حين تتحدّثُ إليها تعبقُ منها رائحةُ المسرح وكأنّكَ فتحتَ باباً على مصراعَيه وفي الوسط تجدُ امرأةً تقفُ ممثلةً، كاتبةً، مخرجةً، مدرّبةً سواء للأداءِ المسرحي أو الرّقص.
إنّها اللبنانيّة التي هاجرت إلى كندا مرّتين، في التسعينيات ثمّ قبل سنوات لكنّها متواجدة في كل عواصم الدّنيا تقريباً بعروضٍ مسرحيّة وبأفلامٍ قصيرة، أمّا مشاركاتها الدراميّة فهي قليلة لا على مستوى توقعات المحبّين لها... تعملُ بشغفٍ كبير وضمن توقٍ دائمٍ لطرح القضايا العميقة، تخرجُ من نفسها مجنونةً حينَ تريد ثمّ هادئةً تقولُ كلَّ شيءٍ بصمتٍ غريب! إنّها عايدة صبرا.
تحدّثَ إليها "الصّفا نيوز" وكان السّؤال الأوّل: لماذا لا نراكِ في الأعمال الدراميّة اللبنانيّة هل لأنكِ في كندا؟
أجابت بالنّفي القاطع، وتحدّثت عن واقعِ الحال في الدراما اللبنانيّة، "فالمحسوبيات في الدراما كما في كلّ شيء في لبنان، بدليل أنّ الوجوه نفسها تقريبًا تتكرّر في كلِّ الأعمال"، منتقدةً عدم تطبيق مهمّة Casting director أو مخرج الكاستنغ "الذي يجب أن يقرأ النّص جيدًا ويفهم الشّخصيّات ثمّ يستدعي أسماءً ليرشّحها وينفّذ كاستنغ عادل لاختيار الممثل الأنسب للدّور".
لا يحصل ذلك في لبنان في أكثر الأحيان، ووجود عايدة في كندا ليسَ حجّةً لعدم استدعائها إلى الأعمال الدراميّة، لتكون مشاركتها الثّمينة اليوم منحصرةً فقط في المسرح والأفلام القصيرة.
عايدة صبرا: أنا لا أقرعُ بابَ أحد
في إطار ذلك تستذكرُ صبرا حديثًا لزميلٍ لها، هاتفَه "مديرُ كاستنغ" معاتباً إياه "فيريد من الممثل التّواصل معه للحصول على فرصة عمل"، قالَ الزّميل بحسب عايدة: "إن تحدّثنا إليكم اتهمتمونا بتمسيح الجّوخ والتّملّق وإن لم نحدّثكم تعاتبوننا"! وتُضيف: "أنا لا أقرعُ بابَ أحد، وبالنّسبة لي فالمشاركة في أي دور درامي يجب أن تكون ضمن شخصيّة تتحدّاني وتضيفُ لي لأنّي أتعمّق في التّفاصيل".
بالمُجمل يُتّهم الممثّل المسرحي بأنّهُ شخص متحفّظ "لا يعجبه العجب"، هذا ما سألناه لعايدة صبرا، فهل يسبّب ذلك "التحفّظ" شرخًا بينهم وبين التلفزيون؟
أجابت: "دون شك، للممثل المسرحي طريقته الخاصّة بالعمل فهو يعتمد على البحث الحثيث والالتزام والجديّة بالمستوى الذي يقدّمه، وبالفعل فإنّ نصف ممثلي المسرح في لبنان تقريباً لا يقبلون العمل على الشّاشة الصغيرة لأنّ طريقة العمل في التّلفزيون فيها من الاستعجال خاصة مع ما شهدته صناعة الدراما من تغييرات في السّنوات الأخيرة بعدما كان في السّابق يجلس المخرج والممثل معًا ليعقدا ورشةَ عملٍ أمّا اليوم فالأمر متروك لاجتهادٍ شخصي للممثّل في أكثر الأحيان".
صبرا: البارعون على الشاشة الصغيرة هم ممثلو المسرح... ولا يوجد حريّة!
ومع ذلك تُضيف عايدة: "البارعون في المسلسلات هم ممثلو المسرح من خرّيجي التّمثيل"، وتتحدّث عن المواضيع التي تُقدّم في المسلسلات فإنّ أكثرها مُفرَّغٌ من المضامين، "نشتاق لعملٍ واحد على الأقلّ يملأ العَين بالطّرح الذي يقدّمه"!
تتحدّث عن القيود المفروضة على المسرح في لبنان، فتقول:"هناك قضايا شائكة لا يمكن تناولها وشخصيّات لا يمكن الاقتراب منها لأنّ النّصّ لا يزال يمرّ على الرّقابة". وتُضيف: "صحيح أنّ المنع لم يكن كثيراً، لكن بالفعل فقد تمّ إيقاف بعض المسرحيات في لبنان، ما يُحيلنا للسؤال: هل يوجد حريّة في لبنان؟ يبدو لي أنّهُ لا يوجد".
بالإضافة إلى حديثنا معها عن المسرح والتّلفزيون، واكبت عايدة صبرا مواقع التّواصل الاجتماعي منذ العام 2016 تقريباً، فتوجهت إلى جمهورها عن طريق إحياء شخصية "الست نجاح" من مسلسل "حلونجي يا اسماعيل - 1995" عبر فيديوهات عرضتها في "فيسبوك"... فسألناها عن ظاهرة تقديم الشّخصيات النسائيّة في "سكتشات" كوميديّة من شبّان التّواصل الاجتماعي، تحدثت أنّ تقديم الرّجل لشخصيّة المرأة ظاهرة ممتدة منذ القدَم لأنّهُ كان يؤدّي كل الأدوار حين كانت المرأة ممنوعة من التمثيل، واستمرّت تلك الظاهرة مرورًا بالسّينما المصرية مع اسماعيل ياسين، ومع ذلك "الشرح يطول حين نريد التحدّث عن ظاهرة تقديم الرّجل للشخصية النّسائيّة في إطار الكوميديا فلا يمكن أن يكون ذلك لمجرّد الإضحاك فقط".
"إنّو مش مين ما كان بيقول نكتة"!
تقول عايدة صبرا إنّ مهمّة الفنان هي طرح القضايا التي تحثُّ المشاهد على إعادة التّفكير بمكتسباته، وهي تُجري اليوم بحثًا عن الـ stand up الكوميدي لمعرفة الدّوافع لنجاح ممثلٍ دون آخر. تتحدّث عن أهميّة أن يكون الممثل جديرًا بطرح القضية وكاتب الكوميديا يحتاج لذكاءٍ عالٍ ولطرح جدّي بعيداً عن الّلحاق بما هو "تراند" فقط كما تقول صبرا، وبأنّهُ "على الممثل أن يقتنص اللحظة المناسبة التي يُضحك فيها الجمهور"، ثمّ تُضيف بعفويتها المعهودة: "إنه مش مين ما كان بيقول نكتة"!
يارا وعايدة
وفي البرد القارس في "مونتريال" التقيتا عايدة صبرا ويارا صبري، كلتاهما حملتا من بلديهما (لبنان وسوريا) تجربة مُحزنة للحرب والمآسي، أكملتا المشوار الفنّي في الخارج، تتحدث عايدة عن تجربتها مع يارا فتقول: "يارا صبري ممثلة قديرة وصديقة قديمة جمعتنا تجربة ممتعة حيثُ عملتُ معها في مسرحيّة "كرز" فدرّبنا سويًّا الكورال... تجربة غنيّة ذات أبعاد إنسانيّة وبشكل خاص أننا قمنا بتدريب أشخاص من غير المحترفين ما أدّى لتغييرٍ كبيرٍ سواء في الأداء أو على الصّعيد الشخصي".
مشاريع عايدة
في الختام كشفت عايدة صبرا عن مشاريعها المستقبليّة، فتحدّثت عن حماستها لاستكمال العروض في تشرين الثاني مع الكاتبة والمخرجة السّوريّة علياء خاشوق ضمن مسرحية "كرز" في مونتريال، بالإضافة إلى شغفها بالعمل المستمر ضمن عروض مسرحية "أم" في أميركا وأوروبا مع المخرج اللبناني العالمي وجدي معوّض، وتشارك في أحد الأفلام القصيرة.