هذه الظاهرة تشكّل خطراً حقيقيّاً على المجتمع اللبناني، فيما يشهد الحراك الحكومي نوعاً من الخمول والكسل في التعاطي مع هذا الملفّ على الرّغم من خطورته
احتلّ مسلسل التسلّل غير الشّرعي للنازحين السوريين إلى لبنان المشهد السياسي والإجتماعي اللبناني من جديد، بعد أن انتشرت فيديوهات على مواقع التّواصل الإجتماعي، ووسائل الإعلام تظهر مئات الأعداد من السّوريين يتسللّون في ضوء النهار عبر الحدود غير الشرعيّة، فيدخلون الأراضي اللبنانيّة خلسة، فارّين من قبضة الجيش اللبناني. وإذا كانت الأعداد المتسلّلة إلى لبنان في ضوء النهار بالمئات فما حال الأعداد التي تدخل البلد خلسة في الليل؟
تلكّؤ حكومي
هذه الظاهرة تشكّل خطراً حقيقيّاً على المجتمع اللبناني، فيما يشهد الحراك الحكومي نوعاً من الخمول والكسل في التعاطي مع هذا الملفّ على الرّغم من خطورته. والتلكؤ الحكومي بدا ظاهراً في تنحّى وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال عبد الله بو حبيب عن مهمّته بترؤس الوفد اللبناني إلى سوريا، والذي كان من وظيفته البحث في ملفّ النزوح السّوري وصولاً إلى إيجاد حلول لإنقاذ لبنان من هذه المعضلة. أمّا رئيس الحكومة نجيب ميقاتي فوافق على تنحّي بو حبيب من دون أن يعيّن وزيراً بديلاً لرئاسة الوفد لزيارة دمشق.
يأتي ذلك بعد أن كشف النّائب الفرنسي تيري مرياني، عن قرار البرلمان الأوروبي الهادف لإبقاء النازحين السوريين في لبنان، ما أثار موجة من ردود الفعل الغاضبة في لبنان.
في المقابل، كان قد سبق تنحّي بو حبيب، زيارة لوزير المهجرين في حكومة تصريف الأعمال عصام شرف الدين إلى سوريا في حزيران الفائت، حيث التقى وزير الإدارة المحلّيّة والبيئة السوري حسين مخلوف، المكلّف بملفّ النازحين السوريين، ووزير الدّاخلية اللواء محمد الرحمون، وجرى خلال اللقاء عرض لملفّ عودة النازحين والتحضير للزيارة الرسمية المرتقبة للوفد الوزاري اللبناني المكلّف ببحث هذا الملف مع الحكومة السورية.
وأمام هذا "الغزو" السوري، أسئلة عديدة تطرح حول المخاطر الناتجة عن تفلّت الحدود؟ وسبب إهمال الدولة لهذا الملفّ، وعدم التعاطي معه بجدّيّة ورفض التواصل مع الجهّات الرسميّة في سوريا.
ضغوطات خارجيّة لإبقاء النّازحين في لبنان
وفي جوابه عن هذه الأسئلة، أكّد شرف الدين في حديث لموقع "الصفا نيوز"، أنّه "ومع الأسف تتعاطى الحكومة اللبنانيّة بخجل مع ملفّ النزوح السّوري، لسبب رئيسي، وهو أنّ هناك ضغوط من قبل الإتّحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركيّة والمفوضيّة العليا لشؤون اللاجئين، وهذه الضغوطات هي التي دفعت بالوزير بو حبيب للتنحّي عن مهمّته. بعد أن قرّر البرلمان الأوروبي على إبقاء النازحين في لبنان في المادة 13".
وأضاف شرف الدين، "نطالب اليوم رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بإحياء وفد جديد يترأسه وزيرٌ آخر لمناقشة العودة الآمنة للنازحين السوريين إلى سوريا مع السّلطات السوريّة المكلّفة بالملفّ، إلى جانب طرح ضبط الحدود، وتبادل المساجين بين لبنان وسوريا، وحلّ ملفّ مكتومي القيد وخدمة العلم وغيرها من المواضيع العالقة".
شرف الدين: "نطالب اليوم رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بإحياء وفد جديد يترأسه وزيرٌ آخر لمناقشة العودة الآمنة للنازحين السوريين إلى سوريا مع السّلطات السوريّة المكلّفة بالملفّ"
81 إرهابي دخلوا لبنان
وكشف شرف الدين عن "إحباط الجيش اللبناني عمليّة دخول أكثر من 8000 سوري بطرق غير شرعيّة إلى لبنان، في شهر واحد فقط وهو شهر آب. حيث تمّ إعادتهم إلى الحدود. فيما هناك أرقام كبيرة لسوريين تمكّنوا من الدخول إلى لبنان، ولا معلومات أو أرقام تحصي أعدادهم. ومّما لا شكّ فيه، بأنّ هؤلاء يشكّلون خطراً حقيقيّاً على لبنان في المستقبل. حيث تشير المعلومات إلى إمكانيّة تشكيل خلايا أمنيّة إرهابيّة، فمن أصل 5800 موقوف سوري داخل لبنان هناك 81 إرهابيًّا، إلى جانب عشرات المسلّحين".
