بحسب تقرير صادر في تشرين الثاني 2017، عن معهد ستوكهولم لبحوث السلام الدولية، فإنّ سباق إنتاج الأسلحة الذكية أضحى مركز اهتمام رئيسي لجميع شركات إنتاج الأسلحة
لم تعد الدول تستخدم في حروبها الأسلحة والأساليب التقليديّة فقط، فمع ظهور الثورة التكنولوجية في بداية التسعينات، برز نوع جديد من التسلّح عرف بسباق إنتاج الأسلحة الذكية التكنولوجية، ينتج عنه نوع من الحروب الحديثة وتسمّى الحروب اللامتماثلة، أو اللامتناظرة أو ببساطة الحروب التكنولوجيّة. ما يعني أنّ ساحات المعارك في المستقبل ستتغيّر كثيراً عمّا هي عليه الآن، خاصّة عند تطبيق الذكاء الاصطناعي على أسلحة الحرب. ما يحتّم الاستعداد لهذا النوع من الحروب بامتلاك أدوات الدفاع والردع.
وبحسب تقرير صادر في تشرين الثاني 2017، عن معهد ستوكهولم لبحوث السلام الدولية، فإنّ سباق إنتاج الأسلحة الذكية أضحى مركز اهتمام رئيسي لجميع شركات إنتاج الأسلحة. ولعلّ هذا هو السبب وراء زيادة ميزانية وكالة مشاريع البحوث المتقدمة الأميركية (داربا) المعنية بتطوير أجيال جديدة من الأسلحة والتي قفزت ميزانيتها بمقدار 27 في المئة في عام 2018.
أدوات التكنولوجيا العسكرية
ومن أدوات التكنولوجيا العسكرية نذكر:
تكنولوجيا أنترنت الأشياء العسكرية (IoMT): وهي عبارة عن مجموعات من الأجهزة المتصلة بشكل غير متجانس تستخدم في الحروب المستقبلية. لها تطبيقات واسعة في العمليات القتالية المتقدّمة والحرب الاستخبارية. على سبيل المثال: تسمح بالاتصال في الوقت الفعلي بين المركبات غير المأهولة ومحطة القيادة المركزية.
ودمجت غالبية الوحدات العسكرية المتقدّمة إنترنت الأشياء في عمليّاتها الميدانية لتعزيز استراتيجيات المراقبة والاستجابة. يقدّم هذا المفهوم خيارات استراتيجية متعدّدة للجيوش. على سبيل المثال: يمكن لنشر أجهزة استشعار متعددة عبر مختلف المجالات (الجوية والبرية والبحرية والفضائية والإلكترونية) أن تدعم البيانات، وسيؤدي هذا في النهاية إلى تسريع المراقبة والتوجيه والقرار والتصرف لاتخاذ القرار والمساعدة في التخطيط والتنفيذ الفوري والدقيق في الحرب المستقبلية.
تكنولوجيا الروبوتات المقاتلة: بكلّ أشكالها الزاحفة والسابحة والطائرة. حيث أكّد مقال لصحيفة غارديان في العام 2017، أنّه تم نشر ما لا يقل عن 381 من أنظمة الروبوتات والأجهزة العسكرية المستقلّة جزئياً أو قيد التطوير في 12 دولة. بما في ذلك الصين وفرنسا وإسرائيل والمملكة المتحدة والولايات المتحدة.
والدليل على ذلك إحياء بعض التطورات الأخيرة في الأسلحة شبه الأوتوماتيكية، مثل الطائرات بدون طيار من طراز MQ-9، وتكنولوجيا أسراب الطائرات بدون طيار. إلى جانب تطوير القوارب ذاتية القيادة في البحر.
حيث عرضت وزارة الدفاع الأميركية عام 2017 مناورة عسكرية لسرب ضم أكثر من مئة طائرة بدون طيار متناهية الصغر في كاليفورنيا. وتتعاون هذه الطائرات في ما بينها في صنع القرار والتكيف في تشكيل الطيران والتعديل الذاتي لتموضعها.
كما قامت وكالة مشاريع الأبحاث الدفاعية الأميركية المتقدّمة (داربا) بتجربة سفينة غير مأهولة تتعقّب الغّواصات وتسمّى “مقاتلة البحر" والتي يمكنها السفر آلاف الأميال دون أيّ شخص على متنها.
تكنولوجيا الواقع المعزز :(Augmented Reality) فمن الشائع الآن استخدام تطبيقات الاستحواذ على ساحة المعركة، حيث إن الواقع المعزز والواقع الافتراضي هما مجالان آخران للتكنولوجيا الاستهلاكية تسخّرهما القوات المسلحة، ومنذ فترة طويلة تم نشر سماعات الرأس AR في خوذات مقاتلات F16.
