في ظلّ انسداد الأفق العربيّ والإقليمي وانشغال دول الشّرق الأوسط بمشكلاتها التي بدأت منذ ما قبل انطلاق الرّبيع العربيّ ولم تنتهِ حتّى الآن، كثيرون يبدون قلقاً كبيراً للأحداث المتسارعة التي تشهدها المنطقة، فمنذ المفاجأة التي فجّرها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان عقب إعلان بلاده التوصّل إلى اتّفاق مع إيران مروراً بدعوة الرئيس السوري بشار الأسد لحضور القمّة العربيّة الأخيرة التي انعقدت في جدّة
لأنّ الصدفة لا يمكن أن تتكرّر مرّتين اثنتين، تعتبر مسألة إستفزاز المسلمين من خلال حرق وتدنيس نُسخٍ من القُرآن الكري مقصودة وبتوجيه خارج عن إطار الفرديّة، خصوصاً وأنّ من يُقدِم على هذه الفعلة لاجئ في السويد من أصل عربي (عراقي - مسيحي)، وقد اقدم هذه المرّة أيضاً على حرق صور شخصيات دينية شيعية بارزة في العراق وإيران ما يدعو إلى الرّيبة والقلق أكثر، لأنّ المقصودين بالإستفزاز هم "شيعة" منطقة الشرق الأوسط.
وفي ظلّ انسداد الأفق العربيّ والإقليمي وانشغال دول الشّرق الأوسط بمشكلاتها التي بدأت منذ ما قبل انطلاق الرّبيع العربيّ ولم تنتهِ حتّى الآن، كثيرون يبدون قلقاً كبيراً للأحداث المتسارعة التي تشهدها المنطقة، فمنذ المفاجأة التي فجّرها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان عقب إعلان بلاده التوصّل إلى اتّفاق مع إيران مروراً بدعوة الرئيس السوري بشار الأسد لحضور القمّة العربيّة الأخيرة التي انعقدت في جدّة، كلّها أحداث كانت ولا تزال تدفعنا إلى سؤال بقيَ حتّى اليوم من دون إجابة: "ما هو الثّمن الذي دفعته الرّياض لواشنطن مقابل الإتفاق مع أعدائها في المنطقة مثل طهران (ومن يدور من دول المنطقة في فلكها)، فضلاً عن الانفتاح على بكين والصداقة مع الدبّ الرّوسيّ؟
لم تتنكر واشنطن للدّور الذي لعبته لإنهاء المبادرة الفرنسية الرّامية لإنهاء الشّغور الرّئاسي
راسخة هي القناعة عند الأعداء قبل الحلفاء، بأنّ السياسة الأميركية لا تقوم إلّا على مبدأ الثّمن والثّمن المقابل، إذ لا تندرج في قواميسها معاني الخسارة، فهل خروج القرار السعودي من يدها سيمرّ بهذه البساطة؟
وقد بدت بوادر ذلك لبنانياً، إذ لم تتنكر واشنطن للدّور الذي لعبته لإنهاء المبادرة الفرنسية الرّامية لإنهاء الشّغور الرّئاسي، بعدما أوعزت إلى مصر وقطر بعرقلة مهمّة الموفد الفرنسي جان ايف لودريان خلال الإجتماع الخماسي في الدوحة مطلع الأسبوع الحالي.
وبالعودة إلى حادثة تدنيس المصحف الكريم، فللمرة الثّانية وفي غضون أسابيع قليلة أقدم اللاجئ العراقي "سلوان موميكا"، أمس، على تمزيق العلم العراقي ونسخةً من القرآن الكريم، بالإضافة إلى صور شخصيات دينية بارزة، من بينها زعيم التيار الصدري العراقي، مقتدى الصدر، والمرشد الإيراني، علي خامنئي، أمام السفارة العراقية في ستوكهولم.
في المقابل، أعلن رئيس مجلس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، طرد سفيرة السويد لدى بغداد، جيسيكا سفاردسترم، بعد احتجاجات تخلّلها حرق مقر السفارة السويدية في بغداد من قبل المئات من أنصار التيار الصدري.
