داود ابراهيم
كثيرة هي المنعطفات التي يجب أن يسلكها وفد رئيس الحكومة إلى بكركي وتزداد حين يحل زمن الانتقال إلى الديمان. هي منعطفات كان يحفظها جيداً الدكتور داود الصايغ مستشار الرئيس رفيق الحريري الذي كان يتولّى ملف العلاقة مع البطريركية المارونية ومع الفاتيكان. بكركي البطريرك بشارة الراعي غير بكركي البطريرك نصرالله صفير، ورئاسة الحكومة زمن رفيق الحريري غيرها في زمن نجيب ميقاتي.
لطالما حرص الرئيس الحريري على إيفاد الصايغ إلى بكركي للتشاور مع البطريرك في القضايا المختلفة ولا سيما تلك التي قد يكون لها انعكاساتها على مسألة العيش المشترك والوحدة الوطنية والمشاركة في القرار. كانت بكركي حينها تلعب دور المرجعية السياسية والدينية المسيحية بالنسبة لمن كان يشكّك باتفاق الطائف ومن ورث السلطة بعدما تم إبعاد العماد ميشال عون إلى فرنسا وسجن سمير جعجع قائد القوات اللبنانية في سجن وزارة الدفاع في اليرزة.
عاد عون إلى البلاد وخرج جعجع إلى الحرية واستعادت الأحزاب المسيحية حضورها ولا تزال بكركي حاضرة، ومع تبني الجميع لاتفاق الطائف وإن كان البعض يطالب بتعديله مقابل من يطالب أوّلاً بتطبيقه. والطائف يقول بأن "لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك" ومن هذه الفقرة ينطلق المعترضون على عمل حكومة تصريف الأعمال في ظل شغور رئاسي وكونها تعمل في ظل مجلس نيابي جديد لم يكن مسؤولا عن الثقة التي حظيت بها حين تم تشكيلها، وفي ظل مقاطعة عدد من الوزراء لجلساتها.
وتنص المادة 69 من الدستور اللبناني على اعتبار الحكومة مستقيلة عند بدء ولاية مجلس النواب الجديد، كما ينص على ألا تمارس الحكومة صلاحياتها إلا بالمعنى الضيق لتصريف الأعمال، ولا يحق لها عقد جلسة لمجلس الوزراء.
ميقاتي زار بكركي في 12 كانون الأول 2022 وبعد جلسة الحكومة المستقيلة والتي كانت موضع رفض من قبل الفرقاء المسيحيين لأنها تنعقد بغياب رئيس الجمهورية وهي حكومة تصريف أعمال بصلاحيات محدودة،وبعد كلام للبطريرك الراعي عقب لقائه رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، "لم يكن يجب أن تنعقد جلسة مجلس الوزراء، خصوصًا أنّ جهات عدّة كانت غائبة". وكان الراعي وفي عظة الأحد التي سبقت قال "أنّ حكومة تصريف الأعمال هي حكومة تصريف أعمال الناس، لا حكومة جدول أعمال الأحزاب والكتل السياسية". متمنّياً على ميقاتي "الذي لطالما نأى بنفسه عن الإنقسامات أن يصوّب الأمور وهو يتحضّر مبدئيًا لعقد اجتماع للحكومة يوم الإثنين. فالبلاد في غنى عن فتح سجالات طائفية وخلق إشكالات جديدة وتعريض الأمن للإهتزاز، ونتمنّى على الحكومة أن تبقى بعيدة عن التأثيرات من هنا وهناك".
وكان كلام لميقاتي عقب لقائه الراعي وبحسب بيان صادر عن رئاسة الحكومة، "لفت الراعي نظر ميقاتي إلى أنّه "كان من الضروري إجراء تشاور قبل عقد جلسة الحكومة الأخيرة (الإثنين الماضي)". وبحسب البيان، اتفق الجانبان على "عقد جلسة تشاور مع الوزراء قريبًا للتفاهم على الخطوات التي سنقوم بها في المرحلة المقبلة".
وهي جلسة تشاور لم تحصل بل أعلن ميقاتي في 19 كانون الأول عمّا يشبه الانقضاض على ما اتفق عليه مع الراعي بقوله "أن وضع جدول أعمال مجلس الوزراء مناط حصرا برئيس الحكومة، ولا شراكة لأحد في هذا الموضوع، وفي حال انعقاد جلسة مجلس الوزراء تتم مناقشة الجدول ويصار الى التفاهم على ما يقر وما لا يقر". وعن عقد جلسات جديدة لمجلس الوزراء، قال "عند الضرورة والحاجة سأدعو مجلس الوزراء الى الانعقاد، وفق الصلاحيات الدستورية المناطة بي..."
ما سبق يعيد طرح ما عرف سابقاً عقب تطبيق اتفاق الطائف بالإحباط الماروني في ظل الوصاية السورية على البلاد، والمقاطعة المسيحية للانتخابات النيابية، وهذا يهدد بنسف كل ما تحقق من استعادة للتوازن في التمثيل والحضور. ويرتدي الأمر لبوساً أخطر في ظل ما يقال أيضاً عن إحباط سنّي بفعل مقاطعة تيار المستقبل للانتخابات النيابية وانسحاب الرئيس سعد الحريري من الحياة السياسية اللبنانية.
فهل تطيح جلسة الحكومة التي تم توزيع جدول أعملها بكل ما تحقق وتفتح الباب أمام المزيد من التأزم وتعيد رفع السواتر بين الفرقاء وتزداد الطرق تعرّجاً بين المناطق المختلفة جميعها.