تكهنات مستمرة حول ما يحصل في قاعدة حامات والتدريبات؟ والمعارضة تخشى أن يفقد عون فرصته الرئاسية

فوق صفيح ساخن، تمضي الساعات القتالية جنوباً وبتفوّق يُحسب للمقاومة، التي تبدو وكأنّها نجحت في فكّ الشيفرة الإسرائيلية، والتي تقوم على مبدأ توجيه الضربات العسكرية ميداناً بطريقة متتالية ومتواصلة والردّ يقتصر على التهديد والوعيد، إلى حدّ دفع بالداخل الإسرائيلي إلى إثارة الكثير من التساؤلات حول أداء جيشه على الجبهة مع لبنان، لتأتي تصريحات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وتزيد الدلائل دليلاً على الإفلاس الاسرائيلي بعد 40 يوماً على الصفعة الكبرى (عملية طوفان الأقصى) ونحو أسبوعين على بدء التوغل البرّي في غزة الذي أوجع اسرائيل، حيث تكبّدت أكثر من 22 آلية قتال خلال 48 ساعة فقط.

وأعلن الجيش الإسرائيلي مقتل جنديين وإصابة 4 آخرين، ممّا رفع عدد قتلاه منذ بدء العملية البرية إلى 47 قتيلاً، فيما أعلنت حماس مقتل 9 جنود إسرائيليين في كافّة محاور التوغل بقطاع غزة، ما يشي بأنّ القدرة القتالية لحماس لم تتقلّص رغم شراسة القصف الاسرائيلي المتواصل على قطاع غزة والتي لم تنجح سوى بتحويل مستشفيات القطاع إلى مقابر جماعية تُعدم فيها الأطفال بطرق شتّى على مرأى ومسمع العالم بأسره، حيث أظهر تحقيق أجرته صحيفة "نيويورك تايمز" أنّ قذيفة من الجيش الإسرائيلي سقطت على مبنى قسم الولادة في مجمع الشفاء الطبي مؤكَّدةً أنّ ادعاء الجيش الإسرائيلي بأن الفصائل الفلسطينية أسقطت قذيفة بالخطأ على المبنى غير صحيح.

وبدوره، أعلن المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة أمس الثلاثاء، عن ارتفاع عدد شهداء العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة إلى 11 ألفاً و320 شهيداً، أكثر من 70 بالمئة منهم من الأطفال والنساء.

من جهته، حذَّر نتنياهو الولايات المتحدة  وأوروبا بأنهما سيكونان التاليين، إذ لم ينجح بالقضاء على حماس، قائلاً: "إننّا بحاجة إلى النصر ليس فقط من أجل أنفسنا، ولكن من أجل الشرق الأوسط ومن أجل جيراننا العرب ومن أجل سكان غزة الذين وقعوا في قبضة هذا الطغيان الأسود الذي كان قاسياً عليهم ولم يجلب لهم سوى سفك الدماء والفقر والبؤس. نحن بحاجة للفوز لحماية إسرائيل والشرق الأوسط".

ولفت في تصريح آخر إلى آنّ الجبهة على الحدود مع لبنان، تشهد تبادلاً كثيفاً للضربات وأنّه أصدر تعليماته للجيش الإسرائيلي بالاستعداد لأي سيناريو محتمل في حال التصعيد مع "حزب الله" على الحدود، مشيراً إلى أن "هدفنا أولا وقبل كل شيء، هو الانتصار الكامل على حماس في غزة وعودة مختطفينا، وبعدها سنتعامل مع الشمال".

ياتي ذلك كله بالتزامن مع الحديث عن الاقتراب من اتمام صفقة تبادل للاسرى بين اسرائيل من جهة وحماس من جهة أخرى خلال الساعات الـ48 المقبلة، تتخللها هدنة لأيام حتى تتمكن حماس من إدخال بعض المساعدات والوقود الى مستشفيات غزة. 

وفي حصيلة الأمس جنوباً، استهلت المقاومة عملياتها باستهداف نقطة تحشيد لجنود اسرائيليين قرب موقع المرج، ثم موقع بركة ريشا وأماكن التجمع العسكري المحيطة به بالأسلحة الصاروخية، بالاضافة الى موقع ‏رويسات العلم في مزارع شبعا اللبنانية المحتلة بالأسلحة المناسبة وحققت فيها إصابات مباشرة وفق البيانات الصادرة عن العلاقات الاعلامية في حزب الله. 

