تأتي زيارة الرئيس السابق للجمهورية اللبنانية إلى سوريا في الوقت الـ"بدل ضائع"، أي بعد أيّام قليلة على تقاطع غالبية القوى المسيحية على معارضة رئيس تيار المردة سليمان فرنجية حليف سوريا والمدعوم من الثنائي الشيعي، وتسميتهم جهاد أزعور ليكون مرشحاً عن المعارضة، ربّما وصولاً إلى تسوية تأتي برئيس من خارج الاصطفافات.

هي زيارة مُرتقبة منذ ما قبل نهاية عهده الرئاسي، لكن صخب السنوات الأخيرة للعهد كان كفيلاً أن يشغل سيد قصر بعبدا آنذاك العماد ميشال عون عن زيارته الثانية إلى سوريا، فمنذ عودته إلى لبنان عام 2005، أعلن خصم دمشق الأول أنّه سيفتح صفحة جديدة معها، وأنَّ لا خلاف لطالما خرجت القوات السورية من لبنان عقب اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري. وبالفعل هذا ما حصل إذ زار عون دمشق أواخر العام 2008 وشهدت الزيارة حينها حفاوة كبيرة من قبل الرئيس السوري بشار الأسد ليقفل الطرفان حينها الباب على أكثر من عقدين من الإقتتال الدامي. 

رئاسياً، تأتي زيارة الرئيس السابق للجمهورية اللبنانية إلى سوريا في الوقت الـ"بدل ضائع"، أي بعد أيّام قليلة على تقاطع غالبية القوى المسيحية على معارضة رئيس تيار المردة سليمان فرنجية حليف سوريا والمدعوم من الثنائي الشيعي، وتسميتهم جهاد أزعور ليكون مرشحاً عن المعارضة، ربّما وصولاً إلى تسوية تأتي برئيس من خارج الاصطفافات.

عدم وضوح الموقف السوري من دعم فرنجية ربما لا يكون سببه فرنجية نفسه

وبدورها، ترى أوساط مراقبة أنَّ تمسّك رئيس تيار الوطني الحر جبران باسيل بمعارضة فرنجية وإعلانه دعم أزعور رئاسياً حتّى وإن كان ذلك يغضب حليفه الأول حزب الله، أتى بعد استمزاج جملة أراء عربية ودولية حول موقفهم من فرنجية تحديداً، وقد تفاوتت الردود حوله وكان حدّها الأدنى بأن "لا فيتو ولا ندعم"، وهذا ما اعتبره باسيل كافياً لزيادة إصراره على العمل لقطع الطريق الرئاسي على فرنجية.

كذلك، تُشير الأوساط نفسها إلى أنّ عدم وضوح الموقف السوري من دعم فرنجية ربما لا يكون سببه فرنجية نفسه، إنّما قد يكون أحد داعميه والذي يخوض معركته على قاعدة "يا قاتل يا مقتول"، معتبرةً بأن السوريين على بعد أشهر قليلة من البدء بتصفية الحسابات السياسية بدءاً من حلفاء الحلفاء قبل الخصوم والذين راهنوا يوماً على سقوط النظام السوري وبدأوا يعدّون أيّامه وساعاته ودلالات الأمر لم تعد سريّة، بل يكفي مراقبة كيفية تعاطي دمشق مع بعض الأفرقاء المحسوبين على محور الممانعة. 

في غضون ذلك، لن يخلو لقاء الرئيس عون - الأسد من الحديث الرئاسي أولاً وتأثير المستجدّات في المنطقة على الأزمتين السورية واللبنانية على حدّ سواء، خصوصاً بعد الاتفاق السعودي - الإيراني أولاً ومن ثم عودة سوريا الى جامعة الدولة العربية وما رافقها من سياسات جديدة تسعى المملكة العربية السعودية لانتهاجها في المنطقة والتي ستتوضح معالمها على أرض الواقع خلال أشهر قليلة.

العمل مع السعوديين على اتفاق جديد يُعيد لرئيس الجمهورية بعضاً من الصلاحيات التي سلبها منه الطائف

كذلك، ستكون أزمة النازحين السوريين على رأس بنود جدول المباحثات بين الأسد وعون، من أجل العمل على وضع أسس حقيقية وفعلية لإعادتهم إلى سوريا في ظل الفرصة السانحة حالياً والمتمثلة بالاجماع اللبناني حول هذه النقطة والتي يمكنها أن تكسر قيد قرارات المنظمات الدولية الساعية إلى توطينهم أو ادماجهم في لبنان من خلال سياساتها. 

من جهة ثانية، تكشف الأوساط عن أنّ ما يمكن بحثه بين الرئيسين هو ما تردّد سابقاً همساً مترافقاً مع زيارة عدد كبير من الشخصيات اللبنانية غير المعلنة إلى دمشق، حول حرص سوريا على الحفاظ على الرئيس المسيحي الوحيد في المنطقة، لا بل العمل مع السعوديين على إعادة ترتيب أسس البيت اللبناني داخلياً من خلال تعديل أو ربما اتفاق جديد يُعيد لرئيس الجمهورية بعضاً من الصلاحيات التي سلبها منه إتفاق الطائف. 

من جهته، سيشدّد الرئيس عون على أهمية استمرار تموضع التيار الوطني الحر الاستراتيجي في صلب محور الممانعة وإن تعارض مع حلفائه على اسم رئيس الجمهورية، كما سيشرح للأسد أسباب رفض فرنجية وكيف أنّها لا يمكن أن تؤثّر على تموضعهم كفريق سياسي، في حين ستشكل الزيارة فرصة للأسد كي يشكر عون على وضوح مواقفه طيلة سنوات عهده وما سبقها من الحرب السورية.