بالنّظر إلى الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني التاريخي، تعتبر عملية حماس صباح يوم 7 تشرين الأول غير مسبوقة. فهذه هي المرّة الأولى التي يتمكّن فيها مقاومو حماس من الخروج من حصار غزة بأعداد كبيرة، والمرّة الأولى يقتحمون المجمّعات الإسرائيلية العسكرية المجاورة ويسيطرون عليها، وهو أمر لم يفعله أي جيش عربي على الإطلاق. كما أنّها المرة الأولى التي يحتجز فيها الفلسطينيون عشرات الرهائن من الجنود الإسرائيليين الذين تم اقتيادهم إلى غزة.

ومن اللافت للنّظر أن أجهزة استشعار الحدود الإسرائيلية المتطورة جداً أثبتت عدم جدواها في منع الاختراق. وقد تركت هذه الأحداث العديد من الإسرائيليين يشعرون بالخدر والضعف، فضلاً عن صدمتهم من الإخفاقات الاستخباراتية والأمنية التي كشفتها هجمات حماس. كان الكثيرون غاضبين من التقصير الحكومي في التواصل مع المستوطنين، وبالتالي تأمين حمايتهم من خلال إمدادهم بالمعدّات الأساسية.

وبدون تفسيرات إسرائيلية رسمية، لا يتجاوز الأمر الآن التكهنات، لكنّ الاتّهامات بفشل استخباراتي هائل بدأت تتطاير على الفور. وبالنّظر إلى حجم الهجوم وطبيعته المنسّقة، لا بد أنّ «حماس» كانت تعدّ له منذ بعض الوقت، ومع ذلك ظلّت هذه الخطط غير مكتشفة من قبل جهاز الاستخبارات الإسرائيلي المعروف بانتشاره في الأراضي المحتلّة.

الحروب الفعلية والافتراضية

والطبيعي أن يندلع الصراع الإسرائيلي الفلسطيني بنفس الحدّة في الساحة السيبرانية. وحذّر الخبراء من تزايد حالات القرصنة الاستخباراتية وتعطّل الشبكة، التي من شأنها أن تؤثر على الدول الحليفة للجانبين.

تمتلك إسرائيل أحد أكثر الأنظمة الأمنية تقدّماً في العالم. لذا قد يكون هجوم حماس قد ترافق أيضاً مع اختراق تقني لحجب جمع المعلومات الاستخباراتية والتنبيهات.

يتوقّع بعض الخبراء تداعيات جيوسياسية مع اضطرابات الشبكة أو البورصة أو الاتصالات السلكية واللاسلكية، كما من المتوقّع أن تشهد الحرب السيبرانية المزيد من اللاعبين الدوليين وسنشهد ارتفاعا في الهجمات الإلكترونية لتحقيق مكاسب تجارية، كما أنّ الحرب السيبرانية تجلب برامج ضارة وذخائر جديدة إلى عالم الجريمة الإلكترونية كما كان الحال عليه خلال الحرب الروسية الأوكرانية.

ومع تغير التحالفات الجيوسياسية، قد يكون هناك المزيد من الهجمات الإلكترونية التي ترعاها الدول. فقبل يومين، تمّ اختراق موقع جيروزاليم بوست الذي تعطّل "بسبب سلسلة من الهجمات الإلكترونية"، كما ذكر الموقع في بيان على منصة التواصل الاجتماعي X.

وقال الخبراء إنّ المجموعة التالية من الأهداف قد تشمل دولاً أخرى. فأحد التقديرات يشير إلى أنّ القرصنة يسعون للحصول على بيانات استخباراتية، كما ستزداد الهجمات السيبرانية في البلدان التي يزعم أنّها ساعدت في تدريب مقاتلي حماس أو تلك التي تدعم إسرائيل (الهند مثالاً). وسيتعيّن على الشركات بغضّ النظر عن مكان مقرها الرئيسي أن تزيد من رهانها على الأنظمة الدفاعية وجدران النار لديها،كما تعمل الشركات بشكل مطّرد على زيادة بوالص التأمين الخاصّة بها ضدّ الهجمات الإلكترونية.

الهجمات والاختراقات

في خضمّ الصراع المستمرّ بين إسرائيل وحماس، فتحت ساحة معركة جديدة في الفضاء الإلكتروني، حيث يحاول المتسلّلون من كلا الجانبين مهاجمة البنية التحتية لبعضهم البعض، بينما يجرّون مؤيدي بعضهم البعض إلى الصراع.

ولاحظ محلّلون ازدياد الهجومات من نوع رفض الخدمة الموزعة (DDoS- هجمات تنطوي على العديد من الأجهزة المتّصلة عبر الإنترنت والمعروفة مجتمعة باسم الروبوتات والتي تستخدم لإرباك موقع ويب مستهدف بحركة مرور مزيفة)، اختراق مواقع الويب وبالتالي زيادة مناقشات الويب المظلمة من مختلف مجموعات الجهات الفاعلة في التهديد، مما يعني أنّه من المرجّح أن يجذب الصراع الفعلي المستمرّ داخل المنطقة المزيد من جماعات القرصنة التي تدعم إمّا أيديولوجيا أو سياسيا أو انتهازيا إمّا إسرائيل أو فلسطين.

