متى يقتنع الجميع أن لبنان ليس مكبّا للأزمات والنازحين ومشكلات الآخرين التي غالبا ما تتحول إلى مشاكل بين اللبنانيين. بالأمس استقبل رئيس الجمهورية جوزاف عون وفدا من الرهبنة الأنطونية وقال أمام الوفد الزائر إن لبنان يحتاج إلى تغيير في العقلية: "إن قام كل منا بما يعود إليه من واجبات لانتظمت حقوق الجميع. أما الفساد فبات ثقافة، ولكن ما من أمر مستحيل إذا ما صفت النوايا تجاه المصلحة العامة". أضاف: "من أولى واجباتنا، أن نضع الأمور على السكة ونقوم بالإصلاح المطلوب بما يساهم في تغيير بعض الذهنيات الأمر الذي يتطلب قضاء نزيها."

كيف يمكن أن نفعل ذلك؟

أولى الخطوات التي نقترحها هي المصارحة والمكاشفة. لا شك في أن الرئيس يعرف المشكلات التي يعاني منها لبنان وأهله ويعرف حجمها وامتداداتها، وإلا لما قال إن "الفساد أصبح ثقافة". لماذا لا يصارح اللبنانيين بالمصاعب التي تعترضه ويفصّل ما يجب تغييره في الذهنية التي تحدّث عنها.

نحن في بلد بلته الحروب والأزمات الاقتصادية والانهيار المالي وغياب الإدارة العامة والخدمات وعقلية "الانتفاع" و"الشطارة" و"التشاطر" والتراشق بالمسؤوليات بدل التكاتف والتلاقي حول برنامج إنقاذٍ إصلاحي.

بالأمس أقرّ مجلس الوزراء موازنة لهذا العام صُمِّمت وفق الذهنية التي طالب الرئيس أمس بتغييرها. موازنة إيراداتها الضرائب والرسوم ولا نفقات فيها للإنماء والاستثمار. موازنة يغيب عنها الإصلاح ولا تقدّم للمواطنين حلولاً.

نقترح على الرئيس - وعلى الحكومة - أن يصارح اللبنانيين بالخطة التي يريد اعتمادها للوفاء بتعهده في خطاب القسم ردّ الودائع إلى أصحابها وعدم إغراق المودعين في دوّامة المسؤوليات وتراتبيتها.

نقترح على الرئيس - وحكومته - أن يكاشف اللبنانيين بالخطة التي يريد من خلالها تغيير وجهة الموازنات السابقة فلا يكون معظم النفقات مخصصا للرواتب وسداد الدين العام، الذي توقف لبنان عن سداده منذ أكثر من خمس سنوات.

نقترح على الرئيس - والحكومة - أن يفاتح اللبنانيين بالصعوبة التي تواجهه في ترشيد حجم الإدارة العامة التي تشكو من التخمة والفراغ في آن. ولماذا لا تقوم أجهزة الرقابة بدورها ومن يعطّل هذا الدور ولمصلحة من. لماذا يوجد في الإدارة العامة نحو 350 ألف موظف منهم المتوفى ومنهم الذي لا يعرف مقرّ وظيفته ومنهم غير المؤهَّل لها. ولماذا يُحشَر الموظفون في الإدارة رغم وجود قرارات بمنع التوظيف. وما الذي منع قيام الحكومة الإلكترونية وتحديث الإدارة ومنع التعيينات إلا وفق عقلية التحاصص. وفي كل الوزارات والمجالس والإدارات والمصالح المستقلة والهيئات الناظمة أمثلة صارخة.

يجب أن يبدأ أحد من مكان ما 

نقترح على الرئيس - والحكومة - أن يشرح للبنانيين خصوصية وزارة المال ولماذا لا يرضى من يتولاها التخلي عنها وكأنها ملك شخصي.

نقترح على الرئيس - والحكومة - أن يعرض خطة لتأمين الخدمات في كل المجالات من الصحة والأمن والاتصالات والنقل والتربية وغيرها.

نحن نعرف أن الرئيس لا يتمتع بالكثير من الصلاحيات التنفيذية لكن سلطته معنوية ويكبر تأثيرها بمقدار ما يكاشف اللبنانيين ويعمل لمصلحتهم ويفضح كل مخالفة للقوانين.

ونحن نعرف أن الإصلاح صعب ومعقّد لأنه يمسّ بأصحاب المصالح والمتنفذين والمستفيدين من هدر أموال الدولة ومن ابتكار العراقيل لشل دورها.

لكننا نريد خطة أو فكرة أو عنوانا يطمئننا إلى أن الجميع في الحكومة على قلب واحد ويقيسون الأمور بالمقياس نفسه.

تغيير ذهنية؟ نعم. لكنْ يجب أن يبدأ أحد من مكان ما ويعطي المثال الصالح. علينا التخلص أولا من فكرة "الوطن المكبّ" الذي ترمى فيه نفايات المتنفذين والمنتفعين والدول الجارة والدول الصديقة والدول الطامعة لأنها تجد في فرديتنا وانقسامنا أرضا تستقبل نفاياتهم وتعتاش عليها.