فيما يستمر ترقّب ما يذهب إليه البعض، بأنّ الذكاء الاصطناعي سيوفّر وظائف جديدة، لكنّها تختلف عن الوظائف التقليديّة، بل تخلق سوقاً جديدة لوظائف عدّة تتعلق بالبرمجة والتصحيح والابتكار؟

"الذكاء الاصطناعي سيؤدّي إلى خسارة ملايين الأفراد لوظائفهم خلال السنوات القليلة المقبلة، ليتمّ استبدالهم بالآلات التي يتمّ تدريبها حاليّاً للقيام بالوظائف بشكل أفضل". هذا الكلام يبدو أنّه يتحقّق وبأسرع مما كان البعض يخشى.

فيما يستمر ترقّب ما يذهب إليه البعض، بأنّ الذكاء الاصطناعي سيوفّر وظائف جديدة، لكنّها تختلف عن الوظائف التقليديّة، بل تخلق سوقاً جديدة لوظائف عدّة تتعلق بالبرمجة والتصحيح والابتكار؟

بالعودة إلى خسارة الموظفين لعملهم لصالح الذكاء الاصطناعي، وفي سابقة خطيرة، قام سوميت شاه، الرئيس التنفيذي لمنصة (Dukaan) التجارية إلكترونية الهندية، بفصل 90 في المئة من موظّفي دعم العملاء في الشّركة، مبرّراً القرار بأنّ الذكاء الاصطناعي وروبوتات دردشة الذكاء الاصطناعي قد تفوّقت عليهم بأداء مهامهم وسرعة الاستجابة.

يقول الرئيس الشاب الذي يبلغ من العمر 31 عاماً: "لقد كان إعلاناً قاسياً بشكل غير عادي وغير مسبوق، ومن الواضح أنّ وقْعه لم يكن جيّداً ولم يستقبله مجتمع مستخدمي الإنترنت بشكل جيّد".

وأضاف سوميت شاه "اضطررنا إلى تسريح 90 في المئة من فريق الدعم لدينا بسبب تفوق روبوت دردشة الذكاء الاصطناعي عليهم بالقيام بالمهام الموكلة إليهم". ووصف شاه بتغريدة على تويتر الأمر بالصّعب، لكنه ضروري". وعرض شاه في تغريدته للنتائج المحقّقة لجهة سرعة الاستجابة تحديداً وانخفاض الكلفة على الشركة بما يقارب الـ 85 في المئة.

تجدر الإشارة إلى أنّ الخدمة التي يتحدّث عنها شاه هي خدمة الشات بوت، هي عبارة عن برمجية كمبيوترية خاصة كان يتم تزويدها بعدد من الإجابات المحددة للرد على الزبائن وربطهم بخدمات ضمن نطاق المؤسسة. إلّا أنّ هذه الخدمة تتطوّر بشكل كبير ومستمر بعد دخول تقنية الذكاء الاصطناعي على الخط. حيث أصبح بإمكان الشات بوت أن تجيب على مسائل عدّة فإذا كانت موصولة على سيرفر الشركة وخزائن المعلومات فيها فإنها تستطيع توفير كافة المعلومات المطلوبة تماماً، كما بات بإمكان أيّ برنامج ذكاء اصطناعي أن يجيب على الأسئلة العامة.

وفي سلسلة طويلة من التغريدات المليئة بلقطات من أفلام الحركة والخيال العلمي مثل "iRobot" و "Limitless" ، جادل شاه بأنّ أوقات الاستجابة انخفضت من أكثر من ساعتين إلى أقل من دقيقتين مقارنة بين الموظفين من البشر وروبوتات الذكاء الاصطناعي"chatbot".

لكن في المقلب الأخر، يشير البعض إلى أنّ القرار مردّه إلى فشل الرئيس التنفيذي بتحقيق الأرباح ممّا اضطرّه إلى خفض ميزانية دعم العملاء إلى 100 دولار فقط في الشهر، ومن الطبيعي ألّا تكون هذه الميزانية قادرة على تحمّل مصاريف قسم الدعم البشري.