تكنولوجيا الأسلحة المجتمعية: Social Weapons ومنها التكنولوجيا التي يمكن أن تؤدي إلى التشويش اللاسلكي وقرصنة الكمبيوتر وتعطيل الإرسال واختطاف الطائرات بدون طيار وحتى تحويل الأسلحة ضدّ مشغليها. مثال ذلك: البرمجيات الخبيثة، مثل الفدية الخبيثة “رانسوموير” الذي أصاب المؤسسات والأجهزة الحكومية والخاصة في كثير من دول العالم (حوالي 100 دولة) في عام 2017. حيث استهدف القراصنة غلق الأنظمة التكنولوجية في الحكومات والمؤسسات المختلفة بحيث لن يتمكن أصحابها من فتحها واستخدامها إلّا بعد دفع مبلغ من المال.
ومن الأسلحة المجتمعية أيضا، وسائل الإعلام الاجتماعي، التي تستخدم في تقليب أو تحشيد الرأي العام. واستُخدمت كسلاح لعمل ارباك داخل الدولة المستهدفة، كما حدث في الثورات التي حدثت في المنطقة العربية منذ عام 2011.
تكنولوجيا العمليات النفسية والتحكّم الآلي للأجهزة المتصلة بالأنترنت: مثل عملية “botnet” وهي عبارة عن عدد من الأجهزة المتصلة بالإنترنت، كلّ منها يشغّل واحدًا أو أكثر من برامج الروبوت، لنشر الأخبار المضلّلة للتأثير على الرأي العام في المجتمع المستهدف، خاصّة على منصات وسائل الاتصال الاجتماعي. وذلك عن طريق تنفيذ هجوم رفض الخدمة الموزع (هجومDDoS )، وسرقة البيانات، وإرسال رسائل غير مرغوب فيها. ويسمح للمهاجم بالوصول إلى الجهاز المستهدف والتحكم به وحتّى استخدامه كآلة تسجيل.
كما انجرفت المختبرات الدولية ومنها وحدة "داربا" التابعة للجيش الأميركي في تجاربها العلمية، بعد محاولاتها لزرع شرائح تحكّم في دماغ الإنسان نفسه، في عام 2017، وهذا ما أعلن عن سعيه لتنفيذه إيلون ماسك في 2020.
تكنولوجيا القتل عن بعد
من جهتها تلفت مصادر عسكريّة في حديثها لموقع "الصفا نيوز" إلى أنّ "التكنولوجيا الحالية تمكّن من قتل العدو من بُعد بواسطة نيران مُحكمة ونيران غير مُحكمة. حيث انّ إصابة تل أبيب أو كريات شمونا لا تتطلّب الدقة، إنّها لا تتطلب إلاّ مدى كافياً ورؤوساً انفجارية ملائمة – متفجّرات أو أسلحة الدمار الشامل. لكن من أجل إصابة الدبابات والأهداف الصغيرة الأُخرى في ساحة المعركة وتدميرها، فإنّ الأسلحة الموجهة الدقيقة تكون أكثر فاعلية من الأسلحة غير الموجّهة. حيث يمكن إبادة أهداف تقع خارج خط الرؤية بمساعدة استخبارات ترصد الأهداف النوعية الموجودة اليوم.
وتشدّد المصادر على أنّ "القدرة على الشلّ عن بُعد تتعاظم، أي: حرب المعلومات. وتشير إلى أنّ "الدول المتطورة، المرتبطة إلى حدّ كبير بأنظمة من هذا النوع، من شأنها أن تكون عرضة للضرر في حرب المعلومات أكثر بكثير من الدول الأقلّ تطوّراً".
وكشفت المصادر نفسها عن "عدد من الثغرات في الحرب الذكية، حيث أنّ فاعلية هذه الحرب تتقلّص إلى حد كبير في المناطق المغلقة، مثل الجبال والغابات والمناطق المبنية. ويعود السبب في ذلك إلى الصعوبة القائمة في رصد وإصابة أهداف في مثل هذه المناطق".
وتذكر المصادر أنّ "التهديدات الخطرة المتوقعة من هجمات على العمق في حرب كبيرة، دفعت إسرائيل إلى أن تكرس مع الولايات المتحدة الأميركية، جهوداً كثيرة ومكلفة من أجل تطوير أساليب دفاعية فاعلة ضد الهجمات، سواء ما يتعلق منها بصاروخ "حيتس" ضد الصواريخ الباليستية، أو بمشروع "ناوتيلوس" ضد صواريخ الكاتيوشا".
في الحرب السيبرانية: حماس 1 إسرائيل 0
من جهته يلفت الخبير التكنولوجي رامز القارا في حديثه لموقع الصفا نيوز إلى أنّ "إسرائيل تعتبر من الدول الأوائل في العالم بمجال التكنولوجيا، وتمّ تسميتها بـ startup nation لهذا السبب. وفي مجال الـ cybersecurity أو ما يعرف بالأمن السيبراني، تعتبر الشركات الإسرائيليّة الأهمّ في العالم. وتعتمد إسرائيل على هذا القطاع بشكل رئيسي، حيث يعتبر قطاعاً حيوياً، ويشكّل 18% من الناتج المحلّي. كما أنّ نصف صادرات إسرائيل العام الماضي كانت من المنتجات والخدمات التكنولوجية".
