أربع محطّات بمضون يصبّ في اعتبار لبنان ساحة مشرّعة للرّسائل

أكثر من محطّة مهمّة شهدها لبنان خلال شهر آب الفائت: وصول باخرة التنقيب عن النّفط ومباشرة العمل في البلوك 9، إرسال الموفد الرئاسي الفرنسي سؤالين مطلوب من بعض النواب الإجابة عليهما مطلع هذا الشهر، وصول المبعوث الأميركي المعني بملفّ ترسيم الحدود آموس هوكشتاين ثم وصول وزير الخارجية الإيرانية حسين أمير عبد اللهيان. لكلّ محطّة هدف ورسالة.

أربع محطّات بمضون يصبّ في اعتبار لبنان ساحة مشرّعة للرّسائل. فرنسا التي سحب الأميركيون دورها من مفاوضات ترسيم الحدود البحريّة مع إسرائيل، حضرت شركتها توتال لبدء الحفر والتنقيب عن الغاز في المياه الإقليمية اللبنانية. استبق الإحتفال بالحدث وصول الموفد الأميركي. أحاديّة الصورة والتفرّد بالمشهد الاقتصادي السياسي كانت هدفاً، أمّا الهدف الأكبر فهو تسريع وتيرة المفاوضات لانتخاب رئيس للجمهورية يشكّل ضمانة لنجاح المصالح. وهنا فحوى الوساطات التي تقوم بها فرنسا عبر موفدها الخاص جان ايف لودريان.

أيّام قليلة فاصلة عن عودته لزيارة لبنان مجدّداً لتسلّم أوراق "الامتحان الخطّي" الذي سلّم أسئلته إلى 38 شخصية سياسية في موقع المسؤولية للإجابة عليها. يدرسها ويحلّل أبعادها ثم يرفعها إلى إدارته للبناء عليها. هي فرصة لودريان الأخيرة التي منحته إيّاها اللجنة الخماسية التي انعقدت مؤخّراً في الدوحة، وإلّا فمندوب قطر حاضر للتحرّك ساعياً إلى لمّ الشمل في سبيل انتخاب رئيس للجمهورية والدفع باتّجاه قائد الجيش جوزف عون.

يرغب لودريان في حوار دعا إليه رئيس مجلس النواب "في شهر أيلول في المجلس النيابي لرؤساء وممثّلي الكتل النيابية لمدّة حدّها الأقصى سبعة أيام، وبعدها نذهب لجلسات مفتوحة ومتتالية، حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً ونحتفل بانتخاب رئيس للجمهورية". الفكرة ذاتها كان تطرّق إليها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله الدّاعي للحوار من دون أن يستجديه مع قوى المعارضة. وما دون ذلك فلا اتّفاق على الحوار في ظلّ التباعد بين الكتل السياسية. عودة لودريان محفوفة بمخاطر الفشل وربما تكون موضع تشكيك ما لم يتمّ الإعلان عنها عمّا قريب.

في ما يتصل بزيارة المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين فثمّة من يصرّ على أنّ الزيارة السياحية حملت أكثر من حقيقتها. لم يكن ممكناً أن تسمح أميركا لفرنسا التفرّد بحضورها في لبنان. هي التي تواكب خطواتها منذ انفجار المرفأ لتقضي على أيّ مبادرة أو تلغي مبرّراتها. بالتزامن مع بداية التّنقيب حضر المبعوث الذي حقّق نجاحاته في ملفّ الترسيم البحري، باحثاً عن أفق تقدّم مماثل في الترسيم البرّي. تبلّغ رسميّاً استعداد لبنان للبحث في تثبيت حدوده البرّيّة، فوعد ببحث الطّرح مع إسرائيل والعودة بالجواب الشافي. في ذهن الأميركيين أنّ الوضع المربك لرئيس وزراء اسرائيل قد يكون عاملاً مساعداً للحلّ. بنيامين نتنياهو المأزوم داخلياً يمكن الضغط عليه لسحب تنازل للترسيم البرّي، وإن كانت تلك فرضيّة غير ممكنة، إذ كيف لإسرائيل أن تنسحب من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والتسليم بأحقّيّة لبنان في النقطة B1 المختلف عليها مع لبنان، وهي نقطة استراتيجية لها.

مسار شاقّ وطويل خاصّة متى اقترن مع غياب رئيس للجمهورية في لبنان وهو ما تباحث بشأنه هوكشتاين مع المسؤولين اللبنانيين ناصحاً بسرعة إتمام الاستحقاق.

