هذا الأسبوع تراجع الرئيس دونالد ترامب تحت ضغط شعبي ونيابي عن قرار التجميد الشامل للمنح والقروض الفيدرالية بعد يومين من تنفيذه. وقد نتج هذا الضغط من الفوضى العارمة التي تسبّب بها القرار والتي أدّت إلى وقف الوكالات الفدرالية الأميركية كل برامج المساعدة والتمويل التي تقدّمها داخل الولايات المتحدة، وخارجها بواسطة الوكالة الأميركية للمساعدة الدولية.
وفي مطلق الأحوال رفع عدد من المتضررين شكوى أمام محكمة فدرالية مطالبين بإلغاء التجميد، فحكمت قاضية فدرالية بوقف أقسام كبيرة منه قائلة إنه قرار غير دستوري. وقد يصل الأمر إلى المحكمة العليا.
هذا القرار الذي بدأ تطبيقه يوم الاثنين الفائت، يمثّل تحوُّلاً كبيراً في السياسة الفدرالية ويطلب من جميع الإدارات والوكالات الفدرالية تعليق الأنشطة المتعلقة بالتزام أو توزيع المساعدات المالية الفدرالية مؤقتًا. أثر هذا التوقف على مجموعة واسعة من البرامج، من البحوث الصحية والمبادرات التعليمية إلى مشاريع البنية التحتية والخدمات الاجتماعية.
النطاق والآثار
إحدى النقاط القانونية التي أخذها القضاء في الاعتبار أن قرار تجميد المساعدات شامل وغير مسبوق في التاريخ الحديث ولا يمّز بين مساعدات أقرّت بقانون وأخرى مقررة بمراسيم تنفيذية أو قرارات وزارية. وفي حين أوضحت الإدارة أن الضمان الاجتماعي والرعاية الطبية والمساعدة الفردية المباشرة لن تتأثر، فإنّ التجميد قد يؤثر على تريليونات الدولارات من الإنفاق الفدرالي.
داخل الولايات المتحدة، تشمل المجالات الرئيسية التي قد تتأثر بالتجميد
أولاً، المالية الحكومية، لأن نحو 30٪ من إيرادات الولايات تأتي من مصادر فدرالية. يمكن أن يؤدي هذا التجميد إلى تعطيل كبير في ميزانيات الولايات والخدمات. ثانياً، الرعاية الصحية، حتى ولو استثنى القرار برنامج الرعاية الطبية (Medicare)، يحوم الشك على تمويل برنامج المساعدة الطبية (Medicaid)، الذي يخدم أكثر من 74 مليون أميركي من ذوي الدخل المنخفض .ثالثاً، الإسكان والتنمية الحضرية. رابعاً، البنية التحتية، حيث تتعرض المشاريع التي يمّولها قانون الاستثمار في البنية التحتية والوظائف وقانون خفض التضخم لخطر التأخير أو التعليق .خامساً، التعليم، إذ قد توقَف المنح الفدرالية للمدارس والجامعات، بما يؤثر على البحوث والبرامج التعليمية. سادساً، الخدمات الاجتماعية.
التأثير على المساعدات الخارجية
أثّر التجميد على نحو 68 مليار دولار من تمويل المساعدات الخارجية. يمثّل هذا الرقم المبلغ الإجمالي للمساعدات الخارجية الأميركية في السنة المالية 2023، والتي وزّعت معظمها من خلال الوكالة الأميركية للتنمية الدولية. من هذا المبلغ كانت 14 مليار دولار للمساعدات الإنسانية التي قدّمتها واشنطن في العام السابق، والتي بلغت 42٪ من جميع المساعدات الإنسانية التي سجلتها الأمم المتحدة لعام 2024.
عطّل القرار البرامج الإنسانية، مثل تلك التي تقدم علاجات فيروس نقص المناعة البشرية واللقاحات والرعاية قبل الولادة لملايين النساء والأطفال في جميع أنحاء العالم. وفي مجال الصحة العالمية، عُلِّقت جهود لمكافحة الأمراض المعدية مثل الملاريا والسل وشلل الأطفال. أمّا في مناطق النزاع، قنشأت حالة من القلق وعدم الاستقرار لأن المساعدات الأمنية والعسكرية لحلفاء واشنطن مثل أوكرانيا تعرّضت للخطر. زعُلِّق أيضا التدريب على مكافحة الإرهاب في مناطق مثل الصومال.
دولتان استثناهما القرار هما إسرائيل ومصر. وقد يكون لاستثناء مصر علاقة بطلب ترامب منها استقبال لاجئين من غزّة. .
ترامب في ولايته الثانية لم يتعلم من تجارب ترامب في ولايته الأولى
الدروس المستفادة
مع وضوح عجز الإدارة عن تنفيذ قرارها، يقدّم هذا القرار عدة دروس، أهمها أنّ تنفيذ أيّ سياسة يحتاج تخطيطًا دقيقًا. أدّى التسرع في التنفيذ إلى ارتباك وفوضى واسعة النطاق.
ثمّ إنّ القضاء قادر على تعطيل الإجراءات. إضافة إلى ذلك يمكن أن يؤثر ضغط الرأي العام أيضًا على السياسة، كما يتضح من الإلغاء السريع للتجميد بعد الانتقادات والارتباك الواسع النطاق. ويمكن أيضاً أن يكون للإجراءات التنفيذية عواقب غير مقصودة، لأنّ الجميد أثر من دون قصد على الخدمات والبرامج الحيوية. أيضًا، يمكن أن تؤدي التغييرات السريعة في السياسة إلى إجهاد الأنظمة الحكومية.
درس مهم آخر هو أن الرقابة من الكونغرس تلعب دورًا حاسمًا، كما يتضح من مشاركة قادة الكونغرس في معارضة التجميد.
وقد يكون الإلغاء السريع للتجميد قد قوّض مصداقية الإدارة وقدرتها على تنفيذ تغييرات السياسة المستقبلية. وهذا يظهر أن ترامب في ولايته الثانية لم يتعلم من تجارب ترامب في ولايته الأولى.