رحلت الفنانة اللبنانية منى مرعشلي في العام 2016 بهدوءٍ تام، يُشبه هدوء شخصيتها ورزانتها التي انعكست حتى على رحيلها... توفيت في سن الثمانية وخمسينَ عاماً، على أثر نوبة قلبيّة حادّة، ورغم أنّ القلب قد خذلها لكنّ صوتها لم يخذلها يوماً، إنّما اختارت الابتعاد عن الفنّ قبل رحيلها بسنواتٍ طويلة لأسبابٍ عديدة. تنوّعت الأسباب والنتيجة واحدة، بين الوضع الصّحي الذي لم يكن مستقراً، وكذلك لأنّها لم تلقَ الدّعم الإنتاجي، بالإضافة إلى ما أُشيعَ حول الدّواعي الأسريّة، فـ "منى" تنتمي إلى عائلة بيروتيّة لم تشجّعها على الاستمرار بالفن رغم الدّعم في بادئ الأمر لدخولِ مضماره بسنٍ مبكرٍ.

"كيف بدي غنّي وماما نازك مش موجودة؟" تلك الجملة هي آخر ما قالته منى قبل رحيلها بأسابيعٍ قليلة، ضمنَ مقابلةٍ إذاعيّة جمعتها بالإعلاميّة ميراي مزرعاني... رحلت نازك، ثمّ لحقت منى بها، بعد انقضاءِ شهرين فقط!

"فنانة الـ 19 أغنية!"

منى مرعشلي، حاكت لنفسها مكانةً في ذاكرةِ اللبنانيين ومَن عرفها من الجمهور العربي. انطلقت من برنامج المواهب "ستديو الفن" في العام 1973، شكّلت في حينه حالةً متفردةً، فقد كان عمرها 15 عاماً وأجادت الغناء لأم كلثوم، ثمّ عادت إلى البرنامج سيدةَ طربٍ محترفة في العام 1992، وبعد ذلك بأعوامٍ قليلة توارت عن الأنظار إلى أن سلّمت أمانة الروح في العام 2016.


تُسمى منى بحسب بعض المراجع "فنانة الـ 19 أغنية"، لأنّه لم يكن برصيدها سوى هذا العدد القليل من الأغاني، الذي قد يُصدره بعض فناني اليوم في ألبوم واحد! ورغم ذلك تركتْ بصمةً مختلفةً.

"ليك شوقة عندنا"، "شمس المغارب"، "على شان عيونك"، "ليه تحلف بعنيا؟"، "يا شمس عمري"، "سافر يا حمام"... رافقت منى بصوتها أجمل الألحان وأحاكت بمساعدةِ وجهها الجميل إحساساً عذباً. تعاملت مع زياد والأخوين الرحباني وفيلمون وهبي ونور الملاح ومحمد ماضي وفيصل المصري وغيرهم ممن آمنوا بموهبتها. لم تكن مختلفةً عن غيرها بسبب سمنتها، فهي كميادة الحناوي من سوريا وليلى علوي من مصر، يومَ كان الجمهور عامةً تستهويه المرأة الممتلئة في الثمانينيات.

رحلت منى مرعشلي لكن تركت لنفسها ركناً جميلاً في الذّاكرة، باقٍ لكل مَن أحبّها. ولو أنّ مشوارها بالفن قد امتدّ أكثر، لحجزت مكانةً متقدّمة بشكلٍ أكبر بين الفنانات العرب. صوتُها عذب، خامتُهُ مختلفة، إحساسُها رقيق، فيه "السّهل الممتنع" دون أي تكلّف... في كل أغنية خاطبت حبيبها وكأنها تجلسُ معهُ في صالون المنزل، وكانت أسرارها صادقةً دونَ مبالغات.