قامت الدنيا ولمّا تقعدْ، بعدما أعلن الرئيس دونالد ترامب في مؤتمره الصحافي المشترك مع رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو بدايةَ هذا الأسبوع إنه يريد أن "تتولّى الولايات المتحدة الإشراف على قطاع غزّة" لتحوّلها منتجعا فاخرا ومركز نشاط اقتصادي لاستثمار الغاز الذي في بحرها.

في لحظة، شلح ترامب ثوبه السياسي وعاد إلى غرامه الأول وهو التطوير العقاري الذي يحمل اسمه. وحين سئل إن كان هذا الاقتراح "تعدّيا" على الفلسطينيين و"احتلالا بالقوة"، أجاب بما صار معروفا بلغة ترامب الفضفاضة: "إنه مشروع جميل. الجميع يقولون إنه جميل وإنهم يحبّونه". من هم "الجميع"؟ لا ندري، والأرجح أن يكون ترامب نفسه ومحيطه الأقرب. متى قال "الجميع" هذا الكلام وفي أيّ سياق؟ أيضاً لا ندري.

أثار هذا الاقتراح جدلا واسعا، لكنّ المدافعين عنه وعن ترامب يقولون إن محاولات الوصول إلى السلام في الشرق الأوسط طوال خمسة عقود قد فشلت، فما المانع من تجربة اقتراح غير تقليدي يفيد الأطراف جميعا؟

تقترح خطة ترامب تولّي الولايات المتحدة الإشراف على قطاع غزة، وترحيل الفلسطينيين إلى أماكن أخرى مثل مصر والأردنّ، وإعادة تطوير المنطقة إلى ما سمّاه الرئيس الأميركي "ريفييرا الشرق الأوسط". وعليه، تتولّى الولايات المتحدة تفريغ الأرض من سكانها مع إمكانية الاحتفاظ بما يكفي منهم للعمل في المشروع، وإزالة الأنقاض وتنظيف الأرض من الذخيرة والقنابل غير المنفجرة وخلق فرص العمل ببناء المساكن والمراكز التجارية والسياحية الفخمة، بما يحوّل غزة "وجهة دولية". ويُرجَّح أن تُنشَر قواتٌ أميركية لضمان الأمن في القطاع في تلك المرحلة.

تحديات الجدوى والتنفيذ

أمام التطبيق العملي لاقتراح ترامب العديد من العقبات. أولى هذه العقبات أنّ الاقتراح ينتهك القانون الدولي بفرض الإشراف على القطاع بقوة الاحتلال الإسرائيلي وقوة الأمر الواقع وتهجير سكانه بالقوّة. وبالفعل، لم يمرّ الاقتراح مرور الكرام إذ أعلن معظم الدول العربية والجهات الدولية المداففعة عن الفلسطينيين وبعض المشرعين الديمقراطيين معارضتهم إيّاه. ومن المرجّح أيضاً أن يعلو الصوت داخل الولايات المتحدة ضد نشر جنود أميركيين في غزّة لأنه قد بكون مبرِّرا لاستئناف حماس وغيرها من الفصائل "مقاومة الاحتلال".

وستلاقي الخطة صعوبات لوجستية فائقة خصوصا في نقل أهالي غزّة إلى البلد الذي سيستقبلهم في فترة إعادة الإعمار التي قد تستغرق نحو 15 عاما.

لكن إذا عزم ترامب على المضي في المشروع، من يمكنه الوقوف في وجهه؟ الجواب معقَّد بعض الشيء خصوصاً أن المشروع قد يكون موضع اتفاق مع أصحاب الشأن، خصوصا إذا قدّمت الولايات المتحدة حوافز مالية للفلسطينيين. وإذا كان من الممكن – نظريا – تأمين موافقة إسرائيل ومصر، وربّما الأردن مع دول الخليج، فمن الصعب التعامل مع بقايا "مقاومة" حماس.

ولأن المعنيين بالترحيل وإعادة الإعمار، أي الغزّاويّون، يرفضون الخطة ويؤيّدهم في ذلك الدول العربية والاتحاد الأوروبي، فإن عقبات كثيرة قد تعترض التنفيذ، أهمّها بروز تيار داخلي معترض في الولايات المتحدة قوامه الديمقراطيون والتقليديون من الجمهوريين، إضافة إلى الأجيال الشابة التي عارضت سياسة الإدارة السابقة حيال غزّة. وستجد في الولايات المتحدة مَن سيتوجّه إلى القضاء لطلب وقف تنفيذ الاقتراح ووقف فكرة نشر الجنود.

