندا والصين.
وكشفت الدراسة نفسها عن براءات اختراع لـ 137 علاجاً رقمياً (توصيل الأدوية) و122 منتجا للعناية الرقمية (عادة المراقبة السريرية المتنقّلة وتشخيص التنظير الداخلي) ، مع 25 منها لديها بالفعل ترخيص تنظيمي و/ أو سوقي في الولايات المتحدة واليابان وأوروبا.
هذا وتشمل براءات الاختراع العلاجية الرقمية الحبوب الذكية لعلاج الأمراض العقلية وفيروس نقص المناعة البشرية / الإيدز وأمراض القلب والأوعية الدموية والسكري وأمراض الجهاز الهضمي والأورام والسل والسيطرة على الألم.
الطب في خدمة الحروب
ترافقت اللقاحات المعترف بها لداء كورونا بمعلومات وأخبار غير رسمية عن القيام بزرع شرائح إلكترونية داخل أجسام النّاس، وإعادة هندسة مزعومة لشيفرتنا الجينية وأخرى تخصّ سلامة اللقاح. لذا يذهب الأكاديمي في تحليله بالقول إلى أنّه ليس من باب الخيال العلمي أو المبالغة الاعتقاد بأنّه خلال السنوات السبع الماضية منذ الإعلان عن حبوب التتبّع قد تم فعلا تطوير نفس أجهزة الاستشعار التي يمكن زرعها أو إخفاءها في حبوب الدواء التي قد تصل إلى الأسرى الإسرائيليين المحتجزين لدى حركة حماس بعدما عجزت كافّة محاولات جيش الاحتلال عن تحديد أماكن احتجازهم بهدف تحريرهم.
يضاف إلى ذلك تقنية التنظير الكبسولي، هو مثال آخر على إمكانية نقل معلومات من داخل جسم الإنسان وإرسالها إلى أيّ جهاز، لذلك، حتّى لو ربطنا فقط هذه القدرات التقنية لهذين المثالين، يمكن بناء حالة لتبرير الشكّ في أن الغرض من صفقة إرسال الأدوية هذه له دوافع أخرى ومحاولة لمعرفة المعلومات التي لم تتمكّن إسرائيل من الحصول عليها بعد أكثر من 100 يوم من الحرب، حيث قد تعمد إلى استغلال التقدّم في المجال الطبّي بهدف تحقيق خرق استخباراتي على الأرض.