يقف طلّاب الشهادتين المتوسطة والثانوية متسائلين عن مصيرهم بعد تحديد وزارة التربية موعد إجراء الامتحانات الرسمية. 

معظم المدارس الرسمية لم تنجح في إنهاء ثلثي البرنامج للصفّ التّاسع الأساسي "بروفيه"، فيما عجزت أغلبية الثانويات الرسمية عن إنجاز ولو جزء بسيط من المقرر التعليمي لفروع علوم الحياة، العلوم العامة، الاجتماع والاقتصاد والآداب والانسانيات. وتكاد أيّام التعليم الكاملة والفعلية في الثانويات الرسمية منذ انتهاء عطلة رأس السنة، تعدّ على أصابع اليدين.

على الضفة المقابلة تبدو المدارس الخاصّة مرتاحة على وضعها. وباستثناء قلّة قليلة منها شهدت بعض الإضرابات احتجاجاً على تدنّي قيمة رواتب الأساتذة والمعلّمين، فإنّ أغلبها نجح في إنهاء برامج صفوف الشهادات. وهي تطالب بإجراء الامتحانات بشكل طبيعي، وبكامل المنهج، حفاظاً على ما تبقّى من سمعة للشهادة الرسمية. خصوصاً بالنسبة للتلامذة الذين ينوون متابعة تحصيلهم الجامعي في الخارج.

الامتحانات قائمة

في ظلّ هذا التخبط حدّدت وزارة التربية موعد الامتحانات الرسمية لدورة عام 2023 العادية. الامتحانات ستبدأ يوم الخميس في 6 تموز للشهادة المتوسطة، ويوم الإثنين في العاشر منه للشهادة الثانوية.

وستُجرى الامتحانات الرسمية بمواد إلزامية وأخرى اختيارية، كما حصل في العام الماضي. ذلك مع العلم أنّ لجنة تقليص المواد التي شكّلتها وزارة التربية، أوصت بإجراء الامتحانات بكلّ المواد، لكن بعد بتقليص المواد بنسبة 40 في المئة. بما يعادل 13 أسبوعاً تعليمياً، أو ما يقارب 65 يوم تعليم فعلي.

32 يوم تعليمي

في الوقت الذي يتركّز فيه البحث على كيفية إجراء الامتحانات الرسمية، "بلغ عدد أيام التعليم الفعلية في بعض الثانويات لغاية اليوم 32 يوماً فقط"، تقول ممثلة الأساتذة المتعاقدين في التعليم الرسمي الثانوي منتهى فواز. وتضيف "العدد لن يزداد بأكثر من 25 يوماً إضافياً في أحسن الافتراضات، في حال انتظمت أيّام التعليم بعد انتهاء عطلة عيدي الفصح والفطر. أي أنّ المجموع العام لعدد أيام التعليم الفعلية سيبلغ 57 يوما فقط. وهو يبقى أقل من أيام التعليم المحققة في العام الماضي، التي وصلت إلى 68 يوماً. وهذا يمثّل قمّة الظلم بالنسبة لتلامذة المدرسة الرسمية".

فعالية التعليم في الحضيض

في المبدأ تفترض "فعالية التعليم" أن يبلغ عدد أيام العام الدراسي 180 يوماً. إلّا أنّ هذا المتوسط العالمي لم يحترم في لبنان، حتى قبل اندلاع الأزمة وانهيار قطاع التربية. فقبل نحو سبع سنوات، وتحديداً في العام 2016 قلّص وزير التربية الياس بو صعب عدد أيام التعليم الفعلية إلى 120 يوماً لأسباب إدارية ومالية. من بعده وبسبب الاغلاق القسري والتعثّر في إطلاق السنة المدرسية لسنتين متتاليتين الذي فرضته جائحة كورونا، خفّضت أيّام التدريس إلى 96 يوما في المدارس الرسمية. لتعود من بعدهما أيام التعليم الفعلية لتنخفض مرة جديدة إلى 60 يوما بين العامين 2022 والعام الحالي. الأمر الذي يمثّل تراجعاً في فعالية سنوات التعليم على الأقل 3 سنوات أخرى، ليصبح معدّل سنوات التعليم في لبنان خلال السنوات الاثني عشر الماضية حوالي 3.3 سنة. وذلك بالمقارنة مع متوسط المعدل العالمي الذي يبلغ 10.8 سنة. بحسب ما تفيد دراسة مفصّلة ودقيقة عن كلفة التعليم أجراها "مركز الدراسات اللبنانية". مع الإشارة إلى أنّ مجمل الانفاق على التعليم في القطاعين الرسمي والخاص وصل خلال السنوات العشر الماضية بحسب المركز إلى 43 مليار دولار. وهو رقم خيالي، كيفما قلبناه، من أجل تأمين التعليم لنحو مليون تلميذ سنوياً في مختلف المراحل.

