الرقصة "الصوفية أو المولوية أو التنّورة"، تعدّدت الأسماء والطّقس الدّيني واحد، هي أشهر الرقصات الشعبية والتراثية عبر التاريخ، إذ تلقى رواجاً في العديد من بلدان العالم الإسلامي، في المناسبات الدّينية والإجتماعية وخصوصاً في شهر رمضان المبارك.

ورقصة التنورة كما يحبّ أهل مصر تسميتها، تجذب أنظار مشاهديها من خلال الحركات الصعبة التي يؤديها الراقصون، حيث أنّها ذات أصول صوفية درجت على تأديتها الفرق "المولوية".

وعمد المصريّون إلى تطويرها وتحديثها من خلال إضافة بعض إيقاعات الدفوف عليها، لتصبح نوعاً من أجمل أنواع الفنّ الاستعراضي. فالفرق "المولوية" أو ما يسمّى أيضاً بفرق "الدراويش" تعتبر تفصيلاً مهمّاً خلال إحياء الليالي الرمضانية.

وتضفي الرقصة بحركاتها الدائرية سحراً خاصّاً، كأنها كواكب شمسية تشعّ أجواء من التصوّف المصحوبة بالتواشيح والأذكار والابتهالات، وكلّها تسهم في طهارة النّفس والارتقاء إلى أعلى المرتبات الروحانية وفق ممارسيها.

ويعود الفضل في نشأة الطريقة الصوفية، إلى العالِم الصّوفي جلال الدين الرّومي، صاحب الطريقة المبنية على الخدمة الإلهية. وكان الدراويش يسكنون "التكايا" وهي عبارة عن مقرّات دينية ترجع نشأتها إلى العصر العثماني، سواءً في الأناضول أو في الولايات التابعة للدولة العثمانية، ومفردها "تكية"، وأنشئت التكايا لإقامة المنقطعين للعبادة من المتصوّفة. وينصرف الدروايش للعبادة وإقامة الذِكر (مجموعة من الابتهالات والأدعية والأناشيد)، فيقفون على شكل حلقة كبيرة يلتفّون حول أنفسهم عشرات المرات، مؤدين الرقصة المولوية. من السلطنة العثمانية انطلقت هذه الرقصة لتدخل سريعاً بلاد الشام والمغرب وآسيا، حيث احتلّت مقاماً رفيعاً في نفوس المتصوفين والزاهدين.

طريقة الدوران

فرق الدراويش تعتمد على طريقة الدوران من اليمين إلى اليسار، وهي ذات طابع ديني رمزي، إذ إنَّ الطواف حول الكعبة المشرفة يتم بهذا الشكل. كما أن دوران فرق الدراويش تعتبر طريقة من طرق التصوف وعلاقة الروح بالخالق، التي تسمو كلما طالت فترة الدوران.

والتنورة الصوفية بحسب ما يقول أتباع التصوّف تمثّل الفلسفة الإسلامية، حيث أن الحركة في الكون تبدأ من نقطة وتنتهي عندها. لذلك فعندما يقوم الرّجل بلفّ التنّورة والدوران حول محور معيّن، فإنّ ذلك يرمز إلى الرّغبة في الإنطلاق إلى السماء طالباً للرحمة، من هنا أُطلق على "فتلة الدراويش" رقصة التنورة.

أمّا بالنسبة لحركات اليدين، فرفع اليد اليمنى إلى الأعلى تعني طلب المدَد من الله، واليسرى بإتجاه الأرض تعني الزُهد بالدنيا ومغرياتها وملذاتها.

كذلك، تتميّز الفرق بلباسها الذي يطلق عليه الجلباب الفضفاض والمؤلف من التنورة وزنّاراً ملوّناً لربط الخصر وطربوشاً مصنوعاً من اللباد.

الروح المصرية

واكتسبت رقصة التنورة من الروح الشعبية المصرية بهجةً من نوع خاص من خلال تنوّع الإيقاعات بين البطيء والمتوسط والسريع، فضلاً عن الأساليب التشكيلية المصرية التي تنعكس على التنورة وتصميماتها المختلفة وألوانها الزاهية، وتدخل في قالب الفن الشعبي الجماهيري والقائم على المهارة الحركية وليس بالطقس الديني.

ورقصة التنورة في مصر لا تنفصل عن واقع الفن الشعبي، بل تعتمد على قيام الراقص بحركات دائرية تمزج بين رقصتين، الأولى صوفية والثانية إستعراضية.

وتتسم الرقصة الصوفية بالروحانية التي تظهر على تفاصيل وجه الراقص وحركاته الجسدية، فضلاً عن الذين يمسكون الدفوف ويؤدون حركة الدراويش في حلقات الذكر.

أما بالنسبة للرقصة الاستعراضية فتعتمد على عنصر الإبهار من خلال الألوان المتعدّدة للتنورة وأشكالها المميزة وعلى سرعة الراقص في الأداء، إذ يرتدي 3 أو 4  "تنانير" بينما يؤدي الرقصة بتنورتين اثنين يرفع إحداها إلى أعلى، أما الثانية فتكون للدوران.

ومع مرور الزمن أصبحت الرقصة تراثاً وفولكلوراً إسلامياً، حيث أن  الفرق "الشعبية" لا تزال موجودة في عدد من "تكايا" تركيا وسوريا ولبنان، وسريعاً ما يدخل استعراضها قلوب مشاهديها وسامعيها، والذي يمتزج فيه الحزن والسّرور والطمأنينة ويُولّد مشاعر متجددة في النفوس.

كذلك، لا يعتبر الفنّ الصوفي حكراً على البالغين والكبار، لا بل يستهوي صغار السن.

أنَس الخراط، طفل سوري في الرابعة من عمره، ويعدّ أحد أصغر راقصي الرقصة الصوفية في بلاده.

وبات لأنَس جمهوره الخاص، حيث يقدّم خلال شهر رمضان عروضًا مع والده وأقربائه بالتزامن مع الإفطار والسحور.

ويرتدي أنَس الزي المخصّص لراقص التنورة، ويبدأ في الدوران حول نفسه بقدم ثابتة وحركات وطقوس على وقع أنغام موسيقى صوفية مميزة.

ويعتزم والد أنَس تعليم جميع أبنائه رقصة التنّورة من أجل الحفاظ عليها كمهنة وتراث تَحْمُله العائلة.