وتظهر البيانات من Cloudflare ، وهي شبكة توصيل سحابية رائدة، علامات على هجمات إلكترونية في شكل هجمات DDoS تؤثّر على كل من إسرائيل وفلسطين، حيث سجل توقف نظامين مستقلين في قطاع غزة بعد ساعات قليلة من هجمات حماس في 7 تشرين الأول. بعد ذلك، في 9 تشرين الأول، واجهت شبكتان إضافيتان أيضا انقطاعا. كما شهدنا ارتفاعاً في الهجمات الإلكترونية التي تستهدف إسرائيل، بما في ذلك 1.26 مليار طلب HTTP DDoS".

ويقود الهجوم المؤيّد لفلسطين مجموعتان من مجموعات القراصنة: لينت المدعومة من روسيا وأنونيموس من السودان، حيث لجأتا إلى منصة تلغرام لإعلان مسؤوليتهما عن الهجمات الأخيرة على مواقع الحكومة الإسرائيلية وصحيفة جيروزاليم بوست. كما أعلن موقع "أنونيموس" (Anonymous Sudan) مسؤوليته عن استهداف القبّة الحديدية الإسرائيلية، نظام الدفاع الجوي الإسرائيلي المتقدّم جداً.

كما انضمّت جماعات قرصنة أخرى إلى الصراع. في 7 تشرين الأول أعلنت جماعة القرصنة الغامضة المؤيدة لفلسطين "فريق بنغلاديش" دعمها لحماس على "تلغرام"، مستخدمة هاشتاغات مؤيدة للفلسطينيين بما في ذلك #FreePalestine و #OpIsraelV2.

فريق بنغلاديش الغامض يناصر Anonymous السودان في حربه الإلكترونية، كما تروج قناتهم للعديد من حملات القرصنة المؤيدة للمسلمين والفلسطينيين، وتشمل هذه المجموعات Team_Azrael_Angel_of_Death و GanosecTeam و HacktivistIndonesia و GarudaAnonSecurity و KEPTEAM و TeamInsanePakistan و Xv888. وأعلنت الجماعات مسؤوليتها عن هجمات عبر العديد من نطاقات الإنترنت الإسرائيلية.

كما كانت هناك هجمات إلكترونية تستهدف فلسطين من قبل مجموعة قرصنة مقرّها الهند تسمّى القوة السيبرانية الهندية. وقد أظهرت الحركة تضامنها مع إسرائيل في الصراع الحالي وتحمّلت مسؤولية إسقاط مواقع حماس، البنك الوطني الفلسطيني، البريد الإلكتروني الفلسطيني للخدمات الحكومية وشركة الاتصالات الفلسطينية.

هل كانت حماس أكثر تجهيزاً رقمياً؟

وفقا للخبراء، تجنّبت العملية أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية باستخدام "تكتيكات تناظرية" في زمن الحرب الرقمية.

في أعقاب هجوم حماس المفاجئ، قال مصدر مقرّب من حماس: "استخدمت حماس تكتيكا استخباراتيا غير مسبوق لتضليل إسرائيل خلال الأشهر القليلة الماضية، من خلال إعطاء انطباع علني بأنّها غير مستعدّة للدخول في قتال أو مواجهة مع إسرائيل أثناء التحضير لهذه العملية الضخمة".

وتم تقسيم العملية إلى أربعة أجزاء، قال المصدر في حماس، واصفا العناصر المختلفة:

كانت الخطوة الأولى عبارة عن وابل من 3000 صاروخ تم إطلاقها من غزة تزامنت مع توغلات المقاتلين الذين حلقوا بطائرات شراعية عبر الحدود. وقالت إسرائيل في وقت سابق إن 2500 صاروخ أطلقت في البداية.

وبمجرد وصول المقاتلين على متن الطائرات الشراعية إلى الأرض، قاموا بتأمين الأرض للسماح لوحدة كوماندوز النخبة باقتحام الجدار الإلكتروني والأسمنتي المحصّن الذي يفصل غزة عن المستوطنات والذي بنته إسرائيل لمنع التسلل.

استخدم المقاتلون المتفجرات لاختراق الحواجز ثم عبروا بالدراجات النارية ووسعت الجرافات الفجوات ودخل المزيد من المقاتلين في سيارات الدفع الرباعي.

وقال المصدر إن وحدة كوماندوز هاجمت مقرّ الجيش الإسرائيلي في جنوب غزة وقامت بالتشويش على اتصالاته ومنعت أفرادها من الاتصال بالقادة أو بعضهم البعض.

وتضمّن الجزء الأخير نقل الرهائن إلى غزة، والذي تحقّق في الغالب في وقت مبكر من الهجوم.

كل هذا لم يكن ممكناً، وفقا للمصادر نفسها، إلّا من خلال تعزيز الهجوم المفاجئ بهجوم إلكتروني على أمن الجيش الإسرائيلي والأنظمة العسكرية بما في ذلك الكاميرات المتقدّمة وأنظمة المراقبة وكشف الحركة وحتّى الطائرات بدون طيار.