نحو مليار طفل تعرضوا إلى العنف البدني أو الجنسي أو الوجداني أو عانوا من الإهمال في العام الفائت، هذا ما أفاد به تقرير صادر عن منظمة الصحّة العالمية في تشرين الثاني 2022، وفضلاً عن تعداد أشكال العنف وتأثيراته، تولي المنظّمة أهمّية كبرى للتوعية والتحذير من مخاطره عبر توصيات وبرامج عالمية للوصول إلى عالم خالٍ من العنف ضدّ الأطفال.
لبنانياً، يمثّل توجّه الأهل بأطفالهم نحو دور الحضانة ملاذاً يُعينهم على الرعاية بهم خلال انشغالاتهم طيلة أيام الأسبوع (أيام عمل الأبوين)، إذ لا يندرج هذا الخيار تحديداً في إطار التَرف، أو ربما تحول من التَرف أو "الكماليات"، إلى أقصى الأولويات في ظل ما يشهده لبنان من وضع اقتصادي سيئ يرغم الأبوين على العمل من أجل الاستمرار أو تحقيق الحدّ الأدنى من سبل العيش الكريم.
وكالنار في الهشيم انتشر، مساء أمس الإثنين، مقطع فيديو من داخل أحد دور الحضانة في لبنان، ويظهر تعدٍّ وحشيّ من قبل من يفترض أنّها "مربّية" على عدد من الأطفال الرضّع خلال إطعامهم أو التعامل معهم.
الفيديو أثار موجة غضب عارمة عبر مواقع التواصل الإجتماعي، حيث استنكر الناشطون عبر حساباتهم ما شاهدوه، مشّددين على أهمّية إنزال أشدّ العقوبات بحقّ "المربية"، فيما راح البعض الآخر إلى أبعد من ذلك وقد شارك مع متابعيه صوراً للمعتدية وتفاصيل عن هويّتها بالاضافة إلى إسم الحضانة من أجل التشهير بهم لكي تلقى العقوبة المناسبة.
وبين من طالب بإنزال أشدّ العقوبات بحقّ "المجرمة" وعدم الاكتفاء بذلك إلّا لتنفيذ حكم الإعدام بحقّها. من جهتها أفادت وزارة الصّحّة في بيان لها بأنّه "بناءً على قرار وزير الصّحّة إثر توافر معطيات مؤكّدة أظهرها التحقيق السّريع في قضية تعنيف أطفال في حضانة "Garderêve" بمنطقة المتن الشمالي، تمّ التواصل مع قائمقام المتن مارلين حدّاد لإجراء المقتضى القانوني حيث تمّ إقفال الحضانة بالشمع الأحمر".
وفي تصريح له، دعا وزير الصّحّة في حكومة تصريف الأعمال فراس الأبيض القضاء إلى"إنزال أقصى الإجراءات العقابية بحقّ المرتكبين"، مؤكّداً أنّ الإقفال" لا يكفي ويجب أن يكون العقاب عبرة لمن اعتبر".
القاضية المنفردة في بعبدا النّاظرة في قضايا الأحداث في جبل لبنان جويل أبو حيدر أصدرت قراراً بإقفال الحضانة، الأمر الذي حظي بترحيب كبير من قبل المتابعين للقضية، الذين شدّدوا على أهمّية استكمال هذه الخطوة وعدم الاكتفاء بها، بدءاً من محاسبة المعتدية وتوقيفها وصولاً إلى اتخاذ وزارة الصحة العامّة صاحبة العلاقة المباشرة والمسؤولة عن دور الحضانة في لبنان الإجراءات المناسبة والمتشددة لضمان عدم تكرار مثل هذه المأساة.
كذلك، أوضحت قوى الأمن الداخلي عبر حسابها على "تويتر" أنّه "في سياق التحقيق من قبل مفرزة الجديدة القضائية على أثر انتشار فيديو هزَّ الرأي العام وأظهر إستياءه حول تعرّض اطفال للضرب والتعنيف داخل احد دور الحضانة، أُوقف ليل أمس 10/7/2023 كل من المدعوّتَين د. ح. (1979) و ط. م. (1985).التحقيق مستمرّ معهن بناءً لإشارة القضاء".
في سياق التحقيق من قبل مفرزة الجديدة القضائية على أثر انتشار فيديو هزَّ الرأي العام وأظهر إستياءه حول تعرّض اطفال للضرب والتعنيف داخل احد دور الحضانة، أُوقف ليل أمس 10/7/2023 كل من المدعوّتَين د. ح. (1979) و ط. م. (1985).التحقيق مستمرّ بناءً لإشارة القضاء.#قوى_الأمن #الأمن_أمانة pic.twitter.com/RNVdBmwzmA
— قوى الامن الداخلي (@LebISF) July 11, 2023
كذلك، منظمة الصحة العالمية عدّدت تأثير العنف على الأطفال:
-القتل الخطأ، الذي غالباً ما ينطوي على أسلحة كالأسلحة البيضاء أوالأسلحة النارية، وهو من بين أعلى ثلاثة أسباب للوفاة لدى المراهقين، حيث يشكّل الفتيان أكثر من 80 في المئة من الضحايا والجُناة.
-ضعف النمو العقلي ونمو الجهاز العصبي، اذ إن التعرّض للعنف في مرحلة عمريّة مبكرة يمكن أن يُضعِف النمو العقلي وأن يضرّ بأجزاء أخرى من الجهاز العصبي، فضلاً عن الغدد الصمّاء، والدورة الدموية، والنسيج العضلي الهيكلي، والأجهزة التناسلية والتنفّسية والمناعيّة، مع ما يترتّب على ذلك من عواقب ممتدّة طيلة العمر. وعليه فإن العنف ضد الأطفال يمكن أن يؤثّر سلباً على النمو الإدراكي وأن يؤدي إلى ضعف مستوى التحصيل الدراسي والإنجاز المهني.
-تكيّف سلبي وسلوكيات تنطوي على مخاطر صحية، وغالباً ما يتّجه الأطفال المعرّضون للعنف والأعمال العدائية الأخرى إلى التدخين والإدمان على الكحول والمخدرات، والانخراط في سلوك جنسي شديد الخطورة. كما ترتفع لديهم معدلات القلق والاكتئاب والمشاكل الصحية النفسية الأخرى التي يمكن أن تؤدي إلى الانتحار.
-الإصابة بأمراض مزمنة مع تقدّم الأطفال في العمر، وتُعزى المخاطر المتزايدة للإصابة بأمراض القلب أوالأوعية الدموية أوالسرطانية أو داء السكري وغيرها من الأوضاع الصحية بدرجة كبيرة، إلى التكيّف السلبي والسلوكيات المنطوية على مخاطر صحية والتي ترتبط بالعنف.
-التأثير على الأجيال المقبلة، إذ انه وعلى الأرجح يسبب العنف ضد الاطفال الى تسرّبهم من المدارس، كما يواجهون صعوبات في إيجاد فرص عمل والحفاظ عليها، ويتعرّضون لمخاطر متصاعدة بالوقوع ضحايا للإيذاء و/أو ارتكاب عنف شخصي موجّه للذات لاحقاً، وبذلك يمكن أن يؤثّر العنف ضد الأطفال على الجيل الآتي.
ونتحفّظ في "الصفانيوز" عن نشر الفيديو الذي يظهر ما تعرّض له الأطفال الرضّع من سوء معاملة يمكن وصفه بالـ "اعتداء جرمي" لما يتضمنّه من مشاهد مؤذية.