ونوّه القارا، بانّه "خلال الحرب الإسرائيليّة مع حماس وقعت العديد من الهجمات السيبرانية cybersecurity attacks، وهجومات قرصنة من الطرفين. ورغم تطوّر إسرائيل وصعوبة مهاجمتها في هذا المجال، إلّا أنّه كان هناك العديد من الثّغرات التي أغفلت عنها وسبّبت أزمة كبيرة. حيث تمّ خرق نظام الإنذار الإسرائيلي الذي يبلّغ عن حدوث هجمات على إسرائيل، وبقي النظام يعطي تنبيهات وهمية fake alert للإسرائيليين بأنّ هناك هجوم عليهم، ما خلق حالة ذعر في صفوف الجيش الإسرائيلي. كما تمّ خرق أحد المواقع الألكترونيّة اليهوديّة، ونشرت عليه أخبار مؤيّدة لفلسطين ومعارضة لإسرائيل".
وأضاف "هذه الخروقات شاركت فيها مجموعات مختلفة داعمة للقضية الفلسطينية، كسودان anonymous، ومجموعات hackers روسيّة، وغيرها من المجموعات التي كانت موجودة قبل اندلاع النزاع إلاّ أنّها قررت أن تأخذ صفّ الفلسطنيين في هذه المعركة. وقد تكون هذه الهجمات بهدف الحصول على معلومات، أو تعطيل نظام عسكري ما، او نظام المراقبة".
فشل استخباراتي اسرائيلي
كما شاركت أطراف أخرى في هذا الصراع، بحسب القارا، "ومنها مجموعات من حماس، فعلى الرّغم من صعوبة خرق السيستم الإسرائيلي، إلّا أنّ فرق من حماس تلجأ إلى الهندسة الاجتماعية، للحصول على معلومات. فليس من الضرورة أن يكون الاختراق تقني، بل يمكن أن يتمّ من خلال بعض الأشخاص في مراكز إسرائيلية حساسة، يعاني نظام الحماية التكنولوجي الخاص بهم من بعض الثغرات ونقاط الضعف، التي تكتشفها حماس وتستخدمها لصالحها، للحصول على معلومات، بعمل مخابراتي".
كما هناك أجهزة مخابرات إيرانية وروسيّة تدعم حماس عبر هذه الأساليب التكنولوجيّة. ولا يمكن تحديد حجم هذه الهجمات، حيث لا يتمّ الإعلان عن هذه الهجمات من قبل الطرفين، بهدف الاستفادة من هذه المعلومات واستخدامها في الحرب. فإن استحصلت حماس على خطط هجومية أو دفاعية للجيش الإسرائيلي لن تعلن عنها إلى ما بعد الاستفادة منها.
ولا يستبعد القارا، أن "تكون عملية طوفان الأقصى والتي سمحت لمجموعات من حماس بالدخول إلى إسرائيل، قد نتجت عن بعض الخروقات لـ servers اسرائيليّة موجودة على الأرض والاستحواذ على بعض الـ storages المخّزنة".
ويلفت القارا إلى انّه "لا يملك الطرف الإسرائيلي الكثير من الخيارات لتحقيق هجومات سيبرانية على حماس، حيث أنّ البنية التحتية للأخيرة لا تعتمد على هذه التقنيات. وحتّى عندما تقوم حماس بهجوماتها الإلكترونية تكون غير متصلة بالإنترنت ما يصعّب رصدها".
الذكاء الاصطناعي في الحروب
وعن استخدامات الذكاء الاصطناعي في الحرب، يذكر أنّه "يمكن استخدام إسرائيل لتقنيّات الذكاء الاصطناعي على الأرض في تحديد مواقع يتوقّع أن تحوي فرقاً تابعة لحماس، وبالتالي ضربها. إلاّ أنّه وحسب سير المعركة وطبيعة القصف العشوائيّ، يظهر لنا أنّ إسرائيل لا تستخدم الذكاء الاصطناعي في معركتها، أو تقنيّات الذكاء الاصطناعي الخاصة بها لا تزال ضعيفة".
والمكان الذي ثبت فيه استخدام تقنيّات الذكاء الاصطناعي، بحسب القارا "هو في الإعلام، حيث استخدمت تقنيّة الـ deep fake، وهي تقنيّة تزيّف صوراً وفيديوهات، ويقوم نسبها إلى أشخاص يقولون إنهم شاهدوا ذلك بأم عينهم، فتنشر عل وسائل الاعلام، ليتبيّن في ما بعد أنها مادة مضللة. حتّى أنّ شبكة CBS في نيويورك تمكّنت من التأكّد من أنّ أكثر من 90% من الـ 1000 فيديو الذي تمّ ارسالهم لها، كانوا مفبركين بتقنية الذكاء الاصطناعي. وطبعاً الهدف من هذه الفيديوهات هو تأجيج الرأي العام ضدّ غزّة والفلسطينيين".
في المحصّلة، سجلت فلسطين وعلى الرغم من بنيتها التحتيّة المتواضعة، أهدافاً في ملعب إسرائيل. حيث انقلب سحر سلاح التطوّر التكنولوجي على الساحر، فأصبح يشكّل نقطة ضعف لإسرائيل، بعد أن كان سرّ قوّتها.