داود ابراهيم
يبدو وكأن شعار حرية سيادة استقلال، قد فُصّل على قياس لبنان دون غيره، حيث تظهر سيادته رهينة بين الحرية من جهة والاستقلال من جهة أخرى. هذه السيادة هي شعار يتبدّل حاملوه بحسب التطورات والمصالح. بين من يتمنى عودة الانتداب البعيد أو الوصاية القريبة وبين من يطالب بقوات دولية مسلحة في الداخل وعند الحدود أو بعقوبات ومحاكم دولية ومحاسبة أو مساءلة.
تحضر قضية السيادة اليوم مع وصول أول الوفود القضائية الأوروبية إلى بيروت للتحقيق في قضايا تتصل بفساد وتبييض أموال تطال القطاع المصرفي في لبنان وعلى رأسه المصرف المركزي وحاكمه. لم تكن القضية لتتطور وتتفاعل دولياً لولا أنها وصلت إلى مصارف أوروبية وطاولت حقوق مودعين يحملون جنسية تلك البلدان. لم يكن الفساد في لبنان همّاً للعالم الغربي الذي ارتضى منح سلطاته قروضاً ومساعدات لم يشرف على طريقة صرفها أو توزيعها ولم يتحقق من تنفيذ شروطها والتزاماتها. حتى أن بعض الدراسات الغربية أشادت بالفساد الحميد الذي حقق نقلة في البلاد. وإن كانت هذه النقلة أدت إلى تقليص حجم القطاع العام لصالح القطاع الخاص ومن يقف خلفه من أهل السلطات المحلية.
ترتفع بعض الأصوات اليوم لتقول أن السيادة الوطنية مهددة من بوابة القضاء. بعض هذه الأصوات نفسها كان وفي محطات أخرى قد طالبت بقضاء دولي للتحقيق في جريمة اغتيال الرئيس الأسبق للحكومة رفيق الحريري ورفاقه. وبعض هذه الأصوات كان متمسكاً بالوصاية السورية على لبنان، وبعضها كان ولا يزال يعتبر أن الدولة اللبنانية غير قادرة عن الدفاع عن نفسها بقواها الذاتية وهي بحاجة للدعم.
لا للتدخل الخارجي في عمل القضاء شعار يرفعه بعض من ينتظر التفاهم الدولي على تسهيل انتخاب رئيس للبلاد وعينه على اجتماع يضم إلى فرنسا الأم الحنون في زمن الانتداب، وأميركا ولا داعي للخوض في توصيف لدورها أو لأدوارها في لبنان وحول العالم، والمملكة العربية السعودية وقطر وما بينهما وبين لبنان من تاريخ وعلاقات متداخلة متشابكة أهم صفحاتها رئيس الحكومة السابق سعد الحريري إضافة إلى عناوين أخرى لا يتسع المكان ولو لسرد عناوين بعضها فكيف بالتفاصيل.
سيادة الرئيس الذي تمت الدعوة إلى جلسة جديدة لانتخابه تحمل الرقم 11 فيما لم ينجح المجلس النيابي في جلساته السابقة بتأمين نصاب الدورة الثانية. وهو رئيس يصر بعض الداخل قبل الخارج على تحديد مواصفاته بما يرضي الأوصياء، وإن اختلفوا تخلّف الداخل عن الاقتراع.
الحديث عن سيادة في بلد يخضع لوصاية الدائنين ولشروط المانحين، أموال مواطنيه في المصارف رهينة وصاية رأس المال الذي يحظى بحماية من زعماء محليين وخارجيين ومنظومة متكاملة توارثت حكم البلاد وتبادلت الأدوار في ما بينها حتى اختلطت ألوانها وضاعت خطوط تمايزها إلا في ما يبقي على إمساكها بأتباعها.
شعار السيادة فيما جزء من الأرض تحت الاحتلال ويتطوع بعض الداخل بالتبرّع به هدية للخارج خوفاً من تحول الأرض إلى مادة قد يستثمرها البعض الآخر تحت شعار المقاومة. وليس بعيدا عن احتلال العدو للأرض يتم رصد احتلال المتنفذين للممتلكات البحرية بحماية "رسمية" تطيل أمد هذا الاحتلال وتشرّعه. بانتظار تسوية على حساب الحق العام أو تعويض يتم دفعه للمحتل عمّا جنت يداه.
من المؤكد أنها حرية تتيح للبعض رفض كل شيء لتطال كل ما فيه من خير للبلاد. واستقلال دولة مرهونة ضعيفة لا تملك تقرير مصيرها وعند الملمات تنتظر تعبير الأمم المتحدة عن قلقها لما أصابها. وبين هذا وذاك تبدو السيادة كلمة سحرية.