أوفد الرئيس دونالد ترامب وزير خارجيته ماركو روبيو في جولة شرق أوسطية، تضمنت إجراءَه محادثات في الرياض مع نظيره الروسي سرغيي لافروف تناولت إنهاء الحرب في أوكرانيا، وعددا من الملفات الاستراتيجية العالقة بين البلدين. غابت أوكرانيا عن المفاوضات لأنها لم تُدعَ. الأكثر من ذلك أن ترامب حمّلها هي، لا روسيا، مسؤولية بدء الحرب ومسؤولية عدم إنهائها ووصف رئيسها بالديكتاتور. فردّ الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بالتأكيد أن بلاده لن توافق على أي شيء يُقرّره غيرها عنها. وعاتب ترامب قائلا إنه يعيش في مساحة من التضليل خلقتها روسيا. وليس مستبعدا أن يجتمع ترامب وبوتن قبل نهاية هذا الشهر لعقد صفقة في شأن أوكرانيا قد تكون غزة فيها "جائزة" لترامب.
ولكن، ما هي احتمالات نجاح صفقة على مصير بلد ما بدون أن يكون البلد المعنيّ حاضرا؟
استراتيجية ترامب: الثنائية ومخاطرها
يعكس تفضيل ترامب المفاوضات الثنائية مع روسيا بلا حضور الدول المعنية، وهي أوكرانيا ودول حلف شمال الأطلسي (ناتو)، اعتقادًا بأن الدولتين قادرتان على عقد صفقة مباشرة بسرعة وسهولة أكثر. وقد أبلغت إدارته الحلفاء الأعضاء في الناتو بأن عليهم أن يتولّوا زمام الأمور في القضايا الإقليمية. وهذا يشير إلى تحوّل الأولويات الأميركية نحو القضايا الداخلية والمنافسة مع الصين. وقد أبدى عدد من القادة الأوروبيين تجاوبهم معلنين استعدادهم لرفع إنفاقهم الدفاعي. حتى أنّ فرنسا وبريطانيا أعلنتا استعدادهما لإرسال قوة مشتركة من 30 ألف جندي لحماية المدن الأوكرانية إذا تمّ الاتفاق.
لكنّ هذه الاستراتيجية الاحتكارية تحمل مخاطر أكيدة.
فاستبعاد أوروبا من المفاوضات اقترحه موفد ترامب إلى أوكرانيا كيث كيلّوغ، الذي يعتقد أنّ تباين الآراء بين دول الحلف بشأن عضوية أوكرانيا ومدى الدعم لكييف سيعقّد المفاوضات. هذا الرأي يستند إلى خلاصات تحليل للاستخبارات العسكرية الاستراتيجية الأميركية، مفادها أنّ مشاركة أوروبا ستكون "إضاعة للوقت" لأنها ليست أساسية في صنع القرار.
لكنّ هذه الاستراتيجية تتجاهل الدور المهم الذي لعبته أوروبا في دعم أوكرانيا إذ ساعدتها ماليا وعسكريا، وفرضت عقوبات ضد روسيا. ولذا فإن أي اتفاق بشأن أوكرانيا يراد له أن يكون مستداما قد يكون غير قابل للاستمرار بدون مشاركة أوروبية. فالتزام أوروبا بأمن واستقرار المنطقة هو التزام طويل الأمد وبالغ الأهمية. ثم إنّ استبعاد أوكرانيا، وهي ضحية الاجتياح الروسي، يقوّض مبادئ السيادة والسلامة الإقليمية.
احتمال الوصول إلى اتفاق دائم
إذا عقد بوتن وترامب صفقة، فهذه الصفقة ستراعي الرئيس الروسي وتجنّبه المساءلة والمحاسبة. فأي صفقة ستأخذ في الاعتبار نفوذ روسيا بسبب وجودها العسكري في أوكرانيا واستعدادها لتصعيد الصراع. وقد يستغل بوتن رغبة ترامب في حل سريع للحصول على تنازلات تقوّض سيادة أوكرانيا وأمنها.
