أحد أكبر التحديات الآن هو تحديد من يملك حقوق الملكية الفكرية للمصنّفات التي يتم إنشاؤها من خلال الذكاء الاصطناعي
مما لا شكّ فيه أنّ الذكاء الاصطناعي يغيّر العالم بسرعة وقانون الملكية الفكرية ليس استثناءً. يتم استخدام الذكاء الاصطناعي لإنشاء منتجات وخدمات جديدة وأتمتة المهام وحتّى خلق محتوى إبداعي. وهذا بدوره يطرح عدداً من التحديات لقانون الملكية الفكرية، الذي يهدف إلى حماية حقوق المبدعين والمبتكرين.
أحد أكبر التحديات الآن هو تحديد من يملك حقوق الملكية الفكرية للمصنّفات التي يتم إنشاؤها من خلال الذكاء الاصطناعي. على سبيل المثال، إذا أنشأ نظام الذكاء الاصطناعي أغنية جديدة، فمن يملك حقوق الطبع والنشر لتلك الأغنية؟ الشخص الذي أنشأ نظام الذكاء الاصطناعي؟ الشخص الذي قام ببرمجة النظام؟ الشخص الذي يملك البيانات التي تمّ تدريب النظام عليها؟
لا توجد إجابة واضحة على هذا السؤال، ومن المرجّح أن يكون هذا الأمر سبباً أساسياً للتقاضي خلال السنوات القادمة. وماذا لو أنّ الذكاء الاصطناعي استخدم بعض النّغمات من أغان موجودة؟
وثمّة تحدّ آخر يتمثّل في كيفية حماية حقوق الملكية الفكرية في مواجهة تعدّي الذكاء الاصطناعي على الحقوق الفكرية الأصلية، إذ يمكن استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي لإنشاء سلع مقلّدة وأتمتة عملية انتهاك حقوق الطبع والنشر وحتى إعداد أخبار مزيفة. هذا سيزيد من صعوبة حماية المبدعين لعملهم وإنفاذ حقوق الملكية الفكرية الخاصة بهم.
الملكية الفكرية والذكاء الاصطناعي
يسعى المبتكرون، الذين يعملون مع الذكاء الاصطناعي إلى حماية الملكية الفكرية القيّمة في صميم نماذج أعمالهم، على غرار العديد من شركات التكنولوجيا التي سبقتهم. تتعلّق الملكية الفكرية بالأصول غير الملموسة، بما في ذلك الاختراعات وبراءات العلامات التجارية والتكنولوجيات الجديدة وشيفرة المصدر والمصنّفات الفنّية. وبشكل أكثر تحديداَ، تتعلّق الملكية الفكرية بالبراءات والعلامات التجارية وحقوق المؤلّف والرسوم والنماذج الصناعية. وتمتدّ الملكية الفكرية أيضا لتشمل الأسرار التجارية والمعلومات السرّية. وينبغي للشركات ومؤسسات البحث أن تحدّد ملكيتها الفكرية وتحميها بوضوح من خلال التسجيلات والوثائق، لا سيّما عند العمل مع أطراف متعددة. وعندئذ يمكن للشركة أن تتحكّم بشكل أفضل في استخدام حقوق الملكية الفكرية الخاصّة بها، بما في ذلك الاستخدام المسموح به بموجب ترتيبات الترخيص والتعاون. وفي سياق الذكاء الاصطناعي، لم تتقدّم الحماية التشريعية بعد بالسرعة التي تتقدّم بها التكنولوجيا، مما يجعل إدارة محفظة الملكية الفكرية المبكرة والمستمرة ذات أهمية خاصة لكن معقّدة.
من يملك حقوق التأليف والنشر؟
بعد كل ما تقدم، يبدو من الواضح جدّاً أنّ منصّات الذكاء الاصطناعي التوليدية تتجاوز إلى حدٍّ كبير أساسيات قانون الملكية الفكرية، بما في ذلك تأليف الأعمال المحميّة بحقوق الطبع والنشر والاختراع. ولكن بينما يبحث الممارسون القانونيون عن إجابات لهذه القضايا القانونية، تستمرّ التكنولوجيا القائمة على الذكاء الاصطناعي بالتطور بسرعة، تاركة الشركات ومستشاريها متأخّرين عنها.
وبينما يستمرّ قانون الملكية الفكرية في التبلور حول القضايا المتعلّقة بالذكاء الاصطناعي، تؤكّد بعض السلطات القانونية أنّ الذكاء الاصطناعي لا يمكن أن يعتبر كـ "شخص" بموجب قانون حقوق النشر وبراءات الاختراع.
