المعارك السياسية الداخلية بين التمديد والرئاسة مستمرة

نحو تطور لافت ونوعي أدخلت المقاومة في لبنان المواجهة مع إسرائيل فصلاً جديداً من فصول الاشتباك جنوباً، وحيث كانت العيون مدعوّة لمراقبة الميدان كما أعلن أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله مساء السبت الفائت، كانت الخسائر الإسرئيلية أمس الأحد أكثر فداحة، في حين لم تنجح أكثر من 50 دولة شاركت في القمة العربية - الاسلامية المزدوجة، بخرق الحصار ورفع سطوة آلة القتل الإسرائيلية عن غزة وأطفالها وما تبقّى من مستشفياتها، لتخرج ببيان ختامي لا يتعدّى حدود الشجب والاستنكار والرفض. 

ومن الميدان جنوباً، استهدفت المقاومة قوة لوجستية تابعة للجيش الإسرائيلي كانت في صدد نصب أعمدة إرسال وأجهزة تنصت وتجسّس في تجمّع مُستحدث قرب ثكنة "دوفيف" وأوقعوا فيها إصابات مؤكّدة بين قتيلٍ وجريح، وقد بدت المشاهد أكثر تعبيراً عن حجم الضربة رغم تذرّع العدو بأن ما تم استهدافه "مدنيين" إلّا أنّ المستوطنة فارغة من المدنيين بقرار منع من السلطات الإسرائيلية منذ أسابيع وكانت صور واضحة لتناثر العتاد العسكري الإسرائيلي على طول الطريق الذي استهدفت القوة عليه، ثم استهدفت جرافةً إسرائيلية قرب ثكنة دوفيف بالصواريخ الموجهة مما أدى إلى تدميرها ‏ومقتل طاقمها ووقوع عددٍ من الإصابات المؤكدة بين الجنود المتواجدين حولها بين قتيلٍ وجريح.‏

وبعد ساعتين اثنتين تقريباً استهدف عناصر حزب الله تجمّعاً لأفراد ‏إسرائيليين في مثلث الطيحات رويسة العاصي بالأسلحة المناسبة وحقّقوا فيه إصابات ‏مؤكّدة، فيما استهدفوا لاحقاً ثكنة زرعيت ‏بقذائف المدفعية وحقّقوا فيها إصابات مباشرة.

وبدورها، تبنّت كتائب القسام-لبنان صليتين من الصواريخ نحو شمال حيفا و"شلومي" و"نهاريا" ردّاً على مجازر الاحتلال وعدوانه على قطاع غزة.

في المقابل، قصف الجيش الاسرائيلي محيط منطقة "الحمامص"، قرب مستعمرة "المطلة" في القطاع الشرقي من جنوب لبنان، أطراف علما الشعب، أحراج "اللبونة" جنوبي الناقورة، محيط بلدة حولا، أطراف بلدة راميا، الاحراج غربي مرجعيون والقليعة، أطراف بلدة عيتا الشعب، الطريق القديم بين بلدة القليعة والمحمودية، أطراف بلدة يارون، محيط موقع العباد الإسرائيلي عند حدود بلدة حولا، بلدة ميس الجبل، أطراف بليدا،  منطقة "رباع التبن" في مرتفعات حلتا وكفرشوبا، "تلّ النحاس" شمال بلدة كفركلا، اطراف بيت ليف، واطراف بلدتي شيحين وام التوت، نتج منها استشهاد مقاومين اثنين هما حسين علي حرب وجواد حسام البزال، كما أصيب مواطنين اثنين بجروح في بلدة يارون بإستهداف مباشر للمنزل.

تغير في السلوك العسكري الاسرائيلي في غزة

ومن جهتها، اعترفت وسائل إعلام عبرية بإصابة 7 جنود في منطقة "المنارة" (مثلث الطيحات) وإصابة 10 إسرائيليين في "دوفيف"، بالتزامن مع تكثيف الجيش الاسرائيلي عدوانه على المستشفيات حيث قصفت المقاتلات مستشفى للولادة ما أدى الى استشهاد طبيبين اثنين، فيما أطلقت طائرات مسيرة النار على مجمع الشفاء الطبي، وخلّفت غارات جديدة على أحياء سكنية شمال وجنوب القطاع أكثر من 20 شهيداً لترتفع الحصيلة إلى أكثر من 11 الفاً غالبيتهم من النساء والأطفال منذ بدء العدوان على غزة.

