الصفا
حين أدار رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط محرّكاته وباشر حراكه في الإستحقاق الرئاسي، لم يطرح مبادرة متكاملة بقدر ما كان هدفه تحريك المياه الداخلية الراكدة. جال بثلاثة أسماء على القيادات ورؤساء الكتل الأساسية: صلاح حنين ،جهاد أزعور و قائد الجيش العماد جوزف عون. تربطه بالأول علاقة متينة وهو دستوري ملمّ بالقانون، والثاني يمكن أن يساعد من موقعه في صندوق النقد الدولي لبنان للخروج من أزمته المالية، أمّا الثالث فيمكن القبول بترشيحه لشخصه، علماً أن الموقف المبدئي لجنبلاط يخالف اختيار رئيس من المؤسسة العسكرية. ولولا حجب الإشتراكي أصواته عام 1998 لفاز إميل لحود بإجماع مجلس النواب. تجاوز جنبلاط موقفه هذا وقبل بترشيح قائد الجيش، إن حصل على إجماع الكتل النيابية أو غالبيتها.
من اللقاءات التي أجراها لم يخرج جنبلاط مرتاحاً، لتمترس الكتل النيابية الأساسية خلف مرشحها، ورفض النقاش بترشيحات الآخرين. تمسّك الثنائي (أمل-حزب الله) بترشيح رئيس تيار المرده سليمان فرنجية، والذي يعدّ ترشيحه مستفزاً للفريق الآخر ومواقفه السياسية تؤكد إنصياعه بالكامل لمحور المقاومة، وفي المقلب الثاني هناك من يتمسك بترشيح ميشال معوض بينما المطلوب ترشيح شخصية غير محسوبة على أيّ جهة أو فريق سياسي وهنا أساس المبادرة الجنبلاطية وهدفها.
لطالما اعتبر جنبلاط أن تمسّك كل فريق بمرشحه وانتظار كل جهة مبادرة من قبل الجهة الثانية لن يفي بالغرض، وفي نهاية المطاف لا بد من مرشح تسووي لا يكون تابعاً لأي فريق من الفريقين، من أجل الوصول إلى حل يخرج البلاد من أزمتها.
في قراءتها تعاطت مصادر سياسية مع حركة جنبلاط على كونها لزوم ما لا يلزم. ولا تحمل أي معطى يعوّل عليه في الأفق. وتبدي المصادر خشيتها من أن يكون البلد أقرب بالأجواء الراهنة إلى وضعيته في العام 2008 ما يضاعف الخشية من خضّات أمنية متفرقة تستوجب فرض الخارج لرئيس بموجب تسوية.
وتابعت أن جنبلاط رمى حجرة في بركة مياه متأكداً أنّها لن تصل إلى نتيجة. واعتبرت المصادر أن الهدف الباطني لحراكه تأمين وصول صلاح إدوار حنين إلى الرئاسة والذي خاض معه إنتخابات 2000 و2005 ليسلّف بذلك ترشيحه للتغيريين.
إتفق جنبلاط في مسعاه مع رئيس مجلس النواب نبيه بري. وإذا باءت محاولته بالفشل فأقلّه يكون قد حدّد موقع بعض المرشحين وحيّدهم عن الطريق. يستخدم رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل و"الثنائي" تراجع حظوظ جوزف عون فيضمنان إزاحته. بلوك بري والمسيحيين يلغي حظوظ الوزير السابق جهاد أزعور. تحليل لا يتفق مع رؤية الإشتراكي والذي تقول مصادره"إن الحراك لا يزال مستمراً ويتابعه النائب تيمور جنبلاط من خلال لقاءاته والمسؤولين، وقد سبق وزار المطران الياس عودة والتقى المرشح النائب ميشال معوض لكن ما من شك أن الأفق الرئاسي مسدود والكتل النيابية بغالبيتها لا تزال على مواقفها بما لا يساعد على إحداث أي خرق، لكن لا خيار سوى الإستمرار بالمحاولة مع الجميع حتى تلك التي على خلاف معها .
يهدف جنبلاط إلى مساعدة حليفه رئيس مجلس النواب نبيه بري في تعزيز فكرة الحوار، طالما أن موازين القوى في مجلس النواب لا ترجّح كفّة أي فريق بما يخوّله إنتخاب الرئيس وحده و"طالما أنه لا يمكننا الرهان على الخارج فمسؤوليتنا كلبنانيين أن نستمر بالمحاولة".
سعى جنبلاط ثم عاد أدراجه خائباً لاسيما بعد اللانتائج لإجتماع باريس الخماسي. ربما اقتنع الزعيم الدرزي أن مربط الفرس الرئاسي في مكان آخر بعيد عن لبنان وأن المحاولات الداخلية في أي إتجاه كانت ومن أي طرف لن تؤتي أكلها.
تأكيد المصادر الاشتراكية استمرار المبادرة، تنفيها مواقف بعض الأطراف التي التقت رئيس الاشتراكي ثم استغربت سبب تراجعه. وتساءلت عمّا إذا كان السبب مرتبط بطلب خارجي فرمل خطواته أم باصطدام ترشيح جوزف عون بأبواب موصدة محليأ، وقد تحوّل إلى مرشّح صراع لا توافق، خاصّة بعد شبه التبني لترشيحه في اجتماع باريس. وقالت أن الانطباع السائد أن كلمة سر ما جمّدت مساعي جنبلاط ليست محلّية بالضرورة، خصوصاً بعد زيارة نائبه وائل أبو فاعور الى السعودية.
هل هو قرار خارجي دفع بوليد جنبلاط إلى التراجع عن مسعاه أم الافق المسدود داخلياً حيث تتمترس كل كتلة خلف مرشحها ولا تبدي استعداداً للنقاش بأسماء آخرين؟ الجواب غير متوافر بعد بينما الحيرة تنتاب من التقاه ولا تجد تفسيراً لما حصل.