"ضيعة ضايعة" و"الخربة" مسلسلان يُعدّان تجربةً فريدةً في مشوار ممدوح حمادة كتابةً والليث حجّو إخراجاً، اللذين قدّما جزئين من "ضيعة ضايعة" في العامين 2008 و2010 وجزءاً واحدًا من "الخربة" في العام 2011.
العملان علامة فارقة في تاريخ الدراما السّوريّة والعربيّة، ولهما أبعاد تتعدّى حدود الدراما "المسليّة".
"أم الطنافس" أو في الحقيقة "السمرا" هي إحدى قرى محافظة اللاذقيّة في "ضيعة ضايعة"، بينما "الخربة" قرية من قرى محافظة السويداء.
قدّم المسلسلان بيئةَ منطقتَي "اللاذقية" و"السويداء" في قالبٍ دمجَ بين الكوميديا والكوميديا السّوداء الهادِفة، وعزّزا قطاعاً من قطاعات الدراما السّوريّة التي تسمّى "دراما المناطق"، متفوقين على أيِّ عملٍ قدّم "البيئة الحلبيّة" أو "الشّاميّة" في السّابق، فهنا التّركيز على الثّقافة لا في إطار القالب فقط بل من أجل التّوثيق وطرح قضايا قرى اللاذقية والسويداء. وقد يشبهما مسلسل "الزند" الذي قُدّم في رمضان الماضي (كتابة عمران أبو سعدة وإخراج سامر البرقاوي)، ولكن لا يُعد عملاً كوميدياً مكرِّساً للإطار المناطقي في خطوطه كما حصل في "ضيعة ضايعة" و"الخربة".
"أسعد" و"جودة" في "ضيعة ضايعة" هما صديقا الأيّام الخوالي، فقد رسم باسم ياخور والرّاحل نضال سيجري البسمة على وجوه ملايين المتابعين، ورغم الأذى الكبير الذي لحق بـ "أسعد" من "جودة"، لكنّ "أسعد" ببساطة "يحبّه" كما يقول لذا يتحمّل الضّرر. عنفٌ أُسريٌ في المسلسل لا يمكن أن يمر مرورَ الكرام ومعاملة دونيّة للمرأة في كثيرٍ من الأحيان، وحبٌ من خلفَ "الشبابيك" في حالة "سلنغو" و"عفّوفة"، ورئيس مخفر يعتمد على مساعدهِ المُخبر... لقطات لحياةٍ يوميّة تشبه حيوات أهالي بعض قرى اللاذقية.
"أم الطنافس" تعاني الأمرّين، فـ "البرينطيل" أو "كريم الشعر" علامة للبرجوازيّة في قريةٍ "سلنغو" يحاول فيها لأعوام النّجاح في الثّانوية العامّة لكن يفشل، ورغم ذلك يتعامل مع نفسه على أنهُ محامٍ حتّى قبل دخوله كليّة الحقوق، وعلى أنّه "الأكثر تفوقاً" في القرية التي تعاني من الحرمان والاستبعاد، فعلى طريقها العام يقفُ الأهالي ربّما لساعات بانتظار مرور باص مواصلاتٍ واحدٍ يوصلهم بالمدينة!
أمّا في "الخربة"، فحدّة الصّراعات أعلى بين عائلتين يترأسهما دريد لحّام ورشيد عسّاف، عائلة "بو قعقور" وعائلة "بو مالحة" اللتان تعوّلان على منافسةٍ تعتمدُ التّحصيلَ العلمي لتحقيق التفوّق على الآخرين، بين طبيبِ أسنان "مهمّته خلع الأضراس" وطبيبٍ بيطري كان أهله يظنون أنهُ يدرسُ الطبَّ في الخارج العام فخذلهم!
بينما "الرّفيق جوهر" يتنقّل من "تدشين" إلى آخر كصورةٍ عن "البعثي" الوفي، وراعي الأغنام فيّاض "يسرحُ" مع بقرةِ "معلّمه" دون جدوى... سوى الشّقاء.
في "ضيعة ضايعة" قدّم الرّاحل نضال سيجري "دورَ العمر"، وفي "الخربة" أطلَّ بلا صوت بعدما ضربَ السّرطان حنجرته الجميلة، فكانت مشاركته كضيفِ شرفٍ. بين العملين صورةٌ أُخرى لـ "سوريا الأطراف" و"سوريا الأرياف" بعيداً عن مركزيةِ الدراما في المسلسلات الدمشقيّة القديمة وفي المسلسلات الاجتماعيّة التي تعتمدُ العاصمة فقط مسرحاً للأحداث.
قراءةُ العملين بطريقةٍ متعمّقة تُعطى بعداً أخراً لهما، فقد سبقا بداية الأحداث الدمويّة في بلدٍ عانت فيه الأطراف من شبَحي السّلاح والنّزوح، بعدما كانت تعاني الفقر والحرمان والجّهل!