خسائر بآلاف الدولارت تكبّدها سكّان المنطقة نتيجة عدم ثبات التيّار الكهربائي ولو لنصف ساعة على الأقلّ، حيث أدّت التقلّبات في التيار الكهربائي إلى حرائق وأعطال ضربت الأدوات الكهربائيّة
سيطرت على مناطق البقاع الغربي في الآونة الأخيرة أزمة كهرباء حادّة، لا تشبه أزمات الكهرباء التي تعوّد عليها اللبنانيوّن، وتأقلموا معها في السنوات الأخيرة. فهذه الأزمة يمكن وصفها بـ"جنون كهربائي" لا بل "لعنة كهربائيّة" أصابت المنطقة وطالت أهلها. حيث لا تكاد "تشرّف كهرباء الدولة" لمدّة لا تتعدى الـ10 دقائق لتعود وتنقطع، فتدور مولّدات القرى لسدّ الفراغ، فتتعطّل بدورها لكثرة الحمولة والضغط نتيجة الحماوة.
خسائر بآلاف الدولارت تكبّدها سكّان المنطقة نتيجة عدم ثبات التيّار الكهربائي ولو لنصف ساعة على الأقلّ، حيث أدّت التقلّبات في التيار الكهربائي إلى حرائق وأعطال ضربت الأدوات الكهربائيّة من برّادات وغسّالات فتلفاز وأجهزة تسخين المياه. فيما يعيش المرضى في القرى بحالة ذعر وقلق دائم، خصوصاً من يجبره وضعه الصحّي على البقاء على أجهزة الأوكسجين والتي بدورها تتطلّب كهرباء 24 ساعة. يضاف إلى هذه كلّه تكبّد سكّان المناطق فواتير مرتفعة جدّا، بدل خدمة الكهرباء من المولّدات، فيما أصحاب الاخيرة تكبّدوا مصاريف ضخمة لصيانة مولّداتهم جرّاء الأعطال التي ضربتها من تقلّبات الكهرباء السريعة.
الأزمة لم تنحصر في البيوت، بل تعدّتها لتطال فروع المصارف والمستشفيات والمدارس والدكاكين والمطاعم. حيث شكّل انقطاع الكهرباء خطراً حقيقيّاً على المواد الغذائيّة التي بمعظمها فسدت، ليتكبّد أصحاب هذه المحلّات خسائر بالملايين نتيجة إضطرارهم لتلف الأطعمة بعد فسادها. كذلك أصبح واقع برّادات الفاكهة وخصوصا التفّاح بخطر(حيث تشتهر مناطق البقاع الغربي بمواسم التفاح على أنواعه)، لعدم قدرتها على الاستمرار في ظلّ واقع الكهرباء المرير. فيما توقّفت مصالح الكثير من الصناعيين عن العمل لعدم قدرتهم على تشغيل مكناتهم، ما أثّر على انتاجهم وجعلهم يتوقّفون عن استقبال الزبائن. وتوقّفت بعض الصيدليات عن استيراد الأدوية التي تحتاج إلى تبريد، أمّا القسم الآخر من المحلات فقام بشراء مولّدات كهربائية خاصّة لتشغيل مصالحهم، ومن لا تسمح له قدرته الشرائيّة على شراء مولّد أو الاشتراك بآخر، تعطّل عمله. أمّا مرضى الكلى فعانوا الأمرّين في المستشفيات التي وبعد أن تعجز مولّداتها عن التحمّل، تضطر إلى إطفائها، وبالتّالي يجبر المريض على تأجيل موعده، أو الانتظار ريثما تأتي "كهرباء الدولة". فيما تحويلات المصارف وقعت تحت رحمة "مزاج الكهرباء".
البداية من مخيّمات النازحين السوريين
في هذا الإطار كان لرئيس مصلحة الليطاني سامي علويّة تصريح خاص لموقع "الصفا نيوز" اعتبر فيه أنّ "الأزمة المستجدّة للكهرباء في منطقة البقاع الغربي، تعود بشكل رئيسي لانخفاض كميّات ومخزون المياه في بحيرة القرعون، بحيث أنّ انتاج معامل الطاقة الكهربائيّة هو 37 ميغاوات فقط. ولكنّ الأزمة استفحلت في هذه المنطقة وأدّت إلى انخفاض ساعات التغذية وعدم ثبات الخطوط لا سيّما في مخرج بلدة عيتنيت وسحمر والقرعون، بسبب زيادة الحمولات على هذه المخارج وعلى المحوّلات التي تستفيد منها".
وزيادة الحمولات، يقول علويّة، "جاء عدم قيام مؤسسة كهرباء لبنان بقمع التعدّيات عن الشبكات. وأبرز التعدّيات مصدرها مخيّمات النازحين السوريين في منطقة بعلول والقرعون 1 و2، ووجود كثافة من النازحين السوريين في مناطق سحمر وراشيا والقرعون ومشغرة. ما أدّى إلى زيادة بالطلب على الكهرباء فاق الـ30%، وإلى استخدام جائر سبّب انقطاع الكهرباء".