كمثال حديث، قدّم ستيفن ثالر طلبات براءات اختراع للحصول على الحماية لاختراعين يزعم أنّ تطبيق DABUS للذكاء الاصطناعي ابتكرهما دون مساهمة بشرية، إذ رفض مكتب الولايات المتحدة للبراءات والعلامات التجارية الطلبات باعتبارها غير مكتملة لسبب بسيط هو أنّها تفتقر إلى إنسان يمكن تسميته مخترعاُ. وعندما استأنف ثالر أمام محكمة الاستئناف الأمريكية للدائرة الفيدرالية، اختارت المحكمة تجنّب "المسائل الميتافيزيقية" ذات الأهمية في ما يتعلق "بطبيعة الاختراع أو حقوق أنظمة الذكاء الاصطناعي"، إن وجدت". وتعاملت المحكمة مع المسألة على أنّها مسألة تفسير قانوني مباشر، وقضت بأنّ قوانين البراءات تنصّ بوضوح على ضرورة الوجود البشري لإصدار شهادة براءة الاختراع. فبدون مخترع بشري، تركت اختراعات DABUS يتيمة وغير قابلة لحماية نظام براءات الاختراع.
كما كشفت جهود ثالر عن صعوبات في حماية المخرجات الناتجة عن الذكاء الاصطناعي من خلال تسجيلات حقوق النشر، إذ طلب ثالر من مكتب حقوق الطبع والنشر في الولايات المتحدة الاعتراف ب DABUS كمؤلّف لعمل فنّي ثنائي الأبعاد بعنوان "مدخل حديث إلى الجنة"، وهو عبارة عن صورة خيالية لمسار سكّة حديد يختفي في بيئة زهرية هادئة. مرة أخرى، يؤكد ثالر أنّ DABUS هو الذي رسم الصورة دون أي مدخلات إبداعية بشرية.
ولكن، حكم مكتب الولايات المتحدة لحقّ المؤلف (USCO)، مستشهداً بسابقة قديمة، بأنّ حماية حقوق الطبع والنشر تقتصر على الأعمال التي هي نتاج وتأليف بشري ورفض التسجيل المطلوب.
في حادثة مماثلة، تناولت USCO هذه القضايا عندما سعت كريستينا كاشتانوفا إلى تسجيل حقوق الطبع والنشر لكتاب هزلي أنشأته باستخدام الذكاء الاصطناعي Midjourney. تضمّن الكتاب نصّاً كتبته كاشتانوفا وصورا تم رسمها من خلال Midjourney قامت كاشتانوفا باختيارها وتنسيقها وترتيبها، لكن قرّرت USCO أن كاشتانوفا يمكنها تسجيل حقوق الطبع والنشر لنصّ العمل، إضافة إلى اختيار وتنسيق وترتيب الصور فقط دون حقوق الصور الفنية الناتجة عن الذكاء الاصطناعي، "إذ أنّ النص هو نتاج تأليف بشري مضمون بموجب حقّ المؤلف، ولكن يستثني تسجيل العمل الفني الناتج عن الذكاء الاصطناعي".
تماما كما هو الحال مع ثالر، افتقرت الصور التي رسمها الذكاء الاصطناعي إلى العنصر البشري. هذا يوضح أنّ المواد التي أنتجت من خلال DABUS و Midjourney خضعت للقيود التي تفرضها قوانين براءات الاختراع وحقوق النشر. وفي حين يبدو أن قانون الملكية الفكرية قد استقرّ على "من" الذي يمكن أن يكون مؤهّلاً ليكون مؤلّفاً أو مخترعاً للملكية الفكرية، فإنّ القانون لم يستقرّ على حماية المصنّفات المستنبطة من الذكاء الاصطناعي.
في سياق أعمال التأليف المحميّة بحقوق الطبع والنشر والاختراعات القابلة للحماية، يمكن استخدام برامج معيّنة بهدف التأسيس لعمل معين أو اختراع ما. لكن هذا يطرح السؤال التالي: في حين يتوجب أن يكون المخترع أو المؤلّف إنسانا، ما المقدار المسموح به للتدخّل التكنولوجي/ المساعدة للوصول إلى الحدّ المسموح به قبل تجاوز حقوق الطبع والنشر أو براءة الاختراع؟
باختصار، تجدر الإشارة إلى أنّ الأفراد الراغبين باستخدام أعمال محمية بموجب حقوق الطبع والنشر يمكنهم ذلك على أساس الاستخدام العادل، أو بإذن من مالك حقوق الطبع والنشر، فما هو الحال عليه مع الأعمال التي يتمّ إنشاؤها من خلال أدوات الذكاء الاصطناعي؟ هل ينبغي أن تختلف المصنفات المستنبطة من الذكاء الاصطناعي بأيّ شكل من الأشكال عن المفاهيم التقليدية للاستخدام المسموح به؟ هل يهمّ، لأغراض التعدي، إذا كانت مصنفات الذكاء الاصطناعي إنشاؤها نفسها غير محمية بحقوق الطبع والنشر؟ هل يهمّ إذا كان المؤلّف قد استخدم برامج الذكاء الاصطناعي لإنشاء نماذج عن أصول معيّنة قام فرد ما بتنفيذها؟ ما هي الأضرار المادية والمعنوية التي ستترتّب عن ذلك؟