تقليص المناهج

يمتحن تلميذ الصف التاسع بـ 5 مواد فقط

بغضّ النّظر عن كلّ هذه الفوضى التربوية وانعكاساتها الواضحة على مستوى التعليم في لبنان، الذي كان في ما مضى مدرسة وجامعة الشرق، ستُجرى الامتحانات الرسمية بمواد اختيارية. وتنصّ الامتحانات الاختيارية على اختيار الطالب مادّة واحدة من المواد غير الأساسية في فروع الشهادة الثانوية الأربعة. وقد طبّقت هذه الطريقة في العام الماضي بسبب عجز المدارس عن إنهاء المقرّر الدراسي. فيختار التّلميذ في فرعي علوم الحياة، والعلوم العامة، مادّة واحدة من أصل المواد الأربعة التالية: التاريخ، الجغرافيا، التربية الوطنية والتنشئة المدنية، والفلسفة. أمّا بالنسبة للاقتصاد والاجتماع والآداب فيختار التلميذ مادة واحدة فقط من المواد الستة التالية: الفيزياء، علوم الحياة، الكيمياء، التاريخ الجغرافيا، التربية. أمّا بالنسبة للشهادة المتوسطة فيختار التلميذ مادة واحدة من المواد العلمية التالية: الفيزياء، علوم الحياة، الكيمياء. ويختار مادة واحدة أيضا من المواد الأدبية التالية: التاريخ الجغرافيا والتربية.. بمعنى آخر يمتحن تلميذ الصف التاسع بـ 5 مواد فقط.

خطورة ما يجري

من الواضح أنّ الوضع التربوي في لبنان خطير جداً. وفي حال لم ينتظم التدريس في الثانويات الرسمية ابتداء من نهاية نيسان الحالي، فإنّ جزءاً كبيراً من تلامذة المدرسة الرسمية سيكونون غير مستعدين للامتحانات. في حين أنّ جزءاً آخر من زملائهم تلقّى تعليماً أفضل ولعدد أيام أكثر، بفضل حصول الأساتذة في بعض المناطق على مساعدات ومنح وبدل نقل من جمعيات مدنية والمغتربين ومن البلديات القادرة. "الأمر الذي ينقض مبدأ العدالة الاجتماعية والمساواة بين تلامذة الثانويات الرسمية، وبينهم وبين تلامذة الثانويات الخاصة"، برأي فواز. ويواجه تلامذة الشهادة الثانوية صعوبات جمّة في عبور امتحانات الدخول الجامعية للعديد من الاختصاصات. وتتردد الكثير من الجامعات الخاصة، ولاسيما في الخارج بقبول الطلاب اللبنانيين، نظراً لتدنّي مستوى التعليم في السنوات القليلة الماضية بشكل كبير.

مما لا شكّ فيه أنّ تأجيل الامتحانات الرسمية كان ليشكّل ضربة قاصمة للقطاع التربوي. كما أنّ إجراءها وسط عدم تهيئة التلامذة لا يقلّ خطورة. وفي الحالتين فإن الدولة بأجهزتها المختلفة تتحمّل المسؤولية. فهي أهدرت مليارات الدولارات على تشييد الأبنية وتمويل تعليم أبناء المقتدرين في المدارس الخاصة، ولم تعطِ، لا قبل الأزمة ولا بعدها، الأهمية لخطة طوارئ جدية تنتشل التعليم من المأزق الذي سيكبر مع السنوات ككرة الثلج حتى يطمر التعليم الرسمي ويجلّده. ويتحوّل الحقّ بالتعلم، حكراً على القلّة القليلة الميسورة.