كذلك، قرّرت بغداد سحب تراخيص عمل شركة "إريكسون" السويدية للاتصالات وإنهاء عملها على كامل الأراضي العراقية. وفي وقت سابق، سمحت الشرطة السويدية لـ"موميكا"، بتنظيم تجمّع صغير أمام السفارة العراقية في ستوكهولم حيث كان يعتزم المنظّم حرق نسخة من المصحف والعلم العراقي، مؤكدةً أنّ الإذن لم يُمنح على أساس طلب رسمي لإحراق كُتب دينية، بل على أساس إقامة تجمّع عام سيتمّ التعبير خلاله عن "رأي" بموجب الحق الدستوري بحرّيّة التجمّع، فيما قال متحدث باسم الشرطة "إنَّ ذلك لا يعني أنها توافق على ما سيجري".
وأثارت الواقعتان ردود فعل مندّدة في العالم الإسلامي.
لبنانياً
صدر عن وزارة الخارجية والمغتربين في بيروت البيان الآتي: " تعرب وزارة الخارجية والمغتربين عن استهجان اللبنانيين، لما يرمز إليه لبنان من نموذج للعيش المشترك بين الأديان والحضارات، وإدانتهم السماح مرّة أخرى الإساءة إلى القرآن الكريم في استوكهولم، مما يشكّل انتهاكاً مستمرّاً لمشاعر المسلمين وكرامتهم. تدعو الوزارة السلطات السويدية لاتّخاذ الإجراءات المناسبة لوضع حدّ لكلّ ما من شأنه تعميق مشاعر الكراهية والاسلاموفوبيا، والعنصرية بكلّ أشكالها، والتّحريض على العنف، والإساءة للأديان".
وعمّت التظاهرات بعض شوارع الضاحية الجنوبية لبيروت وفي ساحات عدد من المساجد في مناطق متفرّقة من لبنان، تنديداً بالحادثة، وذلك بعدما دعا أمين عام حزب الله، السيد حسن نصرالله، خلال كلمته أمس، المصلّين اليوم الجمعة، إلى الاعتصام بعد الصلاة، مطالباً الدول الاسلامية والعربية بسحب سفرائها من السويد.
سبق وتقدّم وزير الداخلية حسن السّبع بالاستقالة عام 2007 بعد حرق مبنى القنصلية الدانمركية
في غضون ذلك، أصدر المفتي الجعفري الممتاز، الشيخ أحمد قبلان، أمس، بياناً بخصوص الحادثة الجديدة لتدنيس القرآن الكريم في السويد، جاء فيه: "للسلطات السويدية أقول.. القرآن الكريم أقدس مقدّساتنا، وأشرف مصحف تتلهف له حقائق الكون والوجود، ودونه النّفس والأهل والمال والولد والبلد وكل موجود على الإطلاق".
وأضاف: "وعليه فإنّ سماح السلطات السويدية بحرق القرآن الكريم أو دوسه بالأقدام جريمة أكبر من كل طغيان العالم، ولن نسكت، والسكوت هنا جريمة بحجم إبادة البشرية جمعاء، وممارسة الخداع عبر قناع الحرّيّة لا يعنينا، ولا يوجد بالعالم أحقر من السلطات السويدية التي ترتكب أسوأ جريمة ثقافية وكونية باسم الحرية".
يُذكر أنّها ليست المرّة الأولى التي تشهد فيها البلاد توتّراً من هذا النّوع، فقد سبق وقدّم وزير الداخلية والبلديّات الأسبق حسن السّبع في العام 2007 استقالته على أثر الأحداث التي شهدتها البلاد بعد إحراق مبنى القنصلية الدانمركية في بيروت عقب الإساءة للرّسول الأكرم محمد، والتي تبعها أحداث أمنية كبرى شهدها لبنان ما استدعى عودته عن الإستقالة.
وأحرقت أول نسخة من المصحف الشريف في السّويد في كانون الثاني من هذا العام، على يد المتشدّد السويدي الدنماركي اليميني راسموس بالودان للتنديد بطلب السّويد الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي والتفاوض مع تركيّا لهذا الغرض، فيما جاءت المرّة الثّانية على يد "موميكا" عندما تظاهر أمام أكبر مسجد في ستوكهولم يوم عيد الأضحى الفائت.