في المقابل، قصف الجيش الاسرائيلي بعشرات القذائف المدفعية وشنَّ غارات جوية على أطراف البلدات الحدودية المتاخمة على طول الحدود الجنوبية (طيرحرفا، عيتا الشعب، الجبَين، شيحين، الناقورة، مركبا، رب تلاتين، رميش، شيحين، البستان وعيترون).

لبنان مُقبل على واقع جديد سينعكس على كلّ استحقاقاته الداخلية 

وفي هذه الأثناء فإنّ الواقع الذي تعانيه إسرائيل في غزّة هو كذلك الذي تعيشه على حدودها مع لبنان حيث الهجمات التي يشنّها حزب الله على مواقعها على طول جبهة تبلغ 106 كيلومترات من رأس الناقورة صعوداً إلى مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، حيث دخلت في حرب استنزاف بدأت نتائجها السلبية تنعكس عليها في كلّ المستويات، فهي تهدّد ولكنّها لا تستطيع الاندفاع إلى حرب مفتوحة أوّلاً لعجزها عن ذلك، وثانياً لأنّها تعرف أنّ هذه الحرب إذا اندلعت على جبهات عدّة لن يكون في مقدورها الانتصار فيها خصوصاً بعد تبدّل الموقف الدولي ضدّها، وهو ما كانت تعوّل عليه لسحق "حماس" في غزّة، ومن ثم التفرّغ لحزب الله والمحور الذي ينتمي إليه، علماً أنّ الولايات المتحدة التي دعمت إسرائيل للقضاء على حماس بدأت تراجع حساباتها، خصوصاً بعد العمليات التي تشنها فصائل المقاومة ضدّ قواعدها في سوريا والعراق، فضلاً عن العمليات التي تشنّها حركة "أنصار الله" اليمنية ضد الأسطول الأميركي في البحر الأحمر، بالإضافة إلى قصف إيلات وتل أبيب بالصواريخ البالستية والمسيّرات.

وعلى رغم من أنّ جبهة لبنان لم تهدأ منذ الثامن من تشرين الأول غداة "يوم الطوفان" فإنّ هذا البلد مُقبل سواء استمرّت الحرب أو توسّعت أو توقّفت، على واقع جديد سينعكس على كلّ استحقاقاته الداخلية الدستورية منها أو الإدارية. فـ"الكلمة هي للميدان" كما أعلن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في مناسبة "يوم الشهيد" الأسبوع الماضي، مبقياً الباب مفتوحاً على كلّ الاحتمالات بين استمرار عمليات المقاومة ضد إسرائيل بوتيرتها الراهنة أو تدحرجها إلى مواجهة كبرى، لا يخفي المسؤولون الإسرائيليون رغبتهم بخوضها مستغلّين الدعم الدولي الذي يتلقّونه في حربهم ضد غزة، لكن تل ابيب وحسب موقع "أكسيوس" الأميركي تلقّت من الإدارة الأميركية تحذيرات بعدم شنّ حرب على لبنان غير محسوبة العواقب.

في السياق نفسه، حذر رئيس مجلس النواب نبيه بري خلال استقباله أمس القائد العام لقوة اليونيفيل العاملة في جنوب لبنان الجنرال آرولدو لاثارو من "تمادي العدو الإسرائيلي في تصعيد عدوانيته مستهدفاً تكراراً المدنيين والإعلاميين والمسعفين، متجاوزاً في إعتداءاته عمق الجنوب اللبناني فضلاً عن تهديداته للعاصمة اللبنانية بيروت، مما يزيد من مخاطر توسع نيران الحرب الإسرائيلية في المنطقة خلافاً للمواقف الدولية والعربية الداعية إلى الإلتزام بالشرعية الدولية المتمثل بالقرار الأممي 1701 وقواعد الإشتباك".

وقد اثنى الرئيس بري على الجهود التي تبذلها القوة الدولية العاملة في الجنوب في هذا الإطار.


