من الناحية المالية الصّرف، حصلت وزارة التربية على سلفة بقيمة 5000 مليار ليرة (50 مليون دولار) من أصل إجمالي مبلغ 150 مليون دولار كانت قد طلبته الوزارة لتأمين حاجاتها
لم يعد السؤال إن كانت المدارس الرسمية ستفتح أبوابها الاثنين المقبل في التاسع من تشرين الأول، إنّما هل من ضامن لعدم إقفالها بعد أشهر قليلة؟ فقد عُلم أنّ وزير التربية والتعليم العالي القاضي عباس الحلبي وقّع قرار جدولة "دفع الحوافز" للأساتذة والمعلّمين والعاملين في الحقل التربوي، وسيصدر القرار اليوم بأبعد تقدير. كما سيصدر قرار بتمديد التسجيل في المدارس والثانويات، وكذلك في التعليم المهني والتقني إذا اقتضى الأمر. إلّا أنّه في المقابل فإنّ شكوك المعلّمين و"تنفيخهم" على "لبن" الحوافز الدولارية الموعودة، يعود "لاكتوائهم بحليب" الإخلال بالتعهّدات العام الماضي إذ لم يحصلوا من "جمل" الالتزامات التربوية إلّا على "أذنه"، وبالتقسيط وبـ"طلوع الروح" على حدّ تعبير إحدى المعلّمات. فهل يستنسخ العام الحالي سلفه، ويتعطّل مع نهاية عطلة رأس السنة؟
روابط المعلّمين والهيئات الممثّلة لهم في التعليم الرسمي قابلت القرار بالكثير من الإيجابية. و"غالبية المعلّمات والمعلّمين أعلنوا استعدادهم للعودة إلى المدارس مطلع الأسبوع المقبل، فور نشر القرار بشكل رسمي، والتأكّد من دفع 300 دولار على شكل حوافز، والالتزام بقرار رفع الأجور وبدل النّقل في القطاع العام"، تقول رئيسة اللجنة الفاعلة للأساتذة المتعاقدين الدكتورة نسرين شاهين. "كما سنعمد إلى نشر بيان العودة كأساتذة متعاقدين، نشكّل نحو 70 في المئة من مجمل عدد الأساتذة في التعليم الرسمي، فور تبلّغنا بالقرار".
حصّة الأساتذة من التقديمات
بحسب ما سُرّب من معلومات فإنّ الأساتذة في مختلف مراحل التعليم سينالون التالي:
300 دولار حوافز نقدية بالعملة الصعبة لا تدخل في أساس الراتب. وهي تشمل أساتذة الملاك والمتعاقدين الذين لديهم 16 ساعة تعليم أسبوعيا وما فوق. وإعطاء نسبة مئوية من الحوافز للأساتذة الذين تقلّ ساعاتهم الأسبوعية عن 16 ساعة في التعليم الأكاديمي.
مضاعفة الرّاتب 7 مرّات بحسب ما أقرّت موازنة العام 2022، بالنسبة للأساتذة المثبّتين.
رفع بدل النّقل إلى 450 ألف ليرة للأساتذة المثبّتين عن كلّ يوم حضور. وعن ثلاثة أيام للأساتذة المتعاقدين.
رفع بدل السّاعة إلى 150 ألف ليرة للأساتذة في التعليمين الأساسي والمهني.
السلفة تكفي لثلاثة أشهر
من الناحية المالية الصّرف، حصلت وزارة التربية على سلفة بقيمة 5000 مليار ليرة (50 مليون دولار) من أصل إجمالي مبلغ 150 مليون دولار كانت قد طلبته الوزارة لتأمين حاجاتها. وسيخصّص الجزء الأكبر من السّلفة لإعطاء نحو 50 ألف أستاذ في مختلف مراحل التعليم الابتدائي والأساسي والثانوي والمهني والجامعي 300 دولار شهرياً، بالإضافة إلى بقيّة المصاريف التشغيلية واللوجستية للقطاع. وعليه فإنّ السلفة تكفي لثلاثة أشهر بالحدّ الأقصى. "وفي حال لم تلتزم الحكومة بتأمين بقيّة المبلغ، أي 100 مليون دولار، فإنّ العام الدراسي سيعود ليتعطّل مع مطلع العام المقبل"، تقول شاهين. واحتمال تخلّف الحكومة عن التزاماتها كبير جدا".