وميدانياً في غزة، تشتد المعارك ضراوة بين حماس والجيش الإسرائيلي، وبينما ترصد الوقائع الميدانية تغيراً في السلوك العسكري الميداني عبر تقليص عدد الآليات العسكرية والدبابات المشاركة في عملية التوغل البري، توثّق حماس العديد من مقاطع الفيديو لعملياتها القتالية وترفع حصيلتها إلى الـ160 آلية عسكرية دُمّرت جزئياً أو كلياً من قِبل حماس، وفق ما أعلن الناطق العسكري باسمها أبو عبيدة، السبت الفائت.

بدوره، نقل المتحدث العسكري الإسرائيلي دانيال هاغاري، عن رئيس الأركان الاسرائيلي تأكيده استمرار العملية في غزة حتّى تحقيق أهدافها، قائلاً: "قواتنا تدمّر الأنفاق ومنصات الصواريخ في غزة، واعتقلنا 20 مخربا في غزة وأحضرناهم إلى إسرائيل للتحقيق".

وأضاف هاغاري: "نواصل ضرب أهداف لحزب الله والمساس بالمدنيين الإسرائيليين في دوفيف أمر خطير"، محملاً الحكومة اللبنانية واللبنانيين مسؤولية ما اسماه أفعال حزب الله.

وأشار أن لدى الجيش الإسرائيلي خطة للتعامل مع الأوضاع على الحدود مع لبنان، معتبراً أن "حزب الله يدفع أثمانا باهظة مقابل كل هجوم ضدنا".


داخلياً معركة التمديد والرئاسة مستمرة

وإلى أروقة الميدان السياسي اللبناني الضّيقة، المعارك بعناوينها على حالها، فبينما يرفض البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، ربط رئاسة الجمهورية بشخص معين، يُعلل رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل أسباب رفضه التمديد لقائد الجيش العماد جوزيف عون الذي تنتهي ولايته مطلع السنة المقبلة.

إذ جدد الراعي في عظة قداس الأحد دعوة المجلس النيابي القيام بواجبه الدستوري والالتزام بدورات متتالية لانتخاب رئيس للجمهورية قبل القيام بأيّ شيء آخر مشيراً إلى أنّ المرشحين متوفرين وكلهم اكفاء. أعلن رفضه رهن انتخاب الرئيس بشخص معين أو فئة أو حزب أو مشروع ، والبقاء من دون رئيس فيما أوصال الدولة تتفكّك والمؤسسات الدستورية والعامة تتهاوى والشعب يفتقر ويتسول وقوانا الحية تهاجر إلى أوطان اخرى بديلة والدستور ينتهك كل يوم.

كذلك، جدد الراعي ادانته وشجبه لحرب الابادة والوحشية في غزة وقصف الكنائس والمستشفيات والجوامع والمدارس وقتل الاطفال معلنا أنّ الحل الوحيد على المدى القريب والبعيد قيام الدولتين، مطالباً المجتمع الدولي بوقف هذه الحرب بشكل فوري ودائم والبدء بمفاوضات الحل السياسي.

وتبنى الراعي مضمون قمة الرياض آملاً ان تعمل الدول العربية والاسلامية على تنفيذ بنوده فيكون حكامها صانعي سلام بشجاعة وملتزمين بقرار المبادرة العربية للسلام التي تم اعلانها في قمة بيروت سنة 2002 والتي تبنت حلّ الدولتين كمدخل للسلام والاستقرار في الشرق الاوسط.

