مرّ عام كامل منذ أن غادرتنا إلى حيث السماء أقرب، وما زالت ذكراك حاضرة بيننا، تسكن زوايا قلوبنا وكأنك لم ترحل، وكأنّ رحيلك كان مجرد خاطر عابر، وكأنّ حضورك لا يزال يملأ الأمكنة التي أحببتها واللحظات التي جمعتنا.
قبل عام، كَتبتُ عنك بعنوان "إسكندر صفا وَصَلَ إلى القمّة ... فكان أقرب إلى السماء". يومها كنت أحاول أن أستوعب فُقدك الموجع وفراغ غيابك الموحش، وأن أتَرجِمَ ألَم رحيلك بكلمات حزينة مختلفة.
أما اليوم، وأنا أستعيد تلك الذكرى الأليمة، أجد نفسي أمام ذكريات تعود وتتجدّد كلّ يوم، وكأنّها أقوى من أن تُمحى. ذكريات تستمدّ قوّتها من حضورك الذي كان يشغل الأمكنة. حوارات ترتدي صوتك من جديد، أسرُدها وكأنّها بالأمس، بل كأنّها في هذه اللحظة باقية وكأنّ الزمن هو تلك السفينة التي صُنِعَت وكنت لها البحر.
أردتَ أن تكون "الصفا نيوز" منصّة تعيد إحياء الأمل في نفوس الشباب اللبناني، وتُرَسّخ مفاهيم المواطنة والانتماء والعيش المشترك. منصّة تعمل على مد الجسور بين اللبنانيين، حيث يكون تنوع الآراء مدخلاً للحوار والتلاقي، لا للتنابذ والتفرقة.
ستظل في القلب والذاكرة مصدر فَخر، وستبقى ذكراكَ تشُعّ مهما امتدت الأيام
لا تزال كلماتك حول هوية هذا الموقع وما يجب أن يستمر عليه هي البوصلة وستبقى. هذه المنصّة التي حَملت اسمك وحلمك لا بد أن تشبه أحلامك الكبيرة التي كنت تعمل على تحقيقها من خلال برامج عمل وخطط ومشاريع يمكن تَلمُّسها في كل ما أَنْجَزْت خلال حياتك المهنية.
في الغياب تتجلى قيمة الحضور، ويدرك القلب حجم الفراغ الذي لا يعوّض، ويظهر حجم الظلّ الذي رسمه الزمن لصاحبه. حِملٌ ثقيل تركته وإرثٌ كبير.
ها هما أكرم وأليخاندرو يحملان الراية من بعدك. شابان طموحان يسعيان بكل ما أوتيا من قوة ليكونا مَحَل ثقتك وعلى حجم المسؤولية التي عهدتها إليهما، وسيعملان على تحقيق آمالك وتطلعاتك حيث أنتَ وكما كُنت.
أُدرِك تماماً أن القمّة التي بلغتها لم تكن مجرّد تتويج لإنجاز، ولا محطة وصَلْتَ اليها بمفردك، ولا غاية اكتفيت بتحقيقها، بل كانت رحلة ملؤها الشغف والسير مع من تحب.
ببساطة، ومن القلب وبلا حواجز ولا حدود ... لقد جسّدت الرجولة والأصالة والشهامة والإنسانية والأخلاق والعطاء.
إسكندر صفا، لقد كنتَ أكثر من صديق، كنت الأخ والرفيق والأنيس والعزيز الذي عرف كيف يجعل من أبسط اللحظات ذكرى رائعة لا تُنسى. لقد كنت من أضاء الطريق لمن حوله بابتسامتك وبحكمتك وبنُبْلك وبحضورك الذي كان يغمر الجميع بالبهجة.
في هذا العام، تيقّنت أن الحزن لا يعني النسيان، وأن الذكرى ليست مجرد شريط من الصُوَر أو الكلمات، لقد تركت ذكرى لم ولن تمحى في حياة كل من عرفك، ذكرى كانت ولا زالت وستبقى ذلك الإحساس العميق الذي يعيدك إلينا كلّما تَذكَّرنا ضحكتك وكلماتك، فبقيت في القلب ورحلتَ إلى السماء.
في ذكراك الأولى، لا أملك سوى أن أقول "رحمك الله وجعل مثواك الجنة". ستظل في القلب والذاكرة مصدر فَخر، وستبقى ذكراكَ تشُعّ مهما امتدت الأيام.
*وزير سابق