انطلاقة متعثّرة للمهنيّات
على الصعيد المهني تبدو الأمور أكثر تعقيداً. فالمهنيّات مشكّلة بأغلبيتها السّاحقة من الأساتذة المتعاقدين (90 في المئة). وهذه الفئة لا تعامل بإنصاف على غرار من هم في الملاك. " فلغاية اليوم لم يحصل عدد كبيرة من الأساتذة على مستحقّات العام الماضي، والبعض حصل على 40 في المئة من فقط"، تقول عضوة لجنة الأساتذة المتعاقدين في التعليم المهني والتقني الرسمي سمر غندور. هذا عدا عن أنّ المستحقات تُدفع بالليرة في أيار وبعدما تكون قد فقدت الكثير من قيمتها الشرائية نتيجة الانهيار المتصاعد في سعر الصرف خلال الفترة الماضية. أمّا في ما يتعلّق ببدلات النّقل فتقول غندور إنّها "لم تدفع بعد بحجّة وجود ثغرة قانونية، لم يجر حلّها لغاية اليوم". وتضيف أنّ "أجر ساعة التعليم للأساتذة المتعاقدين في التعليم المهني تضاعفت 4 مرات فيما تضاعفت 5 مرات في التعليم الأكاديمي. والزيادة الجديدة بنسبة 50 في المئة على أجر الساعة، ستضرب بـ 4 وليس بـ 5 كما الحال في التعليم الأكاديمي. والحوافز الدولارية التي وضعت بشكل نسبي على قدر الانتاجية لم تنصف الأستاذ المهني. فالأخير يحمل تصنيفاً جامعياً ولا يفترض أن يعطي أكثر من 10 ساعات أسبوعياً".
عدد الطلّاب يتراجع في المهنيّات
"بالإضافة إلى كلّ ما تواجهه المهنيّات من مشاكل متوقّعة، باغت تراجع أعداد الطلاّب المسجّلين، أساتذة التعليم المهني إذ من المتوقّع أن ينخفض عدد الطلاب لهذا العام بأكثر من النصف"، بحسب غندور. وهذا لا يعود فقط إلى الإضرابات، والعجز عن إنهاء المناهج، وعدم تأمين المواد الأوليّة للمواد التطبيقية، إنّما إلى ارتفاع الأقساط بشكل كبير. إذ ارتفعت من 300 ألف ليرة إلى بين 6 و9 ملايين ليرة. وهذه الأقساط هي خارج متناول الأغلبية الساحقة من أهالي الطلّاب، الذين إمّا يعملون في القطاع العام وإمّا يرزحون تحت نير الفقر المتعدّد الأبعاد.
بالنّسبة للأغلبيّة السّاحقة في مختلف مراحل التعليم الأكاديمي والمهني، يبقى "كحل" الحوافز أفضل من "عمى" الرواتب. خصوصاً أنّها تعتبر أكثر إنصافا، إذا ما جرت مقارنتها مع ما يتقاضاه الموظّفون في الإدارات العامّة والقوى العسكرية. لكن مع هذا، تبقى هذه الحوافز أقلّ بما لا يقاس مع "معدل التكاليف الشهرية للأساتذة"، بحسب استبيان "مركز الدراسات اللبنانية". حيث تُبيّن عيّنة من 1218 معلّمة وأستاذ، موزّعة على كافّة المحافظات اللبنانية أنّ "معدّل الحدّ الأدنى للرّاتب الذي يضمن العيش الكريم والمستدام للمعلمين/ات في العام الحالي يتراوح بين 757 دولار للفئة العمرية التي تقلّ عن 21 عاماً، ويرتفع تدريجياً بحسب الفئات العمرية حتّى يصل إلى 1259 للفئة العمرية التي تزيد عن 60 عاماً". وقد بنيت الأرقام على الجزء الأساسي من التكاليف الشهرية، ومنها: 303 دولار للمواد الغذائية. 187 دولار للطبابة والمستلزمات الطبّية. 176 دولار للنّقل. 129 دولار للكهرباء. 32 دولار للأنترنت. في المقابل فإنّ مدخول الأساتذة الحالي الذي يبلغ في المتوسّط 159 دولار غير كاف، وهو سيبقى قاصراً عن تأمين أبسط المتطلّبات مع رفعه إلى متوسط 450 دولار، يمثّل الراتب مع الزيادات مضافاً إليه الحوافز الدولارية.