تكهنات مستمرة حول ما يحصل في قاعدة حامات والتدريبات؟

غير أنّ ما يشغل اللبنانيين منذ أيّام هو ما شاع عن كثافة هبوط طائرات شحن عسكرية أميركية ليلاً في مطار حامات البترونية، بمعدّل 25 طائرة كلّ ليلة، وربط البعض هذا الأمر بوجود حاملات الطائرات والمدمّرات والبوراج الأميركية التي استقدمتها واشنطن إلى شرق البحر الأبيض المتوسط دعماً لإسرائيل في حربها ضد حماس، وقيل الكثير حول ما تحمله هذه الطائرات وربطه البعض بخطط عسكرية ما تعدّها واشنطن، خصوصاً وأنّها توجّه تحذيرات لحزب الله من التدخّل في حرب مفتوحة ضدّ إسرائيل في موازاة حرب غزة. وزاد في الأمر تحطّم طائرة عسكرية أميركية في شرق البحر المتوسط لتعلن واشنطن لاحقاً أنّ هذه الطائرة "كانت في مهمّة تدريبية على إجلاء الرعايا الأميركيين في المنطقة". فيما لم تعلن العاصمة الأميركية أيّ شيء عن هبوط طائراتها العسكرية في حامات، أعلنت مديرية التوجيه في قيادة الجيش أنّ الامر يتعلّق بطلعات ليلية لتدريب طيارين من القوة الجوية اللبنانية. وكذلك بسبب توقف إجراء هذه التدريبات في قاعدتي بيروت ورياق بسبب الأوضاع السائدة في الجنوب على حدّ قول أحد الضبّاط الطيارين المتقاعدين. لكن كل ذلك لم يوقف سيل التساؤلات والتكهّنات المستمرّ حول هذا الأمر، نسبة إلى توقيته وحصوله في ظلّ الوجود العسكري الأميركي في البحر المتوسط.

المعارضة تخشى أن يفقد عون فرصته الرئاسية 

وعلى رغم من المخاطر التي يمكن أن تنجم من توسّع رقعة المواجهات على الجبهة الجنوبية، فإنّ القوى السياسية المنقسمة في الموقف حيال حرب غزة وطريقة تعاطي المقاومة معها من إشغال لإسرائيل بغية تخفيف الضغط عن غزة ومنعها من تنفيذ تهديدها بتوجيه ضربة لحزب الله ولبنان، فإنّ فريقاً من السياسيين ينبري إلى إعادة فتح ملفّ الاستحقاق الرئاسي المرمي جانباً منذ "الطوفان"، على قاعدة تفضيل الأهم على المهم، وذلك من بوابة افتعال اشكال يتعلق بموضوع تمديد ولاية قائد الجيش العماد جوزف عون التي تنتهي في 10 كانون الثاني المقبل من عدمه، وفي هذا السياق سارع "نواب المعارضة" إلى اللقاء مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي فور عودته من قمّة الرياض، مطالبين بالتمديد لعون وذلك في مواجهة رافضيه وعلى رأسهم رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل.

ويبدو أن نواب المعارضة أرادوا من هذا الموقف الذي حظي بدعم البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي المؤيّد التمديد لعون والمستغرب للمواقف التي ترفضه له في ظلّ الظروف الراهنة، أراد النواب أن يؤكّدوا مباشرة أو مداورة أنّهم يدعمون ترشيح عون لرئاسة الجمهورية في مواجهة ترشيح رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية الذي يدعمه "الثنائي الشيعي" وحلفاؤه حتّى النهاية، فيما ما زال باسيل يعارضه حتّى الآن.

لكن هذا التصرف، يقول أحد النواب، يدلّ إلى أنّ الانقسام حول الاستحقاق الرئاسي ما زال قائماً بشقّيه الداخلي والخارجي، فالمعارضة التي تخلّت عن ترشيح النائب ميشال معوض والوزير السابق جهاد ازعور، تتمسّك على ما يبدو بترشيح عون الذي لم يعلن أصلاً ترشيحه بعد، ولكنها تخشى لهذا الترشيح أن يفقد فرصه في حال خروج صاحبه من قيادة الجيش عند نهاية ولايته بعد أقل شهرين، لذلك بدأت تطالب بالتمديد له لأنّها تخشى من أن تأتي نتائج التطورات الإقليمية في مصلحة حظوظ فرنجية دون سواه.