وأكّد شرف الدين "وجود شبكات منظّمة على طرفَي الحدود، أمسكت بالمعابر غير الشرعيّة، تتاجر في تهريب البشر، وتساعد على إدخال النازحين عبر الحدود السوريّة إلى لبنان".
الدخول إلى لبنان بـ100$ دولار فقط
وهو ما نقلته مصادر أمنيّة في حديثها لموقع "الصفا نيوز" كاشفة أنّ كلفة "تهريب السوريين تبدأ من 100$، على الشخص الواحد، وهؤلاء ينقسمون بين عائلات وأفراد. يتلقّون المساعدة من أسر لبنانيّة وسوريّة على حدّ سواء. حيث يستقبل سكّان المناطق الحدوديّة هؤلاء في منازلهم، التي أصبحت ملجأ آمناً للمتسلّلين، إلى أن يتمكنوا من شقّ طريقهم إلى الوجهة المحدّدة لهم. فبعضهم يعمل على الدخول إلى لبنان بغية الإختباء لكون في حقّه مذكّرات توقيف، فيما قسم آخر يبحث عن لقمة عيش بسبب الأزمة الإقتصاديّة الصعبة في سوريا، أمّا القسم الثالث فيستخدم الأراضي اللبنانيّة معبراً للهجرة غير الشرعيّة، حيث تكون وجهته منطقة طرابلس في شمال لبنان، وهناك يستعين بزوارق الموت لنقله إلى إحدى الدّول الأوروبيّة. ومن أبرز الدول المستهدفة تأتي قبرص وتركيا ومن ثمّ إيطاليا".
فيما تتخوّف المصادر الأمنيّة "من بعض الخلايا الإرهابيّة المتسلّلة من سوريا إلى لبنان، بغية إحداث تفجيرات، واغتيالات. وهو ما تعمل الأجهزة الأمنيّة وتحديدًا مخابرات الجيش على ضبطه وكشفه".
عصابات منظّمة من عائلات لبنانيّة وسوريّة وعديد الجيش لا يكفي
فيما ترعى عمليّة دخول السوريين إلى لبنان، بحسب المصادر، "عصابات منظّمة، تعود لعائلات لبنانيّة تتعاون مع أخرى سوريّة، تسهّل دخولهم إلى لبنان عبر تسهيلات من الطّرف السوري، والتفاف على القوى الأمنيّة في الجهّة اللبنانيّة. وذلك لما تحقّقه هذه العمليّات من أرباح طائلة تبدأ من 10 آلاف دولار في اليوم لكلّ 100 سوري يدخل الأراضي اللبنانيّة خلسة. فيما حصّة المدنيين اللبنانيين المتعاونين تبدأ من 50 $ على الشخص الواحد وهو مبلغ "حرزان" لبعض الأسر اللبنانيّة الفقيرة القاطنة في القرى المتداخلة بين لبنان وسوريا ".
إلى ذلك تلفت المصادر إلى أنّ "عديد جنود الجيش اللبناني لا يكفي لضبط الحدود اللبنانيّة السوريّة المشتركة كاملةً، والممتدّة على طول 370 كيلومتراً. فلتغطية هذه المساحة يحتاج الجيش إلى 40 ألف عنصر فيما يبلغ عدد العناصر المولجة ضبط الحدود 8 آلاف عسكريّ فقط! ما يعني أنّ المساحة المؤمّنة فعليّا لا تتخطى الـ20%".
وعلى الرّغم من ذلك تقوم قيادة الجيش بمجهود جبّار، ضمن الإمكانيّة المحدودة المتاحة لها لإحباط سلسلة عمليّات تهريب بشر من سوريا إلى لبنان. كان آخرها إعلان القيادة يوم أمس عن إحباط عمليّة تهريب 1200 سوري، كما كانت وحدات من الجيش، بتواريخ مختلفة خلال الأسبوع المنصرم، أحبطت محاولة تسلّل نحو 1100 سوري عند الحدود اللبنانية السورية، سبقها بأسبوع إحباط محاولة تسلّل نحو 850 سوريّاً، وقبلها بأسبوعين، إحباط محاولة تسلّل نحو 700 سوري. فيما الأرقام أكثر بكثير، وهي صادمة لعدد المتسللين عبر الحدود الشماليّة والبقاعيّة مع سوريا.
