في زيارة خاطفة وسريعة حطّت طائرة كبير المستشارين الأميركيين آموس هوكشتاين في بيروت بعد ظهر أمس، فاستهل جولته برفقة السفيرة الأميركية دوروثي شيا من عين التينة، حيث التقى رئيس مجلس النواب نبيه بري ومن ثم توجه إلى السراي الحكومي حيث عقد اجتماعاً مع رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي بحضور وزير الخارجية والمغتربين عبدالله بو حبيب، وبعدها زار كلّاً من نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب والمدير العام للأمن العام السابق اللواء عباس إبراهيم وقائد الجيش العماد جوزيف عون. 

في الظاهر ووفق ما تمّ الإعلان عنه فقد تم عرض الأوضاع العامّة والمستجدّات السياسية والميدانية على ضوء تصاعد العدوان الاسرائيلي على لبنان وقطاع غزة.

وبعد اللقاء تحدث هوكشتاين من عين التينة، قائلاً: "حضرت إلى لبنان اليوم لأنّ الولايات المتحدة الاميركية تهتمّ كثيراً بلبنان وشعبه وخصوصاً في هذه الأيام الصعبة". وأضاف: "نقدم تعازينا للضحايا المدنيين، وكان لي حوار جيد مع دولة رئيس مجلس النواب، وإستمعت الى وجهة نظره حيال ما يجري، كما أطلعته على ما تقوم به الولايات المتحدة الاميركية التي لا تريد لما يحصل في غزة أن يتصاعد، ولا تريد له أن يتمدّد إلى لبنان".

وختم: "المحافظة على الهدوء على الحدود الجنوبية اللبنانية هو على درجة عالية من الاهمية بالنسبة لواشنطن، وكذلك يجب أن يكون بالنّسبة للبنان وإسرائيل، وهذا ما ينص عليه القرار الأممي 1701، ولهذا صمم".

كذلك، أبلغ هوكشتاين ميقاتي، أنّه يزور لبنان موفداً من الرئيس الأميركي جو بايدن لبحث الوضع في جنوب لبنان وأنّه لمس من خلال محادثاته أنّ لبنان واسرائيل لا يرغبان بتصعيد الوضع، فيما تحدّث من السراي الحكومي، قائلاً: "ندعو جميع الاطراف إلى احترام القرار الأممي 1701 وتنفيذه كاملاً"، وأضاف: "نعمل لهدنة إنسانية في غزة قبل الانتقال إلى الحلول الأخرى".

هوكشتاين استوضح ما قصده نصرالله في كلمته الأخيرة

أما ما دار في كواليس زيارة الموفد الأميركي فهو استيضاح ما قصده أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله في كلمته الأخيرة عندما أتى على ذكر بأنّ الجبهة مفتوحة على كلّ الإحتمالات، ومدى جدّية طرح الحزب في خوض غمار حرب مفتوحة، مشدّداً على "أنّ إدارة بايدن لا ترغب بذلك، بل تحرص على عدم توسع الحرب والعودة إلى التزام كلّ من لبنان وإسرائيل بمندرجات القرار 1701".

وبدورها، أكّدت مصادر مطلعة على زيارة هوكشتاين لـ"الصفا نيوز"، أنّ الرد من الجانب اللبناني جاء موحداً لجهة أن على واشنطن أن تعمل على ألّا تقدم إسرائيل على أفعال تخرق قواعد الاشتباك. حيث جرى خلال اللقاءات مع الموفد الأميركي استعراض ما أقدم ويقدم عليه العدو الاسرائيلي من إعتداءات منذ الـ8 من تشرين الأول وصولاً إلى استهداف مدنيين ليل الأحد الفائت. 

كذلك، أشارت المصادر نفسها إلى أنّ الجانب اللبناني ربط ما يحصل على الحدود الجنوبية بهمجية العدو وامعانه في استهداف المدنيين والأطفال في غزة، مشدّدة على أنّ أيّ اتفاق على وقف لإطلاق النار في غزة سينسحب هدوءاً على الجبهة الجنوبية. 

الجبهة على وتيرتها المتصاعدة

ميدانياً، الجبهة على وتيرتها المتصاعدة يوماً بعد يوم، تتوسّع دائرة الاشتباك جنوباً مع اسرائيل، إذ استهدفت المقاومة مرابض الجيش الاسرائيلي في الجولان السوري المحتلّ بالصواريخ رداً على استهداف أحدى نقاط المقاومة في اقليم التفاح ليل أمس الأول الإثنين، لتردّ اسرائيل بعدها باستهداف دير ميماس في القطاع الشرقي ومنطقة مفتوحة بين الأحمدية والدلافة، فضلاً عن تنفيذ طيرانه المسير غارة في محيط حقل الرماية التابع للجيش اللبناني في منطقة رأس الناقورة واطلاق القذائف المدفعية الثقيلة على احراج اللبونة جنوبي الناقورة. 

ما أشبه اليوم اسرائيلياً بالبارحة سوريّاً؟

في الداخل اللبناني، وفي ضوء كلّ ما يجري فيه وحوله، يظهر أنّ الانقسام السياسي ما زال على غاربه، ولم يخفه "التعاطف" وبعضه لفظي، مع المقاومة في الجنوب وغزّة، فهناك من يعارض الحرب بشدّة ويُعّبر عن ذلك بالدّعوة إلى تحييد لبنان عنها، فيما هناك من يتحسس المخاطر التي يمكن أن تتأتّى على لبنان في اليوم التّالي لانتهاء حرب غزّة، وحتّى في أثنائها خلال هذه المرحلة. وفي هذا السياق يقول البعض أنّ تدخّل حزب الله في الحرب تضامناً مع المقاومة الفلسطينية في غزّة عبر إشغال إسرائيل على جبهة الجنوب، يشبه إلى حد كبير تدخّله في الحرب السورية الذي منع الجماعات المتطرّفة من التمدّد إلى لبنان عبر حدوده الشّرقية والشمالية لو تسنّى لها إسقاط النّظام السوري يومها. والآن فإنّ العمليّات العسكرية التي يخوضها حزب الله في الجنوب هدفها منع أي تمدّد إسرائيلي باتّجاه لبنان  في حال انهزام "حماس" وأخواتها في غزّة. فما أشبه اليوم إسرائيلياً بالبارحة سورياً.

وعلى مستوى الاستحقاقات الداخلية اللبنانية ووجوب انتخاب رئيس جمهورية جديد وتكوين سلطة جديدة تحت وطأة خطورة الوضع جنوباً، ما تزال المواقف خجولة من جهة ومتباعدة من جهة أخرى، فالبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي العائد من الخارج حرّك هذه الاستحقاقات من بوابة استغرابه للحملة القائمة ضدّ تمديد ولاية قائد الجيش العماد جوزف عون التي تنتهي في 10 كانون الثاني المقبل، ولكن ما يدور في المطابخ السياسية يدفع في اتجاه أحد أمرين: إمّا تعيين قائد جديد للجيش أو تعيين رئيس للأركان يتولّى قيادة المؤسسة العسكرية.

أمّا الموقف الرسمي من كلّ ما يجري فإنّه يتماهى مع ما يقوم به حزب الله في الجنوب متضامناً مع غزّة، ولكنّه في الوقت نفسه ينادي بعدم توسيع دائرة الحرب.

قمة طارئة الأحد المقبل في الرياض

في السياق، أعلنت منظمة التعاون الإسلامي عقد قمة طارئة الأحد المقبل في العاصمة السعودية الرياض لبحث "العدوان الإسرائيلي الغاشم على الشعب الفلسطيني"، من دون تقديم المزيد من التفاصيل.