اقتران الإعلان عن نهاية زيارة هوكشتاين مع خبر وصول وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان ربما لا يكون صدفة، خاصّة وأنّها ليست المرّة الأولى التي يتواكب وصول الموفدين الإيرانيين مع الوفود الأميركية. كبير الديبلوماسيين الذي يتسلّم الملفّ النووي وملفّ المفاوضات مع أميركا بشأن الأسرى، والآتي من لقاء جمعه مع ولي العهد السّعودي محمد بن سلمان يحمل في جعبته نتائح بحث مستفيض حول اليمن ثم سوريا فلبنان.

جملة تطوّرات استجدّت في المنطقة كان عبد اللهيان ركناً أساسيا بتحقيقها ولديه معطيات جديدة حول ملفّات مختلفة سيضع المسؤولين في جوّها. أولى الرّسائل وأهمّها أنّ إيران حاضرة بين الدّول المعنيّة بلبنان واليمن على وجه الخصوص، وتقول معلومات مصادر ديبلوماسية أنّ وزير الخارجية الإيراني يحمل أفكاراً تتعلّق بملفّات إقليمية مشتعلة ليضع المسؤولين في لبنان في أجوائها، وعُلم أنّ السعودية حمّلت الموفد الإيراني أفكاراً تتعلّق بموضوع اليمن طلبت أسئلة بشأنها من حزب الله والعودة بردّ بشأنها، وربما يكون ذلك هو الهدف الأبرز من الزيارة.

وفي الشقّ اللبناني لم يحمل وزير الخارجية الإيراني جديداً رئاسياً، بل أعاد التأكيد على دور بلاده الإيجابي ووقوفها إلى جانب اللبنانيين في اختيار رئيس جمهورّيتهم، أي إثبات حضور وتسجيل موقف يأتي بمثابة ردّ على بيان اللجنة الخماسيّة، للقول أنّ للبنان الحقّ في انتخاب رئيسه من دون أيّ ضغوطات خارجيّة أو إملاءات. كما على اتّهام الرئيس الفرنسي إيران بالتدخّل في لبنان، والتأكيد على "الدّور البنّاء لإيران التي لا تهدف إلى زعزعة الاستقرار في لبنان، بل تدعم الحلول المتّفق عليها والتي تنبع من الداخل اللبناني وليس تلك التي تفرض عليه من الخارج".

أيّام قليلة ويصل سفير قطر الجديد إلى لبنان. وفد المخابرات القطري قلّما يغادر الأراضي اللبنانية، وتحرّكه يبقى في السّرّ ساعياً إلى ترويج ترشيح قائد الجيش بلا هوداة، وينتظر نضوج الظروف لمصلحته.

تزامن أربع محطات في شهر ليس صدفة. كلّ من هؤلاء يسعى إلى تعزيز أوراقه، الخطوط بين طهران وواشنطن مفتوحة وقد تمّ الإفراج عن 7 مليارات دولار لإيران، والمفاوضات بين إيران والسّعودية قطعت شوطاً ورغم ذلك يجزم حزب الله أن لا ربط بين المسارات المشار إليها وملفّ الرّئاسة في لبنان، الذي لا يزال البحث بشأنه في بداياته ولم يشهد خطوات عمليّة. ينتظر حزب الله لودريان ولا يعوّل على دور فرنسا، ويعتبر أنّ المملكة السعودية تراجعت خطوات إلى الخلف بينما لا ينوي الجانب الأميركي تسهيل انتخابات الرّئاسة في لبنان. واشنطن تتابع تطورات الساحة اللبنانية عبر موفديها، تتلقّى تقارير وتبعث بأخرى عبر صندوق المعارضة من دون أدنى تعويل على دور هذه الأخيرة.

لم يكن ما شهدته أروقة مجلس الأمن في ما يتعلّق بالتمديد لقوات اليونيفيل مجرّد محطّة عابرة. تمّ التمديد لعام إضافي، لكنّ النقاشات كانت حامية والقرار لم يكن إيجابياً وهو سيبقى سيفاً مصلتاً فوق لبنان متى أراد المجتمع الدولي ذلك. جلسة مجلس الأمن جاءت بمثابة رسالة إلى حزب الله الذي سيأتي جوابه عليها لاحقاً، سواء بالسياسة أو على أرض الواقع.