هذا الاكتشاف تاريخياً ويمثّل المرة الأولى التي يحمل فيها البشر مواداً من جسم كبير بين النجوم من خارج نظامنا الشمسي المعروف

في اللحظة التي تبادر إلى علمه سقوط نيزك غريب على سطح الأرض، كان عالم الفيزياء الفلكية آفي لوب مصمّماً على اكتشاف ما إذا كان، هذا النيزك، هو بالفعل قطعة من خارج كوكب الأرض تحطّمت في قاع المحيط الهادئ، إذ استطاع أستاذ وعالم الفيزياء الفلكية النّظرية في جامعة هارفارد وفريقه من العلماء من استخراج بقايا النيزك المشتبه بها في تموز قبالة ساحل بابوا غينيا الجديدة، ليقتربوا خطوة واحدة من اتخاذ القرار المتعلق بهوية هذا النيزك، إذ أشار العالم في بيان إعلامي إنّ التحليل المبكر يشير إلى أنّ أصل تلك الأجسام المعدنيّة الصغيرة هو في الواقع من النجوم.

ومع إنّ الوقت لا يزال مبكراً لمعرفة ما إذا كانت هذه الكرات المعدنية المكتشفة هي اصطناعية أو طبيعية في الأصل، إلّا أنّ لوب يقول إنّ الفريق واثق الآن من أنّ ما وجده لا مثيل له في كافّة المعادن المكتشفة والمتعارف والموجودة من آلاف السنوات في نظامنا الشمسي.

"هذا اكتشاف تاريخي لأنّه يمثّل المرة الأولى التي يضع فيها البشر أيديهم على مواد من جسم كبير وصل إلى الأرض من خارج النظام الشمسي"، كتب لوب، حيث كان يوثّق البعثة والدراسات الناتجة عنها ليوضح قيمة نجاح البعثة من خلال أخذ زمام المبادرة والمخاطرة في كشف هذا السبق في العلوم على الرّغم من كلّ الصعاب التي تعترض الباحثين في كلّ فرصة لاكتشاف معرفة جديدة.

مهمّة الأسبوعين

استأجر فريق العلماء والباحثين بقيادة لوب معدات متخصّصة وشرعوا في حزيران الماضي في رحلة على متن قارب اسمه Silver Star متجهة إلى بابا غينيا الجديدة، وتحديداً إلى شمال البلاد حيث سعى الطاقم، الذي تمّ تمويله بمبلغ 1.5 مليون دولار من رجل الأعمال تشارلز هوسكينسون، على مدّة أسبوعين لاستعادة أيّ بقايا يمكن إيجادها من نيزك غير عادي أطلقوا عليه اسم IM1 الذي تحطّم في الغلاف الجوي للأرض في عام 2014.

وظلّت بيانات النيزك التي سجّلتها أجهزة استشعار الحكومة الأميركية طيّ الكتمان ودون ملاحظة لمدّة خمس سنوات حتى عثر عليها لوب وأمير سراج، الذي كان آنذاك طالباً في جامعة هارفارد حتى قرّر الأثنان في عام 2019 نشر النتائج التي توصّلا إليها. ومع ذلك، لم تبدأ الأعمال الجدّية لاستكشاف النيزك إلّا بعد 3 سنوات، حيث أعلنت قيادة الفضاء الأميركية في رسالة إلى وكالة ناسا في آذار 2022 أنّ الجسم جاء من نظام شمسي آخر غير نظامنا الشمسي.

اعتبر هذا الأمر بمثابة براءة الاكتشاف للوب، المؤسس المشارك لمشروع غاليليو، وهو برنامج بحثي في مركز هارفارد سميثسونيان للفيزياء الفلكية المخصّص للبحث العلمي عن التكنولوجيا الغريبة. وبعد سبعة أشهر، كان هو وفريقه على بعد 53 ميلاً قبالة ساحل جزيرة مانوس يمشّطون أكثر من 100 ميل من قاع المحيط بزلّاجة تحمل مغناطيساً متصلا برافعة على سطح السفينة.

ومع كثير من الحظّ وبعض من الخبرة ومن خلال 26 رحلة بالزلّاجة، وجدوا ما كانوا يبحثون عنه: أكثر من 700 كرة بحجم أقلّ من المليمتر للواحدة، أي صغيرة جداً بحيث لا يمكن رؤيتها إلّا باستخدام المجهر، ليعتبر هذا الاكتشاف تاريخياً ويمثّل المرة الأولى التي يحمل فيها البشر مواداً من جسم كبير بين النجوم من خارج نظامنا الشمسي المعروف، إذ تمّ التوصّل لهذه النتائج من هذا التحليل العلمي الدقيق.

