"في حال قدّم لبنان النهج الأمثل لمعالجة تداعيات الانهيار، وهذا مستحيل، لن يخرج البلد من الأزمة قبل خمس سنوات"، بحسب التقرير...

يُستشف من عنوان "موديز" الأخير، استقرار الوضع الاقتصادي. إلّا أنّ التوسع بالتحليل يعيدنا إلى قصة التلميذ "المتفوّق" الذي نال المرتبة الاولى رغم رسوبه، لأنّه الوحيد في الصف. فالتصنيف "C" الائتماني من "موديز" هو الأسوأ على الاطلاق. وهو يوازي تصنيف RD - Restricted defaultالذي حصل عليه لبنان من "فيتش" في آب الماضي، والتصنيف SD - selectively defaulted الذي وضعته "ستاندرد آند بورز" في الشهر نفسه.

التصنيفات هذه جميعها تعني أنّ لبنان لا يزال في مرحلة التخلّف الانتقائي عن السداد العام. أي أنّه قد يتخلّف فقط عن واحد أو جزء من التزامات ديونه، ولم يسقط بعد إلى التصنيف "D" أي التخلّف بالكامل. ولهذا غيّرت "موديز" تصنيفها من "لا نظرة مسقبلية"، إلى مستقرّة. إلّا أنّ هذا لا يدلّ مطلقاً على الاستقرار بالمعنى الإيجابي للكلمة، إنّما على أنّ النظرة المستقبلية للتصنيف الائتماني طويل الأجل بالعملتين الأجنبية والمحلّية لا يزال سلبياً، عند وكالات التصنيف. فهي لا تتوقّع إمكانية إيفاء لبنان بالتزاماته المالية (الديون) بسبب "العقم" عن إجراء الإصلاحات المطلوبة، وحتمية إجراء اقتطاعات كبيرة على الديون "Haircut"، في حال تمّت إعادة جدولة الدينين العام والخاص.

مناقشة الحالة اللبنانية

في الثامن من كانون الأول الحالي، تمّ استدعاء لجنة التصنيف في "موديز" لمناقشة تصنيف حكومة لبنان. وكانت النقاط الرئيسية التي أثيرت خلال المناقشة هي: أنّ الأساسيات الاقتصادية للدّولة، بما في ذلك قوتها الاقتصادية، لم تتغيّر. كما لم يحدث أيّ تطور في ما يتعلق بالحوكمة والقوة المالية والمديونية. وعليه فـ "إنّ قابلية الدّولة لمخاطر الأحداث لم تتغيّر بشكل جوهري"، استنتجت اللجنة. فأعطت الاقتصاد التصنيف "C"، وهو الأدنى. ولم ترجّح أن "يتحرك تصنيف لبنان عن وضعه الحالي قبل إعادة الهيكلة، نظراً لحجم التحّديات الاقتصادية والمالية والاجتماعية، والتوقّع بحدوث خسائر كبيرة للغاية".

التصنيف الأسوأ

تقنياً يعكس التصنيف C تقييم "موديز" بأنّ الخسائر التي يتكبّدها حاملو السندات بسبب تخلّف لبنان المستمرّ عن السداد منذ 16 آذار 2020 من المرجّح أن تتجاوز 65 في المئة. فلبنان غارق في أزمة مثلّثة: اقتصادية ومالية واجتماعية. ويبدو أنّه لا يوجد حكم قوي لمعالجة المؤسسات الضعيفة للغاية". هذا عدا عن أنّ "انهيار العملة في السوق الموازية وما صاحبه من ارتفاع في التضخّم، يؤدّي إلى خلق بيئة غير مستقرّة إلى حد كبير. وفي غياب خطوات رئيسية نحو إصلاح معقول للسياسات الاقتصادية والمالية، فمن غير المرجّح أن يأتي دعم التمويل الخارجي الرسمي المصاحب لإعادة هيكلة الديون الحكومية في المدى القريب".

ما يفهم من التقرير أنّ "الوضع في لبنان تدهور أكثر مما كان عليه سابقاً"، يقول المستشار المالي الدكتور غسان شماس. "فالمستثمرون في سندات الدين الحكومية "يوروبوندز"، سيخسرون 65 في المئة بأحسن الأحوال، وبعد إعادة الهيكلة". وأنّ الاوضاع المؤسساتية تزداد سوءاً لعدم القدرة على انتخاب رئيس للجمهورية، ووجود حكومة تقوم بتصريف الاعمال، وملء الفراغ في العديد من المراكز الأساسية بالتعيينات المؤقّتة غير النهائية. وما يزيد "طين" الانهيار "بلّة"، بحسب الوكالة هو دخول لبنان في الصراع بين إسرائيل وحماس، الأمر الذي يؤدّي جزئياً إلى عكس المكاسب الأخيرة المحقّقة في السياحة ويزيد من فرص تقويض النشاط الاقتصادي". وهذه العوامل مجتمعة دفعت من وجهة نظر شماس إلى "إعطاء الوكالة لبنان تصنيفاً سيئاً، لا يمثّل أي تحسّن كما فهمه البعض". وبرأيه فإنّ "اللغط الذي حصل في قراءة التصنيف يعود إلى اختلاف مقاييس التصنيف المعتمدة من بين وكالات التصنيف الائتماني الثلاثة الأكبر. ولو أتى على سبيل المثال تصنيف لبنان بخانة C مع التوقّع بالاستقرار من قبل "ستانرد آند بورز"، لأمكننا أن نعتبر هذا التطور الإيجابي كبير في الحالة اللبنانية ويبنى عليه. إنّما ان يأتي هذه التصنيف من "موديز" فهو سيئ".

أهمية توقيت التقرير

أهميّة التقرير الأخير لـ "موديز" لا تنحصر بتأكيد المؤكّد بأنّ لبنان لا يزال غارقاً بالانهيار من "أخمص قدميه حتى أذنيه" فحسب، إنّما بـ"التوقيت الذي اتى فيه، أيضاً"، من وجهة نظر شماس. "ففي وقت دفع فيه التثبيت المصطنع لسعر الصّرف إلى إراحة العامة، وعودة تصاعد "بخار"، "الأعمال كالمعتاد"، إلى رؤوس المصرفيين، واحتدام الصراع على توزيع الخسائر.. أتى التقرير ليصبّ دلو ماء بارد على ظهر الجميع ويقول: أنّ الأوضاع المالية والنقدية والاقتصادية ذاهبة إلى أبعد من المجهول، ذاهبة إلى الجحيم". وهذا الرأي المقدّم من "حكمٍ" محايد غير مدفوع له مقابل خدماته واستشاراته، "يجب الوقوف عنده"، برأي شماس".

"في حال قدّم لبنان النهج الأمثل لمعالجة تداعيات الانهيار، وهذا مستحيل، لن يخرج البلد من الأزمة قبل خمس سنوات"، بحسب التقرير. "فكيف إذا كان كلّ ما يجري اليوم ترقيعاً بترقيع؟!"، يسأل شماس، فنظرة المستثمر من الخارج، ما زالت سوداء. وذلك على الرّغم من اعتقاد كثر أنّ الأوضاع تتحسّن بالاستناد إلى توقّف استنزاف الاحتياطي وتحويله إلى موجب في الأشهر الأربعة الماضية. وعلى هذه النظرة تبنى مواقف صندوق النقد الدولي والجهات الخارجية من صناديق وممولين ومانحين.