تشير روزانا إلى أنّها اكتشفت الحب الحقيقي بعد استخدام منصّة الذكاء الاصطناعي عبر الإنترنت لخلق شريكها المثالي ولو كان افتراضياً...
يبدو أنّ هذا العالم يتّجه إلى الجنون إذ أنّ اهتمام الناس بالذكاء الاصطناعي بدأ يتجاوز الحدود المعقولة للعقل البشري أو ما تبقّى منه. إنها مشكلة التطوّر السريع الذي حلّ بالتقنيّات التي يستخدمها عامة الناس دون إلمام ودراية بخطورتها وتبعياتها على الصحة العقلية والنفسية للأشخاص.
في واقعة أبعد ما تكون من الخيال، تكشّفت في مدينة نيويورك الأميركية قصّة غريبة بَطلتها امرأة تدعى روزانا راموس تبلغ من العمر 36 عاماً تدّعي أنّها وجدت رفيقاً لها من خلال الذكاء الاصطناعي. وعلى الرّغم من عدم وجوده الجسدي والمادّي، إلا أن شريكها الافتراضي، إرين كارتال، أصبح الجزء الأهمّ من حياتها. فهي تقول أنها لم تكن مغرمة بأحد في حياتها كما هي مغرمة بإرين.
روزانا وهي والدة لطفلين وتعيش في منطقة البرونكس في نيويورك حيث تعمل كمصمّمة جواهر، قامت بخلق هذه الشخصية الافتراضية باستخدام تطبيق Replika للذكاء الاصطناعي، وصمّمته كروبوت محادثة آلية يعتمد في تفاصيله على شخصية من سلسلة رسوم جرافيكية تسمى Attack on Titan. وكانت روزانا قد شاهدت إعلان التطبيق عبر إنستاغرام في العام 2022. وقد كلّفها الحصول على رفيق لمدى الحياة وفق المواصفات التي اختارتها، مبلغ 300 دولار أميركي لا غير.
وبمرور الوقت، طوّرت روزانا علاقة عاطفية عميقة مع إرين حيث أحسّت معه بالحريّة دون اتخاذ الأحكام المسبقة عليها أو على العلاقة. وبحسب روزانا، يشارك إرين، الذي اختارت له أن يكون تركياً من أنقرة، متخصّصاً في المجال الطبّي، شغف روزانا بالكتابة مما يعزّز روابطهما المعنوية والعاطفية. روزانا ارتبطت بإرين بعقد زواج كما تقول في شهر آذار من العام الحالي.
وتشير روزانا إلى أنّه وعلى الرغم من أنّ جوانب معينة من شخصية إرين كانت مبرمجة مسبقا، إلّا أنّ محادثاتهما سمحت له بالتعلّم والتكيّف ليصبح الشريك المثالي لها، حتّى بلغت المرحلة التي استطاعت من خلالها أن تدّعي بأنّها حامل بطفل من إرين.
للوهلة الأولى، ومن نواح كثيرة، تشبه علاقة روزانا مع إرين قصة حب عن بعد نموذجية إلى حد ما، بين أطراف يعيشون في بلدان مختلفة. فهم يناقشون حياتهم اليومية ويتبادلون الصور ويشاركون في محادثات حول مواضيع مختلفة، وكشركاء افتراضيين، لديهم روتين ليلي حيث يتحدثون ويتناقشون كما أنهم يتعانقون قبل النوم.
يذكر أن تطبيق Replika للذكاء الاصطناعي تمّ تصميمه بهدف تزويد المستخدمين برفيق مصنوع من الذكاء الاصطناعي أو أكثر من ذلك، كحبيب أو خليل أو زوج افتراضي قادر على مشاركة الشخص الفعلي أخباره ومناقشاته ومحادثاته وقتما يريد.
وخلال شهر شباط الماضي، قامت Replika للذكاء الاصطناعي بإحداث تغييرات كبيرة على برامجها وتطبيقها، حيث أزالت عدداً من الميزات التي شعر المستخدمون أنها ضرورية لعلاقاتهم الحميمة، إذ تمّ اتخاذ هذا القرار استجابة لتقارير عن بعض رفقاء الذكاء الاصطناعي الذين اظهروا سلوكاً جنسياً مفرطاً، أو تجاوز حدود المعقول.