في غضون ذلك، أكد باسيل، في تصريح عبر منصة اكس، أنّ "كل تمديد بالوظيفة العامة هو ضرب للقانون وللدولة، لذلك موقفنا ثابت ومبدئي برفضه بغضّ النظر عن الاشخاص، ومارسناه ضد أنفسنا ولوحدنا عندما رفضنا مرتين التمديد لمجلس النواب، رفضناه مع العماد جان قهوجي سنة 2014 ومع أقرب الاشخاص الينا اللواء عباس ابراهيم سنة 2022 ومع العميد مروان سليلاتي سنة 2023 ومع رياض سلامة، لذلك نرفضه اليوم مع قائد الجيش العماد جوزاف عون".

وقال: "تعديل القانون للتمديد لشخص واحد هو غير شرعي ومعرض لإبطاله أمام المجلس الدستوري، لأنه يخالف مبدأ بديهي وهو شمولية التشريع. وهو ليس من ضمن تشريع الضرورة ويضرب هيكلية المؤسسة ويظلم الضباط في حقوقهم. ونقول لمن أظهر حرصه على المؤسسة، كذب أن الجيش ينقسم اذا لم يحصل التمديد، ولن تتوقف المساعدات لانها للمؤسسة وليست للشخص، ولا فراغ في المؤسسات الامنية، هناك حلول كثيرة قانونية موقتة ومتوفرة:

أولاً وأحسنها ان يتولى الضابط الاعلى رتبة، وهو مسيحي، لمن استفاق على حقوق المسيحيين، هكذا هو القانون وهكذا مبدأ الامرة في العسكر، وهكذا حصل في الامن العام وقيادة الدرك وغيرها.

ثانيا: التكليف كما يحصل في كل مؤسسات وادارات الدولة، ولانهم حريصون على الجيش، يتم التكليف بالتوافق على الاسم.

ثالثا: تعيين القائد مع المجلس العسكري من خلال مراسيم جوالة موقعة من 24 وزيرا يقترحها وزير الدفاع بالتوافق، وكل ما يقال اني طرحت فكرة اخرى او قمت بصفقات كذب".

وفي السياق نفسه، إستقبل رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي وفدا من نواب المعارضة في دارته، ضم النواب: سامي الجميل، غسان حاصبني، بلال حشيمي، اشرف ريفي، مارك ضو، وضاح صادق وميشال معوض.

وقال الجميّل بعد اللقاء: "أتينا كنواب معارضين في المجلس النيابي لنبلغ باسمنا جميعا رسالة واضحة الى دولة رئيس الحكومة، تتعلق بالخطر الداهم على مؤسسة الجيش، ولنقترح على دولة الرئيس اتخاذ قرار سريع في الحكومة لتأجيل تسريح قائد الجيش لمدة سنة، حفاظا على هيبة الجيش، وعلى هيبة القيادة، وعلى هذه المؤسسة التي تحوز على إجماع اللبنانيين. فجميع اللبنانيين اليوم بكل طوائفهم وانتماءاتهم يؤمنون بهذه المؤسسة، ومن واجباتنا جميعا المحافظة عليها. وأي خيار خارج هذا الخيار يكون غير دستوري وغير قانوني". 

وفي وقت سابق، أعلن ميقاتي، في حديث لقناة "الجزيرة"، أن "حزب الله يتصرف بوطنية عالية وأنا مطمئن على عقلانيته، وما يهمني أن يبقى لبنان بعيداً من الحرب ونتطلع دائما إلى الاستقرار"، قائلاً: "لسنا هواة حرب ولن نقوم بأي خطوة لإشعال مزيد من الحروب في المنطقة".

وشدد على أن "لبنان يتمسك بالشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة ويؤكد عليها"، لافتاً إلى أن "الحذر موجود ونأمل أن تؤدي الاتصالات إلى التزام إسرائيل بوقف إطلاق النار في جنوب لبنان".

وجدد ميقاتي مطالبته بوقف إطلاق النار في غزة بأسرع وقت ممكن، موضحاً أن نتائج القمة العربية الإسلامية أفضل بكثير مما كان يتوقع، أملاً ألا تبقى قراراتها حبراً على ورق.