ويمكن أن تقوم هذه العقبات عن طريق المجتمع الدولي بقيادة الأمم المتحدة والهيئات التابعة لها والتي قد تتمثّل بفرض عقوبات على واشنطن. لكل ذلك قد تكون فرص تنفيذ اقتراح ترامب ضئيلة لأن العقبات التي تواجهها قد تقلّل من جدواها.

تدخّل مباشر أم تكتيك تفاوضي؟

تظل الدوافع وراء إعلان ترامب خاضعة للتفسير. ويشير بعض معاونيه إلى أنّ الاقتراح قد يكون تكتيكا تفاوضيا للضغط على حماس والقادة العرب لتقديم تنازلات. وقد يكون محاولة لاسترضاء الفصائل اليمينية في إسرائيل أو الضغط على الدول العربية للمساهمة في إعادة إعمار غزة. من الممكن أيضا أن يؤمن ترامب حقا بإمكانية تحويل غزة إلى فرصة عقارية قيِّمة.

حين كبّرت حركة "حماس" الحجر في هجومها في السابع من تشرين الأول 2023 لم يكن أمام إسرائيل إلا أن تردّ بما يعيد الاعتبار لهيبتها، مرتكبةً في الوقت ذاته ما قالت الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية أنها "جرائم حرب". وكان للتدمير المنهجي للبشر والحجر والبنية التحتية في غزة سبب آخر يتعلق بمستقبل القطاع وأسس إعادة بنائه. وكان واضحاً أن إسرائيل لن تقبل أن يعاد بناء القطاع كما كان عليه قبل الهجوم. وجاء اقتراح ترامب ليصبّ في بلورة التصوّر الجديد الذي سيعاد بناء القطاع على أساسه.

أمام هذه المعارضة وأمام إصرار ترامب على تصوّره، قد تؤدي تحرّكات دبلوماسية بعيدا عن الأنظار إلى اتفاق على قيام هيئة ما تضمّ دولا عربية تؤمّن الغطاءَين السياسي والمال، وتضمّ أيضا جهات فلسطينية وإسرائيلية وأميركية ودولية أخرى لتتولى تنفيذ الاقتراح تحت إشراف أميركي.

سوابق التهجير في العصر الحديث في الشرق الأوسط

النكبة (1948): يعد تهجير مئات الآلاف من الفلسطينيين خلال الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948 حدثا تاريخيا مهما يستخدم كنقطة مرجعية عند مناقشة عمليات الترحيل المحتملة. العديد من سكان غزة هم أحفاد أولئك الذين فروا أو طردوا خلال هذه الفترة، مما يجعلهم مقاومين بشكل خاص لنزوح آخر.

تداعيات حرب 1967: أدت حرب الأيام الستة عام 1967 إلى مزيد من النزوح للفلسطينيين من الضفة الغربية وقطاع غزة.

الحرب في لبنان (1975-1991): أدت الحرب إلى تهجيرين داخلي وخارجي. مئات الآلاف من الذين هُجِّروا استقرّوا في منطق أخرى من لبنان أو هاجروا.

الغزو العراقي للكويت (1990): تسبب هذا الحدث وعاصفة الصحراء في نزوح جماعي للعمال الوافدين العرب وغير العرب من الكويت، إلى جانب طرد العمال اليمنيين من المملكة العربية السعودية.

غزو العراق (2003): أنتج الغزو والحرب الأهلية اللاحقة ما يقدر بنحو ستة ملايين لاجئ وعدد مماثل من المشردين داخليا وإلى اندلاع الطائفية على مستوى المنطقة.

نزوح الربيع العربي: أدت انتفاضات الربيع العربي إلى نحو ثلاثة ملايين نازح نزوح داخلي جديد سنويا، وهو ما يمثل ثلث الرقم العالمي بين عامي 2010 و 2019.

الحرب في سوريا (2011-2024): أدّت الحرب في سوريا إلى تهجير أكثر من عشرة ملايين سوري من بينهم ستة ملايين داخل سوريا.