في زيارته رسم الموفد الفرنسي خارطة للواقع السياسي من وجهة نظره، معوّلاً على تقارب داخلي ممكن بين الفريقين المختلفين

تؤكّد مصادر مواكبة للحراك الرّئاسي أنّه "من المبكر الحديث عن خيار رئاسي ثالث. لا الثنائي الوطني مستعدّ للتخلّي عن ترشيح سليمان فرنجية، ولا المعارضة تراجعت عن تأييد المرشّح جهاد أزعور". من حيث المنطق فإنّ الاستحقاق الرّئاسي لن يستقيم إلّا بخيار مرشّح ثالث خارج الترشيحين الموجودين، لكنّ السؤال هل أنّ الأجواء الراهنة مؤهّلة لطرح مثل هذا الخيار والبلد لا يزال في مرحلة شدّ الحبال؟

من حيث المنطق فإنّ الاستحقاق الرّئاسي لن يستقيم إلّا بخيار مرشّح ثالث خارج الترشيحين الموجودين

يرفض الثنائي مجرّد فكرة خوض النقاش حول أيّ خيار خارج فرنجية، ويعوّل على أنّ الزمن وإن طال فمصير الاتفاق بشأنه أن ينضج، خاصّة وأنّ العوامل الإقليمية والدولية تشكّل دعماً لخيار حزب الله، نسبة للتقارب الإيراني السعودي، وأنّ الجانب الفرنسي لا يزال على قناعته بخيار حزب الله، ومتفائلاً بحظوظه. كان ذلك قُبَيل وصول الموفد الرّئاسي الفرنسي جان إيف لودريان الذي أمضى ثلاث ليال في ربوع لبنان، باحثاً في سرّ الخلاف بشأن انتخاب رئيس للجمهورية. بلد الأمّ الحنون الذي عايش ما يقارب الثمانية أشهر في اتصالات ومبادرات خارجية وداخلية، أرسل موفده يقول أنّ مسيرة بحث وتحرّ جديدة في الملفّ الرّئاسي انطلقت، بما يشبه طيّ صفحة القديم وفتح صفحة جديدة خالية من أسماء المرشّحين حتى الساعة. لم يحمل لودريان مبادرة ولا طرح خياراً ثالثاً خارج فرنجية وأزعور. في منزل رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل حيث دامت زيارته ساعة وربع الساعة، أوضح لودريان أنّه وفي ضوء ازمة الرئاسة لا بدّ من البحث عن حلول جديدة، وأنّ المرحلة الماضية طُويت ومرحلة جديدة بدأت، وأنّ فرنسا لا تملك حلولاً معلّبة ولا أجوبة مسبقة.

في زيارته رسم الموفد الفرنسي خارطة للواقع السياسي من وجهة نظره، معوّلاً على تقارب داخلي ممكن بين الفريقين المختلفين. لاحظ فشل الثنائيات في تحقيق خياراتها. فالثنائية الشّيعية كما الثنائية المسيحية فشلتا في الخروج باتفاق على مرشّح رئاسي متفق عليه، يمكن أن يشكّل تقاطعاً بين الداخل والخارج. في وقت تعاني ثنائية التيار- حزب الله من برودة في العلاقة.

بزيارته ولقاءاته المتنوّعة ارتسمت أمامه الخارطة السياسية دون أن يأتي حاملاً مبادرة، وحتّى ولو حمل، فأيّ خيار يفترض أن ينتج من الداخل إلى الخارج وليس العكس، ولهم في التجارب خير واعظ.

فرنسا كما السعودية تدفع باتجاه التوافق الداخلي وانتاج خيار يتقاطع معه الخارج وليس العكس. ورغم ذلك فلم يزل التعطيل سيد الموقف والخيار الثالث أسير النقاشات الجانبية وفي الكواليس.

حين نكون أمام أزمة بين خيارين، يصبح البحث عن الخيار الثالث إلزامياً. ومع ذلك فلا خيار ثالث يجري التداول باسمه جدياً بعد. كان سبق للتيار الوطني أن طرح اسم زياد بارود فاصطدم بمعارضة القوات اللبنانية والكتائب والثنائي الوطني. من وجهة نظر سياسية قريبة من الطرفين فإنّ لا إمكانية لطرح اسم ثالث ما لم يعقد الحوار بين أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل.