وتأتي بالدّرجة الثانية بعد أزمة السوريين، بحسب علويّة، "موضة الماينيغ (تعدين العملات الرقميّة)، وظاهرة انتشار معامل البلاستيك غير المرخّصة والمحميّة سياسياً، وقد وجّهنا كتباً لمنع هذه المعامل من الحصول على تراخيص كهرباء، ولإقفال المعامل غير المرخّصة لما تسبّبه من زيادة طلب على الكهرباء بشكل جنوني، خصوصاً وأنّ "كهرباء لبنان" تقول بأنّها لا تملك عدّادات جديدة لتركيبها، وبالتّالي لا داعي لهذه الأنشطة بالاستمرار لكون وجودها يهدّد استمرار عمل برّادات التفّاح وسلامة معامل الطاقة الكهربائيّة".
كما كشف علوية على أنّ "هناك بعض البلديات التي تجبي الأموال بحجّة أنّها تعود لكهرباء لبنان من المخيّمات السوريّة، وبعد أن تواصلنا مع كهرباء لبنان لسؤالها عن حقيقة الأمر، تبيّن أنّ لا علم لكهرباء لبنان بهذا الموضوع. في حين أنّ الأموال التي تجبى من قبل البلديات والجمعيّات التابعة للـUNHCR (المفوّضيّة السامية لشؤون اللاجئين) لا تدخل في موازنات البلديات، ولا موازنة كهرباء لبنان. ما يستدعي تدخّل القضاء، للاستفسار حول الجهّة التي تذهب إليها هذه الأموال"، شارحا أنّه "وفيما تنتج مصانع الكهرباء 750 مليون كيلووات/ساعة بمعدّل سنوي، تذهب أكثر من 250 مليون كيلووات/ساعة لصالح مخيّمات النازحين السوريين".
مصانع غير مرخّصة محميّة سياسياً
تواصل موقع "الصفا نيوز" مع رئيس بلديّة عين زبدة، شربل نهرا الذي كان يتابع الملفّ عن كثب، وكشف في حديث خاص على أنّ البلدة كانت تستفيد من 20 ساعة كهرباء متواصلة من أصل 24 ساعة مزّودة من معمل عبد العال، وان قوّة المحوّل الذي يحوّل الكهرباء على خطّ عيتنيت – عميّق تبلغ قدرته 10 ميغا. إلاّ أنّه وبعد دخول مصانع جديدة على المنطقة، تحوّل ملفّ الكهرباء إلى لعنة حقيقيّة على سكّان مناطق البقاع الغربي. حيث أنّ قسمًا كبيرًا من هذه المعامل كان دون رخص ومحمي سياسيًا، فيما قسم آخر غير مغطّى سياسيّا ويعمل دون حسيب أو رقيب. ومن هذه الأخيرة نذكر معامل البلاستيك التي كانت غير مرخّصة كأحد المعامل في منطقة كفريا، وتبيّن أنّه كان يسرق الكهرباء، وبعد أن تابعنا ملفّه أقفل المصنع وانتقل من كفريا إلى القرعون. كذلك هناك معملا آخر في منطقة ديرعين الجوزة وكان قد ركّب محوّلا كهربائيّا (ترانس) على الرغم من عدم امتلاكه رخصة أو أوراق رسميّة أو أيّ مستند لدى وزارة الصناعة يشرّع عمله. وقد أعطي مهلة شهرين ونصف لشرعنة وجوده أو الخروج من المنطقة".
وبالإضافة إلى هذه المصانع، يتابع نهرا، "تأتي الآبار الأورتوازيّة في سهل بلدة خربة قنافار ومكنات الماينينغ، الحديثة النشأة، تضغط على شبكة الكهرباء. وقد قمنا بدعوة رؤساء البلديات من عيتنيت وصولا إلى عمّيق، إلى اجتماع طارئ لحلّ أزمة الكهرباء، بعد الخسائر الكبيرة التي تكبّدها أهالي المناطق، ونسقنا مع النائب شربل مارون ومع شركة الكهرباء وجهاز أمن الدولة، وبدأنا بعمليّات الكشف والمسح للمصانع والمحلّات غير الشرعيّة في المنطقة. كما اجتمعنا مع أصحاب الشركات الذين يستهلكون الكمّيّة الأكبر من الكهرباء، كمعمل مياه عاليه في صغبين، معمل بروباغ في خربة قنافار، وهذه المعامل منظّمة وتستخدم الطاقة الشمسيّة في عملها، وتمّ التنسيق معهم لتقنين الكهرباء، سعيًا إلى تحسين ساعات التغذية، التي من المفترض أن تصل بقوّة 220 فولت إلى البيوت، فيما كانت تصل بقوّة 160 فقط".
ويلفت نهرا إلى "أننا وبفضل متابعتنا لملفّ الكهرباء والضغط على المعنيين لإيجاد حلول، تحسّن وضع الكهرباء في المناطق، والمعامل غير الشرعيّة بدأت بالإقفال، إلاّ أنّ ذلك لا يعني توقّف عمليّات سرقة الكهرباء.
وبناء على ما تقدّم، يبدو أنّ مسألة أزمة الكهرباء في منطقة البقاع الغربي بدأت بالحلحلة، إلاّ أنّ ما يصعب حلّه على ما يبدو هو الأمر الواقع الذي فرضته مخيّمات النازحين السوريين والتي لم تكتف بتلويث المناطق بمياه الصرف الصحي الناتجة عنها ومكبّات النفايات العشوائيّة، إنّما قرّرت الاستمرار بتدمير المنطقة عبر حرمان أهلها من حقّهم الطبيعي بالكهرباء. فهل يمكن أن يتحرّك المعنيّون لمرّة واحدة على الأقلّ، ويجدون حلا نهائيّا لهذه المعضلة؟