إطفاء "حريق" الليرة مع نهاية الفصل الأول من العام 2023، و"تبريد" أرضيّة سعر الصرف بـ دولارات صيرفة، ضمن عدم امتداد النيران للفصل الثاني. فأتت الفترة الممتدّة بين الأول من نيسان ونهاية حزيران أقلّ حماوة، ولو أنّها لم تخل من سخونة تأرجّح لبنان على لوائح مجموعة العمل المالي، ووقوفه "قاب قوسين أو أدنى" من إدراجه على اللائحة الرمادية لتبييض الأموال وتمويل الإرهاب.
نيسان: هدوء الدولار على وقع استمرار صيرفة
إرهاصات الانهيار المستمرّ منذ العام 2019، وتسارع الأحداث في الأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي، استمرّت مع الربع الثاني. والبداية كانت مع نفي حاكم المصرف المركزي رياض سلامة كلّ الإشاعات عن إمكانية توقّف "صيرفة" وجعلها حكراً على الشركات. مؤكّداً في بيان أنّ "العمليّات على المنصّة مستمرّة كالمعتاد ومرتكزة على المادّتين 75 و83 من قانون النقد والتسليف". فشهد هذا الشهر أوسع عملية تبديل ليرات بالدولارات، واستنزاف ما تبقّى من احتياطي عملات أجنبية في مصرف لبنان. فكان يتمّ حمل الليرات إلى المصارف، بالصناديق وأكياس الخيش من أجل تبديلها بالدولار، وتحصيل ربح ريعي سهل وصل إلى حدود 20 في المئة. وعلى وقع هذه العمليات غير المحدودة، تذبذب سعر صرف الدولار، من حدود 107 آلاف ليرة في الأول من نيسان إلى 97 ألفا في نهايته. وحدّد المركزي سعر منصّة صيرفة بـ 86500 ليرة.
على الرّغم من التراجع "الظاهري" في سعر الصّرف مقارنة مع ما وصل إليه في 21 آذار، إلّا أنّه ظلّ مرتفعاً جداً، وبنسبة تفوق 60 في المئة عمّا كان عليه مطلع العام. وقد تبع هذا الصعود الجهنّمي، الارتفاع الموازي في سعر صيرفة التي تسدّد على أساسها رواتب موظّفي القطاع العام من 38 إلى 86 ألف ليرة. الأمر الذي أدّى إلى فقدان رواتب الموظفين أكثر من نصف قيمتها، مكرّساً الإضراب في الإدارات العامّة ومهدّدا بعدم إجراء الامتحانات الرسمية للشهادة المتوسطة الثانوية والمهنية.
أمام هذا الواقع أقرّ مجلس الوزراء في جلسة 18 نيسان سبعة رواتب لموظّفي القطاع العام على مختلف مسمّياتهم الوظيفية. كما جرى رفع بدل النّقل إلى 450 ألف ليرة، إلّا انّ هذه الزيادة الكبيرة سمّيت بالحوافز ولم تدخل في صلب الراتب ولا يمكن احتسابها في تعويضات نهاية الخدمة.
وشهد شهر نيسان احتساب الرسوم على الإشغالات العامّة البحرية بحسب سعر السوق. حيث ظلّت الرسوم على هذه الإشغالات تحتسب بالعملة الوطنية على صرف 1500 ليرة حتّى تاريخه، وبمعدّل يتراوح بين 900 ألف ليرة و3.75 مليون ليرة للمتر المربّع الواحد. وعلى غرار كلّ التّعديلات على سعر الصّرف شهد هذا الاقتراح الكثير من المدّ والجذر ولم يطبّق بالطريقة التي وضع بها.
وكان مسك ختام شهر نيسان إصدار مصرف لبنان التعميم 165. والذي يقضي بتسهيل عمل المصارف في ما يتعلّق بالتّحاويل والمقاصّة الخاصّة بالأموال النقدية الجديدة "الفريش" في الظاهر، ويخفّف من حدّة تعمّق الاقتصاد النّقدي. إلّا انّه حمل من الباطن مخاطر الفصل بين الأموال الجديدة وتلك القديمة. وأثار تساؤلات عن احتمال تضييع الدولارات الطازجة، كما ضاع قبلها أكثر من 140 مليار دولار"، بأعمال المقاصّة.