من جهة أخرى، يخشى القادة الأوروبيون أن يفضّل ترامب التوصل إلى اتفاق مع بوتن على حساب مصالح أوروبا وأوكرانيا الطويلة الأمد. ولذلك يسعى الأوروبيون إلى تنسيق موقف موحّد بشأن الصراع لضمان إسماع صوتهم. ولا يمكن أيضا الاستهانة بتصميم أوكرانيا على الدفاع عن أراضيها.
ومن المرجّح أيضا أن يواجه ترامب ضغطًا داخليًا لتجنب تقديم تنازلات لروسيا تُعتبر "مكافأة على عدوانها"، إذ يظل معظم الرأي العام الأميركي ومعظم أعضاء مجلسَي الكونغرس يدعمون أوكرانيا، بما قد يحدّ من مرونة ترامب في المفاوضات.
هذا السيناريو سيكون هزيمة لأوكرانيا وانتصارًا لروسيا ولكنه قد يمنع أيضًا حربًا أوسع
نتائج محتملة وسيناريوهات
يمكن أن تظهر عدة نتائج محتملة للمحادثات بين الولايات المتحدة وروسيا:
- "صفقة كبيرة": يمكن أن يتوصل ترامب وبوتن إلى اتفاق شامل يعالج ليس فقط الصراع في أوكرانيا ولكن أيضًا قضايا أوسع تتعلق بالاستقرار الاستراتيجي ونزع السلاح. تحقيق هذا السيناريو يفرض تنازلات من كلا الجانبين.
- اتفاق محدود: يمكن أن يتفق ترامب وبوتن على وقف إطلاق النار وإطار لحل النزاع في شرق أوكرانيا، وأن يتركا قضية شبه جزيرة القرم دون حل. وسيكون هذا السيناريو انتصارا جزئيا لروسيا ولكنه قد يمنع مزيدا من إراقة الدماء.
- انهيار المحادثات: قد تفشل المحادثات في تحقيق أي تقدّم ذي مغزى بسبب الخلافات على قضايا رئيسية مثل السلامة الإقليمية والضمانات الأمنية والعقوبات. ومن المرجّح أن يؤدّي هذا الفشل إلى تصعيد الصراع وتدهور إضافي في العلاقات الأميركية الروسية.
- استمرار الوضع القائم: قد يتفق ترامب وبوتن على الحفاظ على الوضع القائم في أوكرانيا، مع استمرار روسيا في احتلال القرم وأجزاء من شرق أوكرانيا. هذا السيناريو سيكون هزيمة لأوكرانيا وانتصارًا لروسيا ولكنه قد يمنع أيضًا حربًا أوسع.
الرئيس الروسي الذي يرحّب بمبادرة ترامب، ينبّه في الوقت ذاته إلى أنه لن يقبل بمشاركة أيّ طرف ثالث في هذه المحادثات لأنها لن تتناول أوكرانيا فقط بل ستشمل ملفات ثنائية لا علاقة لطرف ثالث بها. وكان واضحا أيضا حين قال إن الحل سيستغرق حتما أكثر من ستة أشهر.
وبالنظر إلى السرعة التي يسير بها هذا الملف فإن لا أوكرانيا ولا روسيا تملكان ترف الرفض ولا القدرة عليه. فأوكرانيا ستكون في مأزق إذا أوقفت الولايات المتحدة مساعداتها وخفضت الدول الأوروبية ودول حلف الناتو تلك المساعدات. وفي الوقت نفسه، لا تستطيع روسيا الاستمرار في الحرب لأنها منهكة اقتصاديا وعسكريا. ثم إن الحل الذي يسعى إليه ترامب هو الخطوة الأولى في مسيرة تتجاوز أوكرانيا وتتيح له التفرغ لملف مواجهة الصين.