يعتبر التيار الوطني الحرّ أن لا شيء اسمه خيار ثالث خارج التوافق اللبناني. ولا يمكن لأي خيار ثالث أن يأتي من الخارج. أياً تكن القوى الخارجية فثمّة استحالة لأن تفرض خياراً ثالثاً. كانت مثل هذه الواقعة تحصل في ظل الوجود السوري في لبنان حيث كان ينتج الرئيس بتوافق اميركي سوري، لكن، اختلفت الظروف ورغم كل الضغوطات فالداخل اللبناني لن يرضى برئيس يفرض عليه بقوة دفع دولية، والمكوّنات الداخلية تملك قوة تعطيل أي قرار خارجي كهذا، بدليل إسقاط خيار فرنجية المتّفق عليه فرنسياً مع حزب الله.

إمكانية وحيدة لإنتاج خيار ثالث وهي أن يعود تفاهم مار مخايل، وهو الوحيد القادر على إنتاجه

تتحدث المصادر عن إمكانية وحيدة لإنتاج خيار ثالث وهي أن يعود تفاهم مار مخايل، وهو الوحيد القادر على إنتاجه. ذلك أنّ ثنائية حزب الله التيار وحدها تؤمّن أصوات سليمان فرنجية، يضاف إليهم أصوات التيار أي بحدود السبعين صوتاً عدا عن الملتحقين بهما، وبذلك نصل إلى رئيس يملك كامل الشرعية الشّيعية وجزء كبير من الشرعية السنية وكامل الشرعية الدرزية وقسم كبير من الشرعية المسيحية . فإذا كان من خيار ثالث فلا بد أن يأتي عبر هذه الثنائية.

في الوقت الرّاهن لا أحد بإمكانه تحمّل عبء طرح مثل هذا الخيار، وحكماً لن يمرّ خارج إرادة حزب الله باسيل. فثنائية بري نصر الله وإن تمسّكت بخيار فرنجية، تدرك أنّ الأفق لوصوله إلى بعبدا مسدود، وثنائية المعارضة التيار الوطني الحرّ أوصلت المرشح جهاد أزعور إلى الحدّ الأقصى من الأصوات التي يمكن أن يحققها وهي 59 صوتاً. وحتى ولو نال 65 صوتاً لن يكون رئيساً للجمهورية، فتبقى ثنائية واحدة باستطاعتها أن تنتج خياراً ثالثاً وتحصل على دعمه من الخارج وهي ثنائية باسيل نصر الله، وفقاً لما تثبته المعطيات. وإذا حصل هكذا خيار ستباركه فرنسا التي يهمّها أن تبقى على وفاق مع المكوّن الشّيعي، ويحظى بمباركة بكركي والفاتيكان الذي يحرص على عدم تجاوز المكوّن الشّيعي أو وقوع شرخ مسيحي -مسيحي.

يمكن للموفد الرّئاسي الفرنسي أن يستطلع الأرض والمواقف، لكن لا يمكن لفرنسا أن تنتج خياراً ثالثاً للخروج من أزمة الخيارين المتقابلين. الخيار الثالث إذاً متوقّف على تفاهم جديد بين حزب الله والتيار الوطني الحر، لكن بعد أن يستنفذ الثنائي الشّيعي كلّ محاولاته لوصول حليفه سليمان فرنجية. ما يعني أنّه من السابق لأوانه التنبؤ باسمه ولو أنّ زياد بارود هو الأقرب ليقع عليه الخيار، بينما قائد الجيش يمنّي النفس بالرئاسة، وكثر يتوقعون أن ترسو الرئاسة عليه. الأمور مرهونة بمزيد من اللقاءات الداخلية والتفاهمات، وبداية البحث الجدّي ربما يكون بلقاء يجمع رئيس التيار الوطني بالأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله الذي يراه البعض بعيداً، بينما تُنبئ الوقائع بقربه، وببلورة موقف سعودي أميركي واضح.