لوب: أومواموا من خارج الأرض وخارج النظام

اقترح لوب بشكل أساسي أن أومواموا يمكن أن يكون سفينة فضاء غريبة UFO.

لم تكن هذه هي المرّة الأولى التي يعتبر فيها لوب أنّ جسما كهذا مصدره النجوم ويدخل نظامنا الشمسي يمكن أن يكون اكتشافاً ثميناً لقطعة نادرة من خارج كوكب الأرض.

ففي عام 2017، تم اكتشاف المذنب Oumuamua، وهي كلمة تعني "الكشافة" أو "الرسول" في لغة أهل هاواي، وهو مذنّب يطير عبر النظام الشمسي، مما حيّر العلماء بشكله الغريب ومساره.

لكن لوب افترض أنّ المذنب - بطول ملعب كرة قدم وبعرض سيجار واحد - كان قادرا على زيادة سرعته مع اقترابه من الشمس من خلال تسخير طاقته الشمسية كـ "شراع خفيف"، على عكس الطريقة التي يلتقط بها شراع السفينة الرياح. ونظرا لعدم وجود ظاهرة طبيعية قادرة على مثل هذا السفر في الفضاء، اقترح لوب بشكل أساسي أن أومواموا يمكن أن يكون سفينة فضاء غريبة UFO.

وكانت دراسة أجريت في آذار الماضي على المدار الغريب للمذنّب بأنه آلية فيزيائية بسيطة يعتقد أنّها شائعة بين العديد من المذنّبات الجليدية إذ تطلق غازات الهيدروجين مع ارتفاع درجة حرارة المذنب في ضوء الشمس.

عليه بدأ لوب آنذاك على دراسة بيانات الكرة النارية من مركز دراسات الأجسام القريبة من الأرض في ناسا، وقاده ذلك مع زميله سراج إلى اكتشاف بيانات حول IM1 والتي تم اكتشافها لأول مرة في عام 2014.

وعلى الرغم من أحجامها التلسكوبية الصغيرة جدّاً بحيث لا يمكن ملاحظتها من خلال انعكاسها مع أشعّة الشمس، إلّا أن اصطدامها بالأرض ولّد كرة نارية سجّلتها أجهزة استشعار السلطات الأميركية. ولأنّ النيزك تحرّك بسرعة أسرع مرتين من جميع النجوم تقريباً بالقرب من الشمس، خلص لوب وسراج في ورقة نشرت في تشرين الثاني في مجلة الفيزياء الفلكية إلى أنّ الكرة النّارية، مثل أومواموا، يجب أن يكون مصدرها النجوم.

ماذا كشفت التحاليل؟

يظهر التحليل المبكر أنّ بعض الكرات من مسار النّيزك تحتوي على "وفرة عالية للغاية" من تكوين غير مسبوق من العناصر الثقيلة.

ويقول الباحثون في الفريق إنّ تركيبة البريليوم واللانثانوم واليورانيوم، التي وصفت بأنّها تركيبة "BeLaU"، لا تتطابق مع السبائك الأرضية الطبيعية للأرض أو تداعيات الانفجارات النووية. بالإضافة إلى ذلك، لا توجد تركيبة في صهارة الأرض ولا القمر أو حتّى المريخ أو أيّ من الأجسام الطبيعية الأخرى المعروفة في النظام الشمسي.

هذا ويُعتقد أنّ عناصر أخرى قد فقدت بسبب التبخّر أثناء مرور IM1 عبر الغلاف الجوي للأرض، كما قال الباحثون، ممّا دفعهم إلى افتراض أنّ الكرات يمكن أن تكون قد نشأت في صهارة المحيط على كوكب خارج المجموعة الشمسية مع نواة حديدية من خارج النّظام الشمسي.

ويواصل الباحثون التحقيق في أصول الأجسام في أربع مختبرات في جامعة هارفارد وجامعة كاليفورنيا في بيركلي وشركة بروكر وجامعة التكنولوجيا في بابوا غينيا الجديدة.

كما يشير لوب، فإنّ نتائج نجاح الحملة الاستكشافية الأولى واضحة جداً ولا تقبل الجدل وهي تمهّد الطريق لرحلة استكشافية ثانية للبحث عن المزيد من البيانات.