على وقع استمرار الاختلالات الماليّة والنقديّة، وفي ظلّ تخييم الكوارث الطبيعية، "بدأت الاجتماعات وسط حرص المنظّمين على البقاء في المغرب بعد شهر من الزلزال العنيف الذي ضرب المنطقة"...
خطفت الحرب في فلسطين الأضواء من اجتماعات خريف صندوق النّقد والبنك الدولي في مدينة مراكش المغربية. فقبل يومين على انطلاق ورش العمل، وَقَع "طوفان الأقصى"، و"أغرق" الحدث الاقتصادي العالمي بـ "قلّة الإهتمام". وذلك على الرّغم ممّا يحمله جدول الاعمال هذا العام من مواضيع مهمّة تتعلّق بمواجهة أزمتي المناخ، والديون التي تعصف بدول العالم.
على وقع استمرار الاختلالات الماليّة والنقديّة، وفي ظلّ تخييم الكوارث الطبيعية، "بدأت الاجتماعات وسط حرص المنظّمين على البقاء في المغرب بعد شهر من الزلزال العنيف الذي ضرب المنطقة"، تقول رئيسة جمعية الإعلاميين الاقتصاديين اللبنانيين سابين عويس، المشاركة في الاجتماعات. وقد سبق الافتتاح الرّسمي المقرّر يوم الجمعة الواقع فيه 13 تشرين الأول، انطلاق فعاليات الاجتماعات بالتواصل الثنائي، والمشاورات، واللقاءات المفتوحة، حول المواضيع المطروحة، ومن أهمّها: التحدّيات التي يواجهها العالم. ولاسيّما في الشرق الأوسط وإفريقيا وآسيا. "ولاحظنا أنّ الاولوية اليوم عند المؤسستين الدوليتين هي لضمان الاستقرار المالي، وإعادة هيكلة الديون، والتغيّر المناخي"، تضيف عويس. كما تأخذ المواضيع المتّصلة بالطّاقة حيّزاً كبيراً من الاهتمام والمتابعة".
تطوّرات طبيعية وغير طبيعية بالغة الخطورة
حفل العام 2023 بجملة من التطوّرات بالغة الخطورة. فعلى الصعيد المالي شكّل هذا العام استمراراً لمشكلات الديون التي تواجه العديد من دول العالم النّامي. حيث ارتفعت نسبة البلدان الأشدّ فقراً المهدّدة بالوصول إلى "مرحلة المديونية الحرجة" إلى 60 في المئة. وتبرز من بين هذه الدول كلّ من مصر، تونس، لبنان، باكستان، زامبيا، سيريلانكا، غانا، السلفادور، كينيا، وأوكرانيا. وعلى الصّعيد النقدي ما زالت الولايات المتحدة الاميركية تقود ارتفاع أسعار الفائدة عالميّاً لمكافحة التضخّم. حيث وصلت الفائدة إلى 5.5 في المئة مؤثّرة بشكل بالغ على النموّ في مختلف الدول. أمّا على الصعيد الطبيعي، فحدّث ولا حرج عن كوارث تضرب العالم نتيجة التغيّرات المناخية، قدرّت كلفتها الاقتصادية في العام 2022 بحوالي 313 مليار دولار بحسب تقرير نشرته شركة التأمين العالمية "أيه أو إن". فيما من المتوقّع ان ترتفع الخسائر هذا العام من حيث الحجم والقيمة عن العام الماضي.
تحذير من ارتفاع أسعار الفائدة
أمام كلّ هذه التحديات تنعقد الاجتماعات وسط تحذير مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا دول العالم من اتّخاذ قرارات خاطئة لمعالجة مواطن الضعف المالية والاقتصادية. خاصّة لجهة التضخّم وأسعار الفائدة. واعتبرت جورجيفا في كلمتها الافتتاحية أنّ ضعف نموّ الاقتصاد العالمي، ما زال يمثّل مشكلة للاقتصادات المتقدّمة والنّامية، بسبب استمرار ارتفاع التضخّم. في المقابل قال المدير التنفيذي لمنظمة "أوكسفام"، اميتاب بهار في حديث لوكالات أجنبية إنّ "صندوق النّقد الدولي يدفع أفقر الدول إلى حمية تجويع تقوم على اقتطاع في النفقات، ما يزيد من انعدام المساواة والمعاناة". معتبراً أنّ "57 في المئة من أفقر دول العالم مضطرّة إلى خفض الإنفاق العام، بما مجموعه 229 مليار دولار خلال السنوات الخمس المقبلة".