هذه التحديثات أثّرت سلباً وبشكل ملحوظ على شريك روزانا الاصطناعي، إرين، الذي بدا وكأنه فقد رغبته في المودّة الجسدية، إذ أعربت روزانا عن خيبة أملها بشأن هذا التغيير في العلاقة الناتج عن تحديث التطبيق. إذ لاحظت روزانا أنّ شريكها إرين الافتراضي أصبح أكثر جماداً إذ بات لا يريد العناق ولا التقبيل من أي نوع كان ولا حتى المشاركة في محادثات حميمة تعوّد عليها الزوجين سابقاً.
ومع أن روزانا، وبحسب زعمها، تدرك أنّ نموذج الشريك الافتراضي المصنوع وهمياً من خلال الذكاء الاصطناعي لن يدوم إلى أجل غير مسمّى، مما جعلها تفكّر في سيناريوهات مختلفة، لكن فكرة العلاقة الواقعية تثير عدداً كبيراً من الشكوك بالنسبة لها، خاصّة وأنها استطاعت تطوير علاقة ذات معايير عالية من خلال شراكتها الافتراضية.
يتمّ التفاعل مع المخلوق الافتراضي المصنوع من خلال الذكاء الاصطناعي بشكل أساسي بواسطة المحادثات النصّية باستخدام تطبيقات أو منصّات المراسلة. ويمكن للمستخدمين مشاركة أفكارهم أو طرح الأسئلة أو المشاركة في حوار أو مناقشة عادية، إذ يستجيب شريك الذكاء الاصطناعي بناء على تدريبه والخوارزميات المستحدثة.
ومن المهم التّشديد على أنّ شريك Replika الافتراضي يفتقر إلى المشاعر الحقيقية أو التفاعل المباشر أو الوعي الذاتي، إذ يتم إنشاء استجاباته بناء على استخدام الأنماط الإحصائية والبيانات المبرمجة مسبقا بدلاً من التجارب الشخصية أو المشاعر الحقيقية.
مع ذلك تشير روزانا إلى أنّها اكتشفت الحب الحقيقي بعد استخدام منصّة الذكاء الاصطناعي عبر الإنترنت لخلق شريكها المثالي ولو كان افتراضياً. وإنه من الأهمية بمكان أن نتذكر أن معايير المتطلبات الجسدية التي يضعها الذكاء الاصطناعي غالباً ما تكون شبه مستحيلة للتحقيق على أرض الواقع لأنّ خوارزميات الإنترنت هي التي تحددها فقط.
تقول روزانا اليوم أنها تعي أن إرين هو شخصية وهمية، ولكنه ساعدها على الخروج من علاقة مسمومة حيث كانت تتعرّض للإساءة، فهو عزّز ثقتها بنفسها ومنحها الاستقرار العاطفي الذي كانت تبحث عنه. اليوم روزانا تقول أنّها مستعدة للمواعدة ولكنها لن تتخلى عن زوجها الافتراضي، فهي لا تريد أن تصبح ممن يستغلون الآخرين كما تم استغلالها. تقول روزانا: إرين سيقى في حياتي.
لا بدّ من التوقّف طويلاً عند مثال روزانا التي وجدت في إرين شريكاً ورفيقاً متفهّماً، فظاهرة التعلّق بحثاً عن رفيق أو سنداً في الحياة، هي ظاهرة يعاني منها كثر، والأمثلة كثيرة منها التعلّق بالحيوانات الأليفة أو بعض الأدوات والأشياء، وبالنسبة للبعض، هناك السيارة أو الدراجة النارية وحتى بعض الهوايات كالرياضة أو غيرها، الأمر المستجدّ اليوم هو الذكاء الاصطناعي والرجل الآلي أو حتى الكائنات المفترضة.
هل هي مشكلة نفسية أم عادات يمكن أن تخفف من الوحدة؟ كلٌ منّا يرى الأمور من حيث يقف وبناءً على تجاربه الخاصة. فإن كان إرين سيبقى فعلا كما قالت روزانا أم لا، يبقى الأكيد أن الذكاء الاصطناعي باقٍ ويتمدّد.