إلى ذلك كان وزير الصحّة فراس الأبيض قد حذّر من دخول بعض السوريين إلى لبنان مصابين بجروح جراء التسلّل، وقد أُدخلوا إلى المستشفيات الحكومية في الشمال. فيما قامت الأخيرة بتطبيبهم دون تغطيتهم لتكاليف الاستشفاء. ما جعل الأبيض يطالب بالتفاوض مع مفوضية شؤون اللاجئين لإيجاد حلّ لهذه المشكلة.
مسلسل زوارق الموت مستمرّ وضحاياه بالمئات
على المقلب الآخر، وبالتوازي مع عمليّات التسلّل غير الشرعي من سوريا إلى لبنان، تنشط عمليّات تهريب البشر عبر البحر من منطقة الشمال، وكان آخرها بتاريخ 8 آب 2023، حيث أوقفت مديرية المخابرات في بلدات: ببنين، الميناء، دير عمار، سلعاتا، المنية، 15 لبنانيًّا و31 سوريًّا لقيامهم بالتّحضير لتهريب أشخاص عبر البحر بطريقة غير شرعية على متن مجموعة من المراكب، وجاء توقيف هؤلاء بعد المتابعة والتقصّي لعمليّات تهريب البشر عبر السواحل اللبنانية الشمالية باتجاه أوروبا.
كما قبضت دوريّة من مديريّة المخابرات بتاريخ 30 آب 2023، على المواطن (ي. د.) لمشاركته في تهريب أشخاص عبر البحر، في منطقة مشتل الزراعة – عكار.
وقد سبق ذلك، وتحديداً في الأوّل من آب، عرقلة قيادة الجيش عمليّة تهريب أشخاص، من سواحل العريضة على الحدود مع سوريا كانوا متّجهين إلى أوروبا، بعد إلقائها القبض على الرأس المدبّر لهذه الرحلة ويدعى (ش.ح.) من بلدة ببنين عكار. حيث كان من المفترض أن تقلّ الباخرة أكثر من 200 راكب، ولكن مباغتة مخابرات الجيش للرحلة قبل دقائق من إقلاعها، جعلت الباخرة تفرّ بمن حضر من الركاب وعددهم 110، بحسب المعلومات التي تمّ تداولها.
وهذه العمليّات ليست بالجديدة، فمسلسل قوارب الموت قديم جدًّا، إلاّ أنّ وتيرته تسارعت منذ اندلاع الأزمة الإقتصاديّة بعد عام 2019، بسبب ارتفاع نسب الفقر التي وصلت إلى 55% والبطالة التي ارتفعت ثلاثة أضعاف، متخطّية نسبة الـ38%، وغلاء المعيشة والتضخّم الذي بلغ 261% في أسعار الغذاء، وسط تآكل الرواتب بسبب خسارة العملة الوطنيّة لـ90% من قيمتها مقابل الدولار.
ووفق تصريح سابق لوزير الإعلام في حكومة تصريف الأعمال زياد مكاري، فقد شهدت سواحل الشمال اللبناني ما لا يقلّ عن 155 محاولة هجرة غير شرعية خلال الربع الثالث من عام 2022، شارك فيها 4637 شخصاً، وأدّت الى وفاة 214 شخصاً على الأقل، وفقدان 225.
إلى ذلك كشفت مصادر مطّلعة على ملفّ الهجرة غير الشرعيّة في حديثها لموقع "الصفا نيوز" كيف تتمّ عمليّة تهريب البشر، من لبنان، وتحديدًا من سواحل الشمال إلى الدول الأوروبيّة، مشيرةً إلى أنّ "الرحلات غالباً ما تنطلق بقوارب تتراوح سعتها بين 70 إلى 100 شخص، مسجّلةً باسم أحد المهاجرين، من منطقة الشّمال، حيث الهروب أسهل مقارنةً مع مناطق أخرى كبيروت والجنوب. وتبدأ الكلفة من 6 آلاف دولار للشخص الواحد، وهذا المبلغ لا يردّ حتى في حالة موت المهاجر، أو عرقلة عمليّة التهريب".
وإلى ذلك، أكّدت المصادر أنّ "عمليّات التهريب لا تقتصر على السوريين، بل تشمل مواطنين لبنانيين وفلسطينيين، بحق معظمهم مذكّرات توقيف. فيما هذه العمليّات تفشل بنسبة 30%، حيث يتمّ إمّا فضح المهرّب، وبالتّالي تُحبط العمليّة من قبل القوى الأمنيّة، أو تنتهي بغرق القارب وموت من عليه، أو تَعطّله قرب الشواطئ القبرصيّة، لتعيد الشرطة القبرصيّة هؤلاء إلى بلدهم".
وأمام هذا الواقع المرير، أصبح لبنان على فوهة بركان، يترقّب انفجاراً اجتماعيّاً قريباً، جرّاء الأعداد الهائلة من "النازحين غير اللبنانيين" الذين تسللوا داخل مجتمعه، بعضهم لنوايا خبيثة، تهدّد أمن مواطنيه. فهل من يتحرّك قبل فوات الأوان؟