انتهى نصف العام 2023 على استمرار الشغور الرئاسي والفراغ التشريعي وارتفاع الأسعار وتغييب الإصلاحات
أيار: شهر الضرائب والرسوم
في مطلع أيار بدأت الحكومة استيفاء الضريبة على القيمة المضافة والرسوم الجمركية وسائر الرسوم التي تفرض عند الاستيراد بحسب سعر صرف يُحدّد بقرار مشترك بين وزارة المالية والمصرف المركزي. وجرياً على أمثاله من القرارات الضريبية في ظلّ تعدّد أسعار الصرف، خلق القرار إرباكات كبيرة وصعوبة في التطبيق. خصوصاً على المؤسسات الشرعية، وعلى المواطنين الذين يتحمّلون الكثير من الأكلاف المعيشية. ولعلّ أخطر ما في القرار كان صدوره في الوقت الذي تبلغ فيه نسبة التّهرّب من الضريبة على القيمة المضافة 50 في المئة.
في شهر "الرياحين والأزهار" حقّقت فنادق لبنان "أدنى معدّل إشغال بين جميع الدول العربية"، وفقاً لمسح "إرنست آند يونغ، الشرق الأوسط المعياري للفنادق". حيث وصل معدّل الإشغال في ما كان يعرف سابقا بـ "فندق العرب" إلى 36.2 في المئة بانخفاض عن نسبة العام 2022 البالغة 39 في المئة.
كما تسلّلت في هذا الشهر عدوى الخلافات السياسية والمحسوبيات الحزبية، إلى هيئة الأسواق المالية، وهو ما سيعطّلها نهائيا كما سنرى في أحداث الفصل الأخير من هذا العام لاحقاً.
وشهر أيار شهد إصدار القاضية الفرنسية أود بوروزي، (Aude Buresi)، مذكّرة توقيف دولية بحقّ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. وذلك عقب تغيّب الحاكم عن جلسة الاستجواب التي كان من المقرّر عقدها في باريس منتصف أيار.
وجريا على عادة أترابه من الأشهر لم يفارق أيار اللبنانيين، إلّا مع تصنيف قياسي جديد. حيث حلّ بلدهم الأول عالمياً بمعدّل تضخّم أسعار الغذاء. فوفقاً لتقرير البنك الدولي، تقدّم لبنان على كلّ من زيمبابوي والأرجنتين متبوئا المرتبة الأولى عالميًا من ناحية تضخّم أسعار المواد الغذائية مع تضخّم بنسبة 261 في المئة (بين كانون الأول 2022 وآذار 2023).
حزيران: دولارات المغتربين تحول دون جوع اللبنانيين
أحيا لبنان في شهر حزيران "اليوم العالمي للتحويلات المالية العائلية"، بقلب كبير. كيف لا وهذه التحويلات تشكّل شريان الحياة بالنسبة لآلاف اللبنانيين وتمدّهم سنوياً بحوالي 7 مليارات دولار. ويحتلّ لبنان المركز الثالث عربياً على صعيد حجم التحويلات للدول بعد كلّ من مصر والمغرب، اللتان استقطبتا 31 و12 مليار دولار على التوالي بحسب تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP، الصادر تحت عنوان "الدور المتزايد للتحويلات النّقدية وأهميتها في لبنان".
بالتوازي مع إيجابية التحويلات كان اللبنانيون يخسرون نصف قيمة ودائعهم. حيث تراجع حجم الودائع في القطاع المصرفي لغاية منتصف العام الحالي من 170.5 مليار دولار إلى قرابة 97.7 ملياراً وبنسبة بلغت 42.6 في المئة.
واستمر في حزيران ارتفاع أسعار المواد الغذائية. وذلك على الرغم من الاستقرار النسبي في سعر صرف الدولار ودولرة مختلف أسعار المنتجات ابتداءً من شهر شباط. حيث سجل مع نهاية هذا الشهر ارتفاع أسعار المواد الغذائية في السوبر ماركت بأكثر من 20 في المئة بالدولار.
انتهى نصف العام 2023 على استمرار الشغور الرئاسي والفراغ التشريعي وارتفاع الأسعار وتغييب الإصلاحات، فهل سيكون النصف الثاني أفضل؟