تشهدُ المدارس الرسمية في لبنان موجةً جديدةً من الإضرابات، تعبيرًا عن تصاعد الاحتقان في صفوف المعلمين المتعاقدين، الذين وجدوا أنفسهم أمام واقع اقتصادي صعب نتيجة قرارات حكومية أثارت جدلًا واسعًا. فقد أعلنت روابط المعلمين عن إضرابٍ تحذيري يومي 19 و20 آذار 2025، احتجاجًا على المرسوم الحكومي الأخير، الذي رغم رفع أجر الساعة، حرمَهم من بدل الإنتاجية الصيفي المقدر بـ375 دولارًا، ما اعتبروه انتقاصًا جديدًا من حقوقِهم.

تصعيد بعد تراكم الأزمات

لم يأتِ هذا التحرك بشكل مفاجئ، بل جاء نتيجة تراكم الأزمات التي يعاني منها قطاع التعليم الرسمي، لا سيما فيما يخص أوضاع المعلمين المتعاقدين، الذين يشكلون جزءًا أساسيًا من النظام التربوي، دون أن يتمتعوا بالمزايا التي يحصل عليها المعلمون المثبتون. هذا التمييز دفعهم إلى اتخاذ خطوات تصعيدية، حيث طالبت رابطة الأساتذة المتعاقدين بضرورة تحسين أوضاعهم وإنصاف جميع الفئات العاملة في القطاع التربوي الرسمي.

استبيان يكشف حجم الاستياء

نتائج استبيان أجري مؤخرًا عكس مدى الغضب في أوساط المعلمين، عبّر 99.7% عن رفضهم لإلغاء بدل الإنتاجية الصيفي، بينما أبدى 83.3% منهم استعدادهم للمشاركة في اعتصامات أمام وزارة التربية. كذلك، أظهر الاستبيان أن 97.4% من المتعاقدين غير راضين عن أجر الساعة الحالي البالغ 8 دولارات، ويطالبون بإعادته إلى 13 دولارًا كما كان في السابق.

تحركات متصاعدة وإضراب جديد قيد البحث

في ظل الأوضاع المتوترة، عقدت رابطة معلمي التعليم الأساسي اجتماعًا طارئًا لمناقشة تداعيات القرارات الأخيرة، داعيةً إلى إضراب إضافي يوم الإثنين 24 آذار 2025، تزامنًا مع اجتماعات في المدارس الرسمية لتحديد المسار التصعيدي المقبل.

وفي حديثها عن الإضراب، أكدت رئيسة رابطة الأساتذة المتعاقدين، د. نسرين شاهين، أن هذه المرة، هناك شبه إجماع بين المعلمين على التصعيد، حيث تزايدت أعداد المشاركين بشكل ملحوظ، ما دفع مديري المدارس الرسمية إلى اتخاذ قرار بإغلاق بعض المدارس التزامًا بقرار الإضراب، الأمر الذي لم يكن يحدث في السابق بهذه القوة.

اتجاه نحو إضراب مفتوح؟

مع تزايد الضغط، التقت وزيرة التربية ريما كرامي وفدًا من المعلمين لمناقشة مطالبهم، لكنها أوضحت أن الحكومة تواجه صعوبات مالية قد تمنعها من تلبية كل المطالب في الوقت الراهن. هذه التصريحات زادت من قلق المعلمين، الذين رأوا فيها مؤشّرًا على عدم وجود نية حقيقية لحل مشكلاتهم.

بناءً على ذلك، أكدت شاهين أن الإضراب التحذيري ليومي الأربعاء والخميس سيكون بمثابة اختبار لمدى تجاوب الحكومة، وإذا لم يتم التوصل إلى حلول مساء الأحد، قد تتجه الروابط إلى تصعيد أكبر، يصل إلى إعلان إضراب مفتوح يترافق مع اعتصامات ميدانية.

نحو مرحلة جديدة من التحركات

يشير المتابعون إلى أن الإضراب هذه المرة يحمل طابعًا مختلفًا، حيث باتت الروابط أكثر تنظيمًا وقوة، خاصة بعد أن تحولت من مجرد لجان فاعلة إلى كيانات رسمية معترفٌ بها من قـِبل وزارة الداخلية، مما عزز قدرتها على التأثير واتخاذ قرارات حاسمة.

مع استمرار الأزمة، يبقى السؤال: هل ستتمكن الحكومة من تلبية مطالب المعلمين المتعاقدين، أم أن قطاع التعليم الرسمي في لبنان يتجه نحو شلل تام في الأسابيع المقبلة؟