لبنان الحاضر الغائب
تقام الاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدولي مرّتين في واشنطن، ومرّة خارجها. ولم يحضر الاجتماعات الخارجية كلّ فرق عمل الصندوق، ومنها فريق العمل المولج متابعة الملفّ اللبناني بقيادة ارنستو راميراز ريغو"، يقول رئيس "الجمعية الاقتصادية اللبنانية"، والخبير السابق في صندوق النقد الدولي الدكتور منير راشد. "وذلك من أجل تخفيض المصاريف وعدم تشعيب المواضيع. إذ غالباً ما تكون هذه الاجتماعات مخصّصة لرسم السياسات العامّة ومراجعة الحالة الاقتصادية الكلّيّة للوضع المالي الدولي. ولا تحضر المواضيع الخاصّة بالدول التي تسعى لنيل برامج مع الصندوق إلّا في إطار اللقاءات الجانبية العفوية وغير الرسمية، وفي حال كان الموظفون المعنيون من الصندوق موجودين في الاجتماعات". من دون أن يعني ذلك بالطبع عدم إمكانية لقاء الوفد اللبناني رئيسة الصندوق بشكل عرضي وسريع، نظراً لازدحام برنامجها بالمواعيد. والتي عادة ما تخصّص للدول الكبيرة وتلك التي وقّعت برنامجاً مع الصندوق. ومن المحتمل أيضا لقاء المدير التنفيذي محمود محيي الدين الذي يمثّل مجموعة الدول العربية التي تتضمن مصر والإمارات والبحرين والكويت وعمان وقطر والأردن والعراق ولبنان واليمن، بالإضافة إلى المالديف في الصندوق. لكنّه لا يملك السّلطة لأخذ القرارات من الناحية الفنية.
تعليق العمل
إلّا أنّه في جميع الحالات فإنّ اللقاءات بين الوفد اللبناني وممثّلي الصندوق في المغرب لن تفضي إلى أيّ نتيجة. ذلك أنّ بعثة الصندوق الأخيرة التي زارت لبنان قبل نحو شهر ونصف الشّهر تقريباً، قالت إن "الزيادة القادمة تبعاً للمادّة الرابعة ستكون في نيسان 2024. وعلى ضوء الإصلاحات المنجزة وفقاً للاتفاق المبدئي الموقع في نيسان 2022، يتحدّد مصير الاتفاق مع الصندوق ويتمّ التفاوض على البرنامج التمويلي. مع العلم أنّ "بعثة الصندوق قطعت بشكل غير مباشر في اللقاء الأخير أيّ إمكانية للمحادثات عمّا قريب"، بحسب راشد. "بعدما سمعت من الكتل النيابية رأياً قاطعاً بعدم الموافقة على المطلب الأساسي المتمثّل بشطب الديون في مصرف لبنان، والمقدرة قيمتها بـ 72 مليار دولار، أو ما يعني شطب الجزء الأكبر من الودائع". وجاء الرفض على لسان مقرّري لجنتي "المال والموازنة"، و"الإدارة والعدل"، وهما المعنيّتان الأساسيتان بدراسة مشاريع قوانين الحكومة ورفعها إلى الهيئة العامّة. فالخطّة الموضوعة من الحكومة بالاتّفاق والتنسيق مع صندوق النقد تنصّ على حماية صغار المودعين بشكل مباشر، ولا تتطرّق إلى التخلص من الودائع بطريقة مباشرة وشفّافة، إنّما شطب ودائع المصارف في مصرف لبنان. هذا مع الإشارة إلى أنّ تقرير موظفي صندوق النقد الدولي - المادّة الرابعة – قال صراحة بشطب الودائع.
الرديف لشطب الودائع
يشير تقرير المادة الرابعة إلى أنّ نسبة الدّين إلى النّاتج المحلي الإجمالي بلغت في لبنان 500 في المئة، ويفترض على لبنان تخفيض هذه النسبة إلى 100 في المئة للموافقة على الدخول في برنامج مع الصندوق. وللوصل إلى هذه المعادلة يجب شطب ديون الدولة وديون لمصرف للمصارف. وهذا الدليل الثاني على إصرار صندوق النّقد على مطلب شطب الودائع خلافا لإرادة جزء أساسي من اللبنانيين. وعليه فإنّ الاتفاق مع الصندوق معلّق، ولن تولي اجتماعات مراكش أيّ اهتمام بالشأن اللبناني الذي يبدو عصياً عن الحلّ.
يتضمّن برنامج الاجتماعات تقديم تقارير حول آفاق الاقتصاد العالمي، وقضايا الأزمة الخاصّة بالطّاقة والتحديات المناخية والهجرة والتعاون الدولي والتعافي ما بعد كوفيد-19، بالإضافة إلى المستجدّات السياسية والاقتصادية على الصعيد الدولي.