ففي تغريدة دفاعية، قال أحدهم: "لا تخطئوا. فقد تم تسريح فريق الدّعم هذا لأن العمل فاشل والتمويل جاف، وليس بسبب الذكاء الاصطناعي"، في حين أشار آخرون إلى أنّ جودة خدمة عملاء "دكّان" انخفضت بشكل كبير.

وفي تغريدة أخرى، ذكر أحد العملاء بأنّ روبوتات الذكاء الاصطناعي كانت عاجزة عن إعطائه ما كان بحاجة إليه: "حاولت تعديل أسئلتي بعدّة طرق لأنّني أعلم أنّه كان روبوتا، لكن الأجوبة كانت غير صحيحة في كلّ مرة. لقد كنت محبطا وفي النهاية لم يكلّف الروبوت نفسه إيجاد الأجوبة الصحيحة، لذا لم أجدّد اشتراكي في المنصة".

وكتب أحد مستخدمي (Reddit) "أنا مرعوب من المستقبل حيث يبدو أنّه لن نتحدث أبداً إلى إنسان مّرة أخرى في خدمة دعم العملاء، ممّا يعني أنّنا لن نحلّ مشكلة أبداً، بل سيتمّ تمريرك بين روبوتات عدّة وقد نضيع في فضاء روبوتي".

من جهته، قال شاه إنّه لم يكن لديه أيّ خيار آخر - على الرّغم من أنّه قال إنّه يأسف لاضطراره إلى التكلم عن عملية تسريح العمّال من خلال وسائل التواصل الاجتماعي.

وقال: "بمرور الوقت، سيبدأ الجميع بالقيام بذلك". لسنا الوحيدين. بل قد أكون الوحيد الآن، ربّما، كنت صريحاً أكثر من اللازم لأنشر هذا الأمر وأناقشه على تويتر ".

من الملفت للنظر أن شاه ليس مخطئا تماما، إذ من الملاحظ أنّ عدداً كبيراّ من شركات التكنولوجيا أعلن مؤخّراً عن تسريح موظّفين، في حين تقوم هذه الشركات بمضاعفة استثماراتها في تطوير الذكاء الاصطناعي والتقنيات المستقبلية.

مع ذلك لا يزال التكهّن صعباً، حيث يحذّر الباحثون من أنّ الكثير من الوظائف سيتم أخذها من البشر ومنحها للروبوتات في المستقبل القريب.

فيما يشير البعض إلى أنّ نشر عملية التسريح وإشهارها على تويتر ليس عمليّة إنسانيّة، بل توضح قلّة اهتمام الرؤساء التنفيذيين بالأشخاص الذي عملوا معهم أو لا زالوا يعملون معهم خاصّة الشركات التي تعنى بالأمور التكنولوجية، وليس تصرّف شاه إلا مثالاً بسيطاً.

على صعيد آخر قد يكون صحيحاً أنّ الخدمة التي يوفّرها الذكاء الاصطناعي بشكلها الحالي ليست مثالية بل تحتاج للمزيد من الوقت وتطوير المهارة، وهذا ما هو عليه مسار الذكاء الاصطناعي والتعلّم الذاتي للآلة، حيث أن أجهزة الذكاء الاصطناعي أصبحت تحصّل المعرفة من تلقاء نفسها، وكلّما تمّ ربطها بشبكات وأجهزة حاسوبية عملاقة ومكتبات، كلّما طورت ذكاءها وأسلوب عملها وطريقة تعاملها مع ما يُطرح عليها من مسائل.

خطوة دكان قد تكون لأسباب مالية أو مهنيّة ولكنها على الأرجح أتت مبكرة، إلّا أنّه من المتوقّع أن يليها خطوات مشابهة ستقدم عليها مؤسسات أخرى مستفيدة من سرعة تطور الذكاء الاصطناعي الذي أثار قلق مجلس الأمن الدولي، ودفع الأمين العام للأمم المتحدة إلى دقّ ناقوس الخطر بمواجهة هذا التهديد الذي يواجه الإنسانية جمعاء. واستدعى دعوات لوضع قيود على تطوير الذكاء الاصطناعي